قبل عام ونصف العام تقريبا, لم يكن المصريون ينظرون إلي جماعات الألتراس, سوي أنها مجموعات تثير جوا من البهجة في مباريات الفريقين الرئيسيين في مصر, الأهلي والزمالك, وقد تثير أحيانا بعض الشغب, تعبيرا عن حبها لفريقها. ومع الثورة برزت مجموعات الألتراس كفصيل ثوري منظم ساهم بشجاعته في الدفاع عن المتظاهرين وحماية الميدان بموقعة الجمل, يخطيء البعض عندما يظن أن تلك المجموعات مجرد مجموعات عشوائية همجية لا تعدو كونها مجموعات تشجيع لفريقها المفضل, حيث ثبت أن تلك المجموعات تضم شبابا علي قدر عال من التعليم والتأهيل ينتمي الكثير منهم لبعض كليات القمة وعلي الرغم من كونهم غير مؤدلجين لا ينتمون لفصيل سياسي بعينه إلا أن الروح المتمردة التي يمتلكونها كرسوها للدفاع عن قضايا ومطالب الثورة التي قدموا فيها عددا كبيرا من الشهداء كان آخرها في أحداث بورسعيد المؤسفة. عن االألتراسب هذا العالم الشديد الخصوصية الذي تتعدي فيه الجماهير الطبيعة وتتحدي أي سلطة وتكون لها قضيتها الخاصة يعرض المدون المخضرم محمد جمال بشير الشهير ب اجيمي هودب في كتابه تفاصيل هذا العالم المثير مقدما رؤية مميزة تمزج بين رصد ظاهرة اجتماعية وسياسية وبين تجربة شخصية لأحد مؤسسي رابطة ألتراس نادي الزمالك. يوضح المؤلف في مقدمة كتابه التي يعترف بأنهات متواطئة بعض الشيء أن تلك المجموعات تعدت مجرد الانتماء لناد وتشجيعه في السراء والضراء لما هو أبعد وأعمق من ذلك, يجمعهم شعور قوي باحتياج كل منهم للآخر ليكونوا كيانا منفصلا قد يحتاجه الكثيرون ليشعروا بمعني الحياة, فهم ليسوا مجموعة من الهمجيين والبرابرة الذين لا يتوقفون عن الغناء والعراك من أجل فريقهم ولا مجموعة من حملة الإعلام الملونة ومشعلي المفرفعات والصواريخ, بل هي معني الوطن والانتماء والعطاء بلا حدود ودون انتظار المقابل, وأن فرد الألتراس يخفي نفسه وهويته وكيانه من أجل مجموعته, ينسي أصله ومهنته, ومكانته من أجل شيء واحد, اسم مجموعته وناديه, مؤكدا أن الألتراس روح تتملك صاحبها لتصبح أسلوب حياة. ينتقد المؤلف النظرة التي يحظي بها الألتراس في مصر, مشيرا إلي أنه في استادات كرة القدم بجميع أنحاء العالم يطلق عليهم اللاعب رقم12 لما لهم من قوة تأثير داخل وخارج المدرجات, وفي وسائل الإعلامت المصرية ينعتون بالمتعصبين والمخربين, بل وفي بعض الأحيان بالكفرة والملحدين, حيث لم يكلف أحد نفسه عناء الاقتراب من جوهر ثقافة هذه المجموعات وكيف تعمل ومالها من ثقافة وتاريخ يوجه هذه المجموعات ويرسم قراراتها وردود أفعالها المثيرة للجدل في أغلب الأحيان. يكشف الكتاب الاختلافات الجوهرية بين أنواع مشجعي كرة القدم وكيف تطورت ثقافة هؤلاء المشجعين بالدول المختلفة ليظهر االهوليجانزب في انجلترا, واالبارابرافا في أمريكا اللاتينية متتبعا تاريخ ونشأة الألتراس وكيف ظهر في العالم العربي لافتا إلي أن البداية كانت في ليبيا في عام1989 عن طريق مجموعة من الشباب كانوا يسافرون لحضور المباريات في أوروبا ويعودون محملين بشغف تلك الملاعب وكانت النتيجة الإعلان عن أول ألتراس عربي, ألتراس ادراجونب التابع لنادي الاتحاد الليبي لتنتقل الظاهرة بعد ذلك إلي عدد من دول شمال افريقيا وعلي الرغم من أن نزول الألتراس بالثورة لم يكن نزولا رسميا بل كان بمبادرات فردية لبعض أفراد الألتراس, ولم تصدر به تعليمات رسمية أو تتفق روابط الألتراس علي التنسيق والنزول كجماعات كاملة إلا أن المشاركة القوية بها كانت إيمانا بالقضية من جهة وتنفيسا عن حالة الثأر من طريقة التعامل اللاإنسانية التي كانت تتعامل بها قوات الشرطة مع المشجعين بالملاعب من جهة آخري موضحا أن العداء تجاه الأمن الذي تجلي في عدة أحداث منذ الثورة يعود إلي سنوات بعيدة, بل يتقاسمه أيضا الألتراس علي مستوي العالم ويرجع لقضايا عديدة أشهرها قضية سانتوس الشاب الفرنسي مشجع فريق مارسيليا الذي دافع عن رفاقه ضد بطش قوات الأمن الإسبانية وتم اعتقاله وحكم عليه بالسجن. مشيرا إلي مثال للثأر الدائم بين الألتراس والأمن في عام2009 بين الأهلي والزمالك وحملة الاعتقالات التي باغتت المجموعتين الكبار في ليلة المباراة لمنعهم من حضورها, كما طاردت قوات الأمن أفراد ألتراس وايت نايتس في شوارع القاهرة بعد أن كانوا يحضرون لدخلة مساندة لفلسطين في ذكري الانتفاضة. كما يتناول القيم والأعراف التي تحكم هذا العالم: معني الشرف والكرامة والرجولة وإنكار الذات, وكيف ومتي يتم استخدام العنف, ومتي تنحل رابطة الألتراس؟ وكيف يتم تنظيم التمويل الذاتي ورفض أي تمويل خارجي والصداقات بين المجموعات والهدنة والصلح بينهاوالطقوس الخاصة بها مثل االدخلاتب وغيرها من أدوات التشجيع ويختتم ب اقاموس الألتراسب يوضح فيه معاني أهم مصطلحات عالم الألتراس. وفهرس أخر يحتوي علي كشف بأهم روابط الألتراس في مصر والمنطقة العربية وأوروبا. صدر عن دار دون للنشر