هو أشهر دمية شعبية مصرية، ينتشر فى المناطق الريفية والشعبية، وتقام عروضه فى المواسم والأعياد والموالد، عُرف فى التراث الشعبى بالأراجوز, ذلك الكائن المصنوع من الخشب والقماش, حاد الصوت, حاد المزاج متقلبه, من الضرب بالعصا للغناء مع المحبوب, محبوبته التى هى أيضا دمية من الخشب والقماش! مسرح يحمله صاحبه على ظهره ويطوف به الشوارع والحوارى والموالد والقرى, يقدم مادة ساخرة فيها الكثير من المبالغة، لكنها سخرية لا تبتعد عن الواقع، بل تعكس حقيقة المجتمع ومشكلاته, وتعد مرآة حقيقية لحياة الإنسان الريفي والشعبى فى مصر. فالأراجوز لم يكن مجرد وسيلة للتسلية والمرح، بل يجسد الحياة اليومية للمصريين لكن بطريقته الخاصة. ويتكون الأراجوز من قفاز يأخذ شكل الدمية ويتم تحريكه باليد، وتصنع رأسه من خامة خفيفة وصلبة كالخشب (وتصنع من البلاستيك فى الوقت الحالى) يتم رسم ملامح الوجه عليها، يعلوه طاقية طويلة "طرطور" ويتم إلباس بقية الجسم جلبابا طويلا، أما يداه فتصنعان من الخشب، ويتم التحكم في تحريك الدمية عن طريق اليد، حيث يستطيع اللاعب أن يحرك رأسه بأصبع السبابة، و تختفى يده كاملة داخل جلباب الأراجوز. وللأراجوز ملامح ثابتة من حيث الشكل والسلوك أيضاً، وأول ما يلفت الانتباه ملابسه الحمراء الثابتة والمتوارثة من جيل إلى جيل، وقد تختلف في بعض التفاصيل البسيطة من فنان إلى آخر، إلا أنه يتميز عن بقية الشخصيات بلونه الأحمر وطرطوره الطويل، ولهذه الألوان رموز خاصة في الوجدان الشعبي، فالأحمر رمز الحب والخطر والخجل والموت والجان، والأخضر رمز الخير والإيمان، والأصفر رمز المكر، فهو يجمع بين الرجولة والشجاعة والقوة والإيمان والقدرة أيضاً على المكر والتفكير. وللأراجوز عادة عصا يضرب بها غريمه فى الغرام الذى يحاول أن يخطف منه أنثاه. ويستخدم الفنان الذى يؤدى دور الأراجوز آلة صغيرة تسمى "الأمانة"، وهي عبارة عن قطعتين من الأستانلس توضع في مكان خطير بالفم، وهو أول مكان يخرج منه الهواء، وهذه الآلة هى التى تجعل للأراجوز هذا الصوت الرفيع المميز الذى اشتهر به على مدى تاريخه. واختلف الباحثون في تفسير كلمة "الأراجوز"، فمنهم من ردها إلي أصل فرعوني بمعني "صانع الحكايات"، ومنهم من فسرها علي الأصل العامي "أرى جوز" (جوز بمعنى اثنين)، وذلك بسبب أن الأراجوز يعتمد على وجود شخصين، أحدهما أمام الجمهور والآخر يحرك الدمية من خلف الستار، لكن هناك خطأ شائعا في ربط الكلمة بكلمة "قره قوز" وهو لفظ تركي يطلقونه على "خيال الظل" الذى استورده الأتراك من مصر. ورغم انحسار فن "الأراجوز" في الآونة الأخيرة لقلة عدد فنانيه ولسطوة وسائل الإعلام الحديثة، فإنه لا يزال يحظى بشهرة غير عادية فى الأوساط الشعبية وغير الشعبية، ويستخدم الكثيرون كلمة "أراجوز" للدلالة على معان مختلفة في معجم الحياة اليومية للمصريين، ولقد تواجد فن الأراجواز في الحياة المصرية منذ زمن بعيد، حيث أشار الرحّالة التركي أولياجيلي في كتابه "سياحت نامة مصر" إلى أحد الفنانين في القرن العاشر الهجري الذين كانوا يلاطفون المرضى بدمى خشبية فتتحسن حالتهم وقدم علماء الحملة الفرنسية وصفاً مفصّلاً له جاء فيه: "وقد شاهدنا في شوارع القاهرة عدة مرات رجالاً يلعبون الدُّمى، ويلقى هذا العرض الصغير إقبالاً كبيراً، والمسرح الذي يستخدم لذلك بالغ الصغر، يستطيع شخص واحد أن يحمله بسهولة، ويقف الممثل في المربع الخشبي الذي يمده بطريقة تمكّنه من رؤية المتفرجين من خلال فتحات صُنعت لهذا الغرض دون أن يراه أحد ويمرر عرائسه عن طريق فتحات أخرى". ويقدَّم فن الأراجوز من خلال عدد من الوسائط منها عربة الأراجوز التى تطوف بالقرى لتقديم العرض إلى جمهور الشارع، أو البارافان أو المسرح المتنقل الذى يختلف عن العربة فى أنه يضم مقاعد للمتفرجين، أوالخيمة التى تقام فى الموالد، وتختلف طريقة الأداء والعناصر البشرية المشاركة فيه حسب نوع العرض، فقد يحتاج العرض إلى المؤدي ومساعده الذى يسمى "الملاغي" الذى يحاوره ويستثير الجمهور عليه ويردد كلماته الفكاهية، وأيضاً قد يحتاج العرض إلى تدخل الجمهور بالحوار مع "الأراجوز"، ولابد أن يتصف الفنان المؤدي بسرعة البديهة، فهو يغني ويحرك الدمى ويمثل ويرتجل النص في وقت واحد، وأن يكون ذا صوت حسن وقدرة على التحكم في أداء اللهجات المختلفة، وتلوين الصوت واستحضار نبرات صوتية مختلفة، وقدرة فائقة على الارتجال والإبداع المتجدد، وتحويل أبسط الإمكانات إلى أدوات للمتعة والتواصل المستمر مع الجمهور، ويعتمد لاعب الأراجوز بشكل كبير على مهاراته الصوتية في تلوين الأداء وتفرد الشخصيات بما يناسب كل شخصية، ويقلد الحيوانات في الوقت نفسه بحيث تشعر أن هناك العديد من الشخصيات خلف الستارة، إلا أنه في الحقيقة غالباً ما يكون مجرد شخص واحد يلعب كل هذه الأدوار. وفى كتابه " الأراجوز المصري" يشير د. نبيل بهجت إلى أن عروض الأراجوز ارتبطت بشكل أساسي بالشارع، وأن دورة الحياة هي أحد أهم الروافد التي شكلت موضوعات عروض الأراجوز، وكان هذا من العناصر الأساسية لجذب جمهور الشارع، فالموضوعات المطروحة تشكل جزءا من حياته، كما ترتبط صناعة العروض بخلق مساحات تسمح للجمهور بالتدخل فيها، ويوضح أن أحد أهم مفردات صناعة العرض، يتمثل هذا التداخل في الدور الذي يلعبه "الملاغي"، وحالات الملامسة المستمرة بل وضرب الدمية له وخوفه منها وعبث الدمية به. وفى إطار الجهود التى تسعى للحفاظ على "الأراجوز" كفن شعبى أصيل، صدر عن المجلس الأعلي للثقافة مجموعة أفلام في مشروع توثيق رقمي لفن الأراجوز المصري، قام به الدكتور نبيل بهجت، مدير مركز إبداع بيت السحيمي وأستاذ المسرح بجامعة حلوان، وهو العمل الأول من نوعه الذي يقدم مسرح الأراجوز الشعبي مصورا حيا، معتمدا علي عروض سبعة فنانين للأراجوز في أماكنهم الطبيعية. وخلال العقود الماضية ظهرت شخصية "الأراجوز" فى الكثير من الأعمال الفنية، لعل أشهرها مشهد فى فيلم "الزوجة الثانية"، وهو مشهد دال -على قصر مدته- حيث يُلخص فيه الأراجوز قصة الظلم الذى تتعرض له بطلة الفيلم، ويمنحها فوز الأراجوز على غريمه الظالم الأمل فى النجاة من شرك "العمدة" بينما هى حبيسة تتابع العرض من نافذة صغيرة. ويُعد محمود شكوكو من أشهر الشخصيات التى ارتبطت بالأراجوز، حتى أنه حرص على تقديم عروضه وهو يرتدى زى الأراجوز بجلابيته وطرطوره الشهير، وقدم عشرات المونولوجات بهذه الشخصية، ومن أبرز العروض التى شكَّل الأراجوز جزءا مهما بها، عرض "الليلة الكبيرة" الذى كتبه صلاح جاهين وقام بتلحينه سيد مكاوى، فعلى الرغم من كثرة شخصيات العرض واعتماده على العرائس بشكل كامل، فإن شخصية الأراجوز تركت أثراً كبيراً فى وجدان المصريين بخفة دمه وهو يتحايل على ذلك الريفي الساذج ويصف له طريقا "حلزونيا" يفضى به فى النهاية إلى التوهان والضياع، وترسخت عباراته فى الأذهان خاصة عبارته الأخيرة "مع السلامة يا ابو عمة مايلة" التى أصبحت مثلا يُقصد به السخرية من السُذَّج.