من هى "يارا" ؟ .. هى ابنتى وابنتك وابنة جارك وصديقك واخيك ,, هى أنت وأنا .. هى ضحية حياة عدمية أصحبت عنوان حياتنا , هى القدر الذى يطوف فوق رؤوسنا علنَا نعتبر , علنَا نفيق , علنَا نستشعر أننا أصبحنا بلا قيمة , بلا ثمن .. "يلومون أولاد الجامعات الخاصة الذين يتعلمون "بفلوسهم" وها هم يموتون بفلوسهم أيضا .. مثلما قال أحد أصدقائها ناعيا زميلته الغائبة الحاضرة . "يارا" .. شقت صرخاتها سكون الصمت مستغيثة , لكنها تلاشت وسط هدير عجلات اتوبيس الجامعة , دهس براءتها وقلب حياة أهلها إلى جحيم .. أنشأ زملاؤها "هاشتاج" باسمها سيتحدثون عن "يارا" سيتذكرون مناقبها , سيذرفون الدموع ويطلقون زفرات الحزن عليها , لكن سرعان ما ستنسى مأساتها بعد أن تتلقفهم قصص دامية أخرى ( يومين والناس هتنساها آخرها هاشتاج) ويترك الحزن والألم لأهلها , هكذا عبر رواد الفيس بوك وتويتر مستنكرين ! لكن قصتها ستظل نابضة فى قلب والديها اللذين سيظلا منفردين فى لملمة أكوام الحزن المتناثرة فى كل تفصيلة مرت بحياتها , ولا عزاء لنا طول ما الدم رخيص والعداد بيعد أجولة من الفلوس المتحركة , ربما تروى ظمأ إدارة الجامعات الخاصة الجشعة التى بنيت قوانينها على "النصب" باسم الصرامة والالتزام ! الجامعة الالمانية هذا الصرح الصارم .. حلم الكثير من الشباب أن يرتادها وينهل من علمها ويتعبد فى محرابها , يتعلم الالتزام والانضباط المستلهمة من قوانينها الحازمة , التى كشفت لنا الأيام أن صرامتها ماهى إلا قناع لامتصاص دماء الطلاب فى جلب المزيد من المال دون الالتفات إلى مصلحتهم على عكس إدعاءاتها , والأمثلة هنا كثيرة لامجال لسردها , لا تختلف الجامعة الألمانية عن غيرها من الجامعات الحكومية فالاهمال ثقافة , والسلوك اللاأخلاقى وانعدام الضمير تربية تسكن العقول , لا فكاك منها حتى لو كنا فى مدينة أفلاطون الفاضلة ! لا فرق إذن بين جامعة خاصة مبهرة أو مدرسة حكومية متواضعة , تساوت النتائج وإن اختلفت الوسائل , لافرق إذا ماتت "يارا" دهسا تحت عجلات أتوبيس الجامعة , أو قتل تلميذ الصف الخامس الابتدائى بالضرب المبرح بيد مدرسه الآثمة !! أصدقاء "يارا" أكدوا رواية مختلفة عن رواية الجامعة الرسمية دمائها ظلت تنزف فى ساحة الانتظار والسائقين يتفرجون " هنعملكم ايه طلبنا الاسعاف !! بدلا من إسعافها وعمل المستحيل لانقاذ حياتها .. ياالله أهذا هو الرد المنتظر ؟! أهكذا يكون إنقاذ حياة إنسان ؟! كتبت إحدى صديقاتها واصفة اللحظات الأخيرة فى حياة "يارا" على الفيس بوك قائلة :" يارا دمها كان بيتصفى والناس بتتزاحم عشان تتفرج، دمها كان بينزف والسواقين بيقولوا نعملكوا إيه ما طلبنا الإسعاف، دمها كان بيتصفى ورئيس الباصات جه وقال يللا كل باص يطلع بدورته عشان ما نتأخرش، ماتت عشان الجامعة كل همها الفلوس ومش مهم إحنا، شوال فلوس اتصفى ومات، بس بكرة ييجى100 واحد غيره " . هذا هو الوصف الحقيقى لقيمة الانسان الآن , مجرد سلعة تباع وتشترى وتقدر بحجم شوال الفلوس الذى يدفع فيها , هل كانت الجامعة فى انتظار فاجعة كهذه حتى تهتم بمواصفات السلامة فى ساحة انتظار الاتوبيسات ؟ هل الجامعة على اتساع مساحتها وكبر حجمها عجزت عن توفير أنظمة أمان فاعلة تحمى الطلبة من تهور ورعونة السائقين , كما هى صارمة وحازمة فى قوانينها الأكاديمية ؟! أتساءل ببلاهة !! ذلك لأن ابنتى طالبة فى نفس الجامعة وسردت لى عشرات المواقف المشابهة لما حدث ليارا , لكن العناية الالهية كانت تتدخل !! فى كلمات لاهثة مبعثرة قالت ابنتى أنها كانت فى عيادة الجامعة حين هرول مجموعة من الطلبة يستنجدون لانقاذ "يارا" الغارقة فى دماءها والذعر يلجم أفواههم فتخرج كلماتهم تائهة .. "فقدت أكثر من لتر ونصف من دمائها هكذا قال زملاؤها .." ثم ما أشيع بعدها من ارتكاب الجامعة جريمة مسح الأدلة وإزالة الدماء من مكان الحادث .. لكن أكثر ما لفت انتباهى فى تعليق ابنتى هذا الاحباط الذى يطل من عينيها ويسكن كلماتها , والأسئلة الحائرة التى تجول فى خاطرها لتحسم فى النهاية خلاصة يأسها بأن الهجرة هى الحل!!.