«كل امرىء يحيا حياتهُ وعليه أن يجد طريقهُ بين متشعب المسالك, وهو مسئول عن كل عملٍ يأتيه ويتحمل نتاجه, إن فائدة وإن أذى. فالفتاة التي اعتادت الانقياد لآراء والديها وعجزت عن إتيان عمل فردي تدفعها إليه إرادتها بالاشتراك مع ضميرها ،ما هي إلا عبدة قد تصير في المستقبل «والدة» ولكنها لا تصير «أماً» وإن دعاها أبنائها بهذا الاسم. لأن في الأمومة معنى رفيعاً يسمو بالمرأة إلى الإشراف على النفوس والأفكار والعبدة لا تربي إلا عبيداً. ولا خير في رجالٍ ليس لهم من الرجولة غير ما يدعون, إن هم سادوا فعلوا بالقوة الوحشية وهي مظهر من مظاهر العبودية. أولئك سوف يكونون أبداً أسرى الأهواء وعبيد الصغائر الهابطة بهم إلى حيث لا يعلمون ،إلى الفناء المعنوي إلى الموت في الحياة « كانت هذه كلمات الأديبة العربية مي زيادة .
وأتفق تماما معها فكم امرأة أصبحت مجرد «والدة « بفعل عوامل التعرية المجتمعية ؟ الملايين من النساء يتزوجن وينجبن ، ولكن هل اقتصرت الأمومة على الإنجاب ؟ بالطبع لا .. والا لما وجدنا أطفالا يفترشون الشوارع أويعمرون الملاجيء !
فيا إمرأة منحها الله حق الانجاب استحلفك بالله أن تكوني أماً ولا تحولي بناتك وحتى أولادك الى مجرد أعداد لا تمثل الا عبئا على الوطن والنفس فيما بعد لأن التدليل المفرط والإهمال غير المقصود يئد أبناءك ويحولهم أجسادا بلا معنى ونفوسا بلا قيم !
فالأمومة عزيزي القاريء في كل الكتب السماوية والمعاجم العربية والغربية هي أسمى المعاني على الإطلاق ، فهي تلك المشاعر أحادية الإتجاه والتى لا تفنى مهما طال عليها الزمن .
الأمومة هي تلك العلاقة التى لا تخضع لقوانين الجاذبية الأرضية لنيوتن لأنها تُمنح من السماء وترفع اليها . هي تلك الخاصية التي لا تتعلق بنسبية اينشتاين في كتلة المشاعر المتدفقة و الطاقة المتجددة والزمن الممتد والمكان المجاور للقلب .
ولن نقلل من شأن المرأة التي اقتصر دورها على كونها وعاء انجابي فقد خاضت تجربة مؤلمة طيلة تسعة أشهر وأنهتها بآلام مبرحة في الولادة لتخرج لنا مولوداً قاسمها كل ما يحمله جسدها من عناصر الحياة ، ولكن لم ترق هذه الى مرتبة الأم التي احتضنت طفلها سنوات وسنوات الى ان جاء دوره في احتضانها دون كلل أو ضجر .. وكم من أمهات لم ينجبن !
فإذا كان الإنجاب فعل «رحم « فالأمومة فعل «قلب» وفعل حياة لا يقتصر على امرأة تتمتع بالخصوبة ولا ينفى عن العاقرات .
ومن هنا وفي مثل هذا اليوم الذي نحتفل فيه ب « ست الحبايب » التي ربت وتابعت واعتنت واحتضنت ودعت لأبنائها وأعطت دون مقابل لتخرج لنا أجيالاً من الذكور تقدس المرأة لأنها «صانعة الرجال « ، وبنات يتمتعن بكل خواص الأمومة ولا تقتصر مهارتهن على الإنجاب لرفع تعداد السكان ، فالأم مدرسة اذا أعددتها .. أعددت شعبا طيب الأخلاق .
وبهذه المناسبة العظيمة فأنا أتوجه بكل حروف الحب الى «أمي» التي حفرت بدمائها نقوشا من العطاء المفرط على جدران القلب وخلايا الجسد .
ولكل شخص فقد والدته أقول : لعل الله يمنحك أماً في الحياة ربما لن تغنيك عمن رحلت ،لكن ربما تمنحك بعض العطاء والكثير من الدعاء وحبا يحفه النقاء .فلا تيأس فلله ما أعطى ولله ما أخذ .
ولكل ابن حباه الله بنعمة الأم ولم يقدرها حقها أقول : راجع نفسك قبل فوات الأوان فلن تجد وجعا دنيويا أقوى من فقد أمك ولن تجازي عقابا إلهيا أعظم من عقاب عقوق والديك .
ولكل «أم» أقول: كل عام وأنت الشمعة التى تضيء دروبنا وتغمرنا بدفء حنانها وطيف مشاعرها ..كل عام وأنت حبيبتي يا ست الحبايب .