رغم استقبال المصريين تعديلات قانون المرور الجديد، الذي هلل له علي أنه الخلاص من أزمات وحوادث المرور التي تحصد أرواح المواطنين، و تعطل الحياة داخل وخارج العاصمة، وأصبحت أزمة المرور مستحكمة، ووراء العديد من جرائم العنف و تعطيل الحياة، و الحوادث التي تحصد أرواح المواطنين. إلا أنه في ظل هذا التفاؤل الشديد بتحسن أحوال المرور في مصر حمل هذا القانون بين طياته ثغرات اعتبرها أصحاب و قائدو السيارات ظلما لهم، و أشدها هو السير عكس الاتجاه، الذي تم تغليظ عقوبته بشدة، حيث نصت تعديلات قانون المرور الجديد علي معاقبة كل من تعمد السير في عكس الاتجاه مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد علي عشرة آلاف جنيه، أو بإحدي هاتين العقوبتين. ونصت تعديلات القانون الصادر برقم 66 لسنة 1973، علي أنه إذا نجم عن السير المعاكس أو مخالفة إشارات المرور الخاصة بتنظيم السير حدوث إصابة أو وفاة للغير تكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد علي سبع سنوات، وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد علي عشرين ألف جنيه، أو إحدي هاتين العقوبتين مع إلغاء رخصة القيادة. ولكن مع كل هذه العقوبات المغلظة لم ينصلح حال الشوارع في مصر. مما يؤكد أن الحل ليس في القوانين فقط و إنما في طرق تطبيق هذه القوانين من قبل رجال المرور و تدريبهم علي كيفية تنفيذها، وفوق كل ذلك الأخطاء الفادحة التي يتعرض لها المواطنون، و هي أن يفاجأ أحد أصحاب السيارات بمخالفة سير عكس الاتجاه في مكان أو محافظة لم يتوجه إليها طيلة حياته، و هنا يصبح لزاما عليه أن يسددها، حيث أشار موظف بإحدي المؤسسات أنه أثناء تجديد رخصة سيارته فوجئ بوجود مخالفة سير عكس الاتجاه بمحافظة أسيوط، موضحا أنه لم يتوجه إليها طيلة حياته، كما أنه في وقت إثبات المخالفة كان موجودا في عمله بالقاهرة، و اضطر دفع المخالفة دون أن يرتكبها، ورغم أن مخالفة السير مخالفة جسيمة قد تؤدي إلي حوادث و إزهاق أرواح البشر، و يجب تطبيق أقصي العقوبات علي مرتكبها، لكن من لم يرتكبها كيف يحمي نفسه، خاصة أن قرار الحبس بها قد أصبح وجوبيا، لنجد أنفسنا أمام تساؤل لم يجد له القانون حلا حتي الآن، و هو كيف يتم إثبات ارتكاب المخالفة في ظل أن مجتمع رجال المرور كغيرة من المجتمعات و الوظائف التي يوجد بها الصالح و الطالح، فما هي الضمانه للمواطن، وكيف يثبت أنه لم يرتكب هذه المخالفة، خاصة أن هذا الخطأ أصبح شائعا في العديد من وحدات المرور التي بات التوجه إليها عقوبة و كأسا من السم يتجرعه المواطن المصري، الذي حاول أن يمتلك سيارة أو يمتهن مهنة القيادة ليصبح فريسه لمافيا السماسرة المنتشرين في العديد من الوحدات، الذين يمارسون أعمالهم عقب اصطدام المواطن بموظف أو مسئول يهوي تعطيل مصالح المواطنين، وتعد وحدة مرور فيصل هي إحدي رموز مافيا الفساد، حيث يحاصرها السماسرة، بل إنهم اخترقوها من الداخل، والأمر لا يختلف كثيرا في وحدات مرور الوراق و أكتوبر و الحوامدية، و التي تحتاج إلي إعادة تأهيل بعيدا عن الشعارات الزائفة من أجل الوصول إلي رقي حقيقي يعرف من خلاله المسئول أنه يؤدي خدمة للمواطن، ويشعر المواطن أنه سيقضي حاجته دون عناء أو بلطجة من مافيا الحرام دون الاضطرار إلي الخضوع لهم أو الاستعانة بالواسطة و المحسوبية، وكل ذلك مؤداه أنه مازال الدم المراق علي الطرق مستمرا، ذلك الكابوس الذي يحصد أرواح العشرات من المواطنين الأبرياء، فالطرق مكدسة لا تحكمها قواعد، ولا صوت يعلو فيها فوق صوت العشوائية المطلقة تحصد يوميا المزيد من الأرواح التي تمر بها، فتتسبب في نزيف خسائر مالية لا يتوقف، فحال الشارع في مصر يعاني من أزمة تزداد ضخامتها يوما بعد الآخر لافتقارها أبسط معايير السلامة والأمان، وسط وعود حكومية متتالية ومتكررة بالاتجاه إلي اتخاذ خطوات فعلية لحل أزمة المرور في مصر بكل جوانبها، دون وجود تحسن ملموس فيما بين الخسائر في الأرواح والخسائر المادية بسبب السير في شوارع متهالكة تحتاج إلي صيانة متكاملة، وميادين تعاني عشوائية في التنظيم، تظل أزمة فوضي الشارع في مصر مستمرة، وتبقي مصر الأولي عالميا في حوادث الطرق، بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية في انتظار تنفيذ الوعود المؤجلة لتطوير طرقها. ومن ناحية أخري أوضح المستشار مصطفي الكومي رئيس محكمة الجنايات أن هناك انفصاما ما بين القائم علي وضع القانون، و القائم بتطبيقه الذي هو في الأغلب مجند أمي لا يجيد القراءة والكتابة، لذلك فإن الحل في تشديد العقوبات علي الورق ليس حلا للظاهرة، لأن أزمة المرور في مصر ظاهرة لها عدد من الأضلاع، القانون أحدها فقط، و هناك رجل المرور الذي ينبغي تأهيله و تعريفه بالقانون، والمواطن أو قائد السيارة الذي ينبعي تعريفه بالقانون، و الشوارع و الطرق التي يتم تجهيزها، والمستقر عليه أن تشديد العقوبة لا يمنع الجريمة، فرغم تشديد عقوبة تجارة المخدرات و الاغتصاب إلي الإعدام فإنها مازالت موجودة، بل إن تشديد العقوبة قد يكون في صالح المتهم، فإن القاضي قد يجد صعوبه في حبس سائق لمجرد أنه قد سار في عكس الاتجاه لعدم وجود لوحات إرشادية بالمنطقة أو خطأ في الرقم، وهو ما يجعل القاضي عموما يتشكك في المخالفة. موضحا أن أزمة المرور لن تحل بقوانين، لأن المنظومة بالكامل يجب أن يعاد النظر فيها، وفي عناصرها مجتمعة، بالمشاركة بين واضعي القوانين و رجال المرور و المواطن و مسئولي الأحياء، فالقانون وحده لا يصنع أخلاقا حميدة، و هو ما يبدو جليا في دول الخليج التي لا تعترف برخص القيادة الصادرة من مصر، لعلمها أن هذه التراخيص قد لا يكون صاحبها يعرف القيادة، وحصل علي هذه الرخصة بطرق ملتوية بعد دفع 300 جنيه، و هو لا يعرف القراءة و الكتابة، ولا يعرف الاتجاهات و اللوحات الإرشادية، فمن يحاسب إذن من أعطاه الرخصة؟!