«لماذا لم تعد النزاهة الفكرية معيارا يحكم الأمور فى وسائل الإعلام؟ولماذا لم تعد فضيلة الشرف تقابل بالاحترام ،وهى التى كانت توضع دوما فى مقدمة الفضائل؟ لماذا يخرج لاعب الرياضة من التصفيات ان ادى اداء سيئا، على حين يستمر التهليل وتصدر الشاشات، لمثقف او خبير، ينتقل من خطأ الى خطيئة؟ الكذب الحقيقى يسير على أحسن ما يرام وانعدام الضمير لا يخلو من مزايا.» حتى لو كانت المعانى السابقه تتردد فى داخلى او داخلك ، فالواجب ان انسبها فى هذا المقام ،لصاحبها او مبلورها ، الفرنسى عالم الاستراتيجيات والعلاقات الدولية ومؤسس المعهد الفرنسى للعلاقات الدولية بسكال بونيفاس ، الذى هوصاحب اكثر من خمسين كتابا ودراسة عن الجيوبولوليتك ، او الجغرافيا السياسية ،والعلاقات الدولية ،والتسليح النووى والذى اشتغل على الأوجه الاستراتيجية والدبلوماسية للرياضة، ويحسب له بلوره مفهوم ما يعرف حاليا ب «جيوبوليتك الرياضة».. كما (أحد المع المتخصصين فى شئون الشرق الاوسط والعالم الاسلامى له طروحات تنتقد بشدة التعنت الاسرائيلى وازدواجية المعايير الغربية) عالم الجيوبوليتك ترك كل ذلك ،وقرر ان يواجه ما سماه زيف المثقفين و الخبراء، ،طبعا عنده فى فرنسا .بسكال أقام الدنيا ولم يقعدها فى فرنسا قبل عامين ، لانه قرر ببساطه ان يفضح كذبا ومراوغة ، تواطئا يهدد سلامة المجتمع ، هو تحالف الإعلام والمثقفين فكتب نص كتاب لف به على اربعة عشر ناشر رفضوه جميعا، حتى قبله الناشر رقم خمسة عشر (نجون كلود جاوس ويتش) .لم يكن سبب رفض الناشرين للكتاب هو انتقاد باسكال لأحوال عموم الحالة الثقافية الفرنسية ،لكن السبب كان ان باسكال قرر ان يمسك بالمشرط، ويخرج دما فاسدا، ويطهر الجرح. باختياره عددا من اكبر الاسماء فى الساحة الثقافية والتى راها مزيفة، كاذبة، تآكل على كل الموائد، مخادعة، دخلت الفلك الاعلامى وتنتقل من خطآ الى آخر، ولا تهبط الى الارض ابدا ، القضية بالنسبة لبسكال بونيفاس هى المساحة التى صار الكذب يحتلها فى المجال العام ،عندما تكذب النخب على هذا النحو ،ينصرف الجمهور، «المزيفون» يمهدون الطريق للديماجوجيين، وهذا هو الخطر الذى يهدد الديمقراطية،و لذلك قررهو ان يفضح النخبة وتناقضاتها، وبالاسم ،فى كتاب حمل عنوان «المثقفون المزيفون» ،و بين قو سين ، النصر الاعلامى لخبراء الكذب او (وزع أربعين الف نسخه فى المرحلة الاولي) كان على رأس قائمة المخادعين من وجهة نظر بسكال بونيفاس ، برنار هنرى ليفى والكسندر ادلر و فيليب فال واسماء لها مكانة ثقافية معتبرة، وسطوة ثقافيه اكثر اعتبارا ،وهالة اجتماعية تجعلهم بمنأى عن الكشف. يقول باسكال إن المشاهدين او المستمعين او القراء مواجهون بانواع من المثقفين والخبراء ، اولهم (المزيفون)، وهؤلاء يلجأون الى حجج هم انفسهم لا يصدقونها، وهؤلاء يصنعون عملة ثقافية مزورة لضمان انتصارهم، والاسوء منهم (المرتزقة)، الذين لا يؤمنون بشيء سوى مصالحهم ، هؤلاء يدعون تبنى قضايا، ينتسبون لها و يختارونها بعناية، لا لشيء غير كونها -واعدة- وتسير فى اتجاه الريح،وحقيقه الامر انهم لا ينتسبون إلا الى انفسهم .يشترك الفريقان فى امرين ،انعدام الامانة الفكرية ، والمكيافيلية، الغاية تبرر الوسيله هل هناك قوى بعينها، تدفع الفريقين الى صدارة الاعلام؟ لا يميل صاحبنا الى الجزم لكنه يقول مع ان الانترنيت ،كذاكرة ،كفيل بكشف هؤلاءالمزورين ، إلا ان فكرة استعداء اشخاص فى مراكز قوي، فكرة لا يحبذها الاعلاميون كثيرا لاسباب ليس من الصعب استنتاجها.الجمهور، الناس ضحايا فى الشو بيزنس حل مثقفو الاعلام، محل المثقفين الحقيقيين. هل يمكن للمثقف ان يكون منتجا للثقافة ومسوقا اعلاميا؟ فى ال شو بيزنس ،الوصول لراى العام وسيلة ، لا لخدمة قضايا، ولكن للتسويق الذاتي.فى فرنسا اكتسب المثقف مكانته ليس فقط من قدرته على ازاحة المجهول وتقليص حدودة بالمعرفة ، ولكن لاسهامه فى قضايا المجتمع . فى فرنسا كان المثقفون ملوكا متوجين لوقوفهم مع قضايا وافكار لم تكن لها اى علاقه بمصالحهم ، هكذا كان الحال مع فولتير وهيجو وزولا، لم يدافعوا عن مصلحة خاصة، بل وضعوا شهرتهم لخدمة من لا شهرة له. الإتهام موجه للإعلام . كيف لمثقف ان ينتج وهو حاضر طول الوقت على ؛ منصات؛الشاشات،مثقف الشاشة يحصل على مكانه الدائم فى وسائل الاعلام، كلما مضى باتجاه الامن من الافكار .علينا ان ننتبه الى ان جزءا من انتقادات بسكال للمثقفين لم يأت من مجرد الرصد لمواقفهم من قضايا محلية، ولكن لتناقضاتهم ايضا فى الشأن الدولي،الموقف من الفلسطينيين،ومن إسرائيل، والإسلام معارك الرأى العام ، التى يتقاضى الخبراء مقابلا ماديا يكون الغرض منها التأثير على الجمهور لصالح بعض الداعمين او الرعاة (الاسبونزرز). تناقضات النخب ،تفضح نزعتهم الأخلاقية المزيفة والأستخدام المفرط والمزدوج للأخلاق لديهم، يعزز فكرة انهم لاينتسبون إلا لانفسهم، واذا كان بسكال بونيفاس قد رأى فى زيف النخبة وكذبها ما يهدد المجتمع ، فقرر أن يكشفهم على الملأ فى القسم الثانى من عمله،(بخصوص بعض المزيفين كل على حدة)، فانه أخيرا قد وازن الامر بكتاب مقابل عن المثقفين المقابلين او الذين يحظون بتقدير من وجهة نظره، خمسة عشر اسما لانتليجنسيا مازالت وفية للامانة الفكرية ولدورها.لا أدرى اذا كان الحال كذلك فى فرنسا فكيف يكون الأمر لو أن أحد باحثينا ، من غير مثقفى الشاشات،قد سار على نهج مدير معهد العلاقات الدوليه الفرنسي، واقتحم غابه التواطؤ الإعلامى الثقافى،هل يجد الناشر رقم خمسة عشر. لمزيد من مقالات ماجدة الجندى