لم تعد مسئولية المواطن مجرد التعامل مع ما تقرره السلطة من سياسات، وما تصدره من قرارات ذات صلة. ولكن هذا الرأى وإن كان صالحا فى زمن مضى، إلا أنه لم يعد ملائمًا لهذه المرحلة التى تعيشها مصر اليوم، ليس فقط نتيجة لما شهدته مصر على مدار الأعوام الأربعة الماضية من حراك مجتمعى وتزايد حضور المواطن فى المجال العام، وإنما نتيجة لإدراك السلطة الحاكمة ،خاصة رئاسة الدولة بأن المسئولية فى العبور الى المستقبل لم تعد قضية دولة بقدر ما هى قضية مشتركة تتحملها كل من الدولة بأجهزتها والمجتمع بمؤسساته. وتأتى مناسبة هذا الحديث مع انعقاد المؤتمر الاقتصادى ،الذى تستضيفه مدينة شرم الشيخ خلال الفترة 13-15 مارس الحالى (2015)، حيث يتركز الحديث عن أهمية هذا المؤتمر وجدواه ومردوداته الإيجابية على الاقتصاد الوطني، وانعكاسات كل ذلك على استكمال استحقاقات الثورة المصرية بموجتيها الأولى والتصحيحية. ولكن، رغم أهمية هذا الحديث الذى ملأ شاشات الفضائيات وامتلأت به صفحات الجرائد والدوريات العلمية العامة والمتخصصة، فإنه يظل حديثا موتورا لا يستعرض الرؤية الكلية والشاملة بشأن ضمانات نجاح هذا المؤتمر وآليات تنفيذ مخرجاته. فلم اسمع لقاء يتحدث إلا عن مسئوليات الدولة وأجهزتها فى تنظيم هذا المؤتمر ونجاحه، ولم أقرأ مقالا أو تحليلا يتحدث إلا عن الدور المنوط برجال الاقتصاد والإدارة والمؤسسات العامة والخاصة فى كيفية المشاركة فى هذا المؤتمر، وصور هذه المشاركة وطبيعتها. فى حين أن الحقيقة المبتغاة من هذا المؤتمر هى المواطن المصري، فحينما نسعى إلى نجاح هذا المؤتمر، نستهدف تحقيق صالح المواطن وتطلعاته، وكذلك حينما نسعى إلى الخروج بنتائج إيجابية عن المؤتمر، إنما نستهدف تحقيق طموحات المواطنين وآمالهم. ولذا، فإننى أرى أنه إذا كانت هناك مسئولية تقع على الدولة فى تحويل ما سينتهى إليه المؤتمر من خطط وبرامج واتفاقات وتوصيات، إلا أن هناك مسئولية أيضا تقع على عاتق المواطن المصري. إلا أن التساؤل الأوجب فى هذه الحالة: ما هو دور المواطن ومسئولياته فى هذا الصدد؟ ولا شك أن الإجابة عن هذا التساؤل، تستوجب الإشارة إلى نقطتين: الأولي، أن يعضد المواطن من آزر مؤسسات الدولة فيما تنتهجه من سياسات وما تتخذه من إجراءات، وخاصة المؤسسات ذات الصلة المباشرة بتنظيم المؤتمر، وتحديدا وزارات الاقتصاد والاستثمار، وكذلك وزارتا الاعلام والداخلية. فعندما يقدم المواطن صورا، سلبية من السلوك فى تعامله مع قضايا وطنه، ينعكس ذلك بالأثر السلبى على نجاح هذا المؤتمر. بمعنى أكثر وضوحا ودقة أين دور المواطن مما يشاع فى المجتمع وينتشر من أخبار كاذبة تهدف إلى نشر روح اللامبالاة والفوضى بين ربوع الوطن؟ فهل من المسئولية الوطنية أن يكرر المواطن مثل هذه الأكاذيب والافتراءات التى تحاول بعض الجهات الممولة من الخارج أن تبثها لترسيخ روح الهزيمة والفشل؟. الثانية، أن يعى المواطن أن عقد مثل هذا المؤتمر يمثل قضية حياة أو موت لاستكمال استحقاقات ثورتنا على البطالة والفقر والتخلف والجهل. صحيح أن المؤتمر لا يملك العصا السحرية التى تحل كافة مشكلاتنا، ولكنه يمثل خطوة على الطريق، يجب أن تليها خطوات أخرى تبنى على ما حققته هذه الخطوة، وإلا لن نتحرك قيد أنملة وسنظل فى مكاننا نراهن على مساعدات من هنا، وإعانات ودعم من هناك. فأيهما أكثر فائدة للدولة وللمجتمع أن نقيم اقتصادنا على قروض وإعانات من المؤسسات الدولية والدول الصديقة أم ترتكز حركتنا فى المجال الاقتصادى على رءوس أموال تُستثمر فيما نمتلكه من ثروات وموارد طبيعية وبشرية واقتصادية؟ إن انعقاد المؤتمر الاقتصادى يظل بمثابة نقطة محورية فى طريقة تفكيرنا نحو المستقبل، هل نحن - بحق- لدينا رؤية لبناء دولة عصرية قوامها اقتصاد قوى، وقوة عسكرية متطورة، ورؤية سياسية رصينة، وقوة بشرية لديها المهارات والكفاءات القادرة على الخروج من عنق الزجاجة ،أم سيتم تنظيم هذا المؤتمر وينتهى دوره مع فض فعالياته، كأنه مجرد جلسات وحوارات ولقاءات يربح فيها من أدرك حسابات اللحظة ومتطلباتها، وخسر فيها من يفتقد إلى المهارات والخبرات المطلوبة؟ والإجابة عن هذا السؤال معقودة على مدى فهم المواطن لدوره ولمسئولياته. لمزيد من مقالات عماد المهدى