سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الكويت ريادة فى العمل الإنسانى والتطوعى الشيخ صباح يرعى المؤتمر الثالث للمانحين فى مارس بحضور دولى كبير الدعم المالى للاجئين السوريين تجسيد لماضٍ عريق للكويتيين فى العمل الإغاثى
قد يتصور البعض أن العمل الخيرى الكويتى حديث العهد، أو هو لاحق على اكتشاف النفط ووفرة المال. , لكن الذى لا يعرفه الكثيرون أن العمل الخيرى فى الكويت قديم قدم هذا البلد، ومتأصل فى نفوس أبنائه الذين عملوا على تطويره حتى أصبحت الكويت منارة العمل الخيرى والتطوعى بين دول العالم العربى والإسلامي، حتى أصبح لا يذكر العمل الخيرى فى أصقاع الأرض إلا مقروناً باسم الكويت·ولذا لم يكن غريبا ان تختار الاممالمتحدةالكويت مركزا للعمل الانسانى وتكرم اميرها الشيخ صباح الاحمد كقائد للعمل الانسانى فى حفل كبير بنيويورك العام الماضى تقديرا لدوره فى فى رعاية مؤتمرين للمانحين لمساعدة الاشقاء السوريين . وحرى بنا ونحن نستعرض المساعدات الإغاثية الكويتية لشعوب العالم ، أن نتطرق الى لمحة سريعة وموجزة عن العمل الخيرى التطوعى الكويتى قديماً حتى نفى هذا البلد المعطاء حقه، وحتى يدرك الجميع أن ما يحدث الآن ليس وليد اللحظة، أو مجرد موقف ليس له جذور· يعتبر العمل الخيرى فى دولة الكويت سمة من سمات الدولة عرفت به فى الماضي، وتعرف به فى وقتنا الحاضر، والمتتبع لتاريخ العمل الخيرى فى دولة الكويت يجد ذلك العطاء الكبير، وذلك العمل العظيم الذى قدمه أبناء الكويت لبلدهم ولأمتهم العربية والإسلامية ، والتاريخ يحفظ ويذكر تلك المساعدات الخيرية التى تبرع بها أبناء الكويت حكاماً ومحكومين، تجاراً ومحدودى الدخل فى الماضى من مساعدات للقبائل المجاورة ، فضلا عن نجدة القبائل المعتدى عليها والدول المنكوبة ، فرغم قلة ذات اليد فى الماضى إلا أن المساعدات الخيرية التى قدمها أهل الكويت كانت كبيرة، ولعل ما يذكره المؤرخون عن أزمة " الهيلك " التى تعرض لها سكان فارس أواخر القرن ال19 خير شاهد على عطاء أبناء الكويت حيث بادروا بنجدة إخوانهم فى الدين عندما تعرضوا لمحنة عارضة · كما يذكر التاريخ استغاثة الدولة العثمانية ابان حريق " اسطنبول " الشهير عام 1910، وتبرع اهل الكويت لها ، وإهداء الدولة العثمانية لحاكم الكويت آنذاك وسام " مجيدى "من الدرجة الأولي، كتعبير عن التقدير لما قدمته الكويت ، كواجب دينى واخلاقى لنصرة قضايا المسلمين ، ومساعدة الإنسانية جمعاء ، وهذا بالاضافة الى ما قدمته الكويت فى عام 1934 لنجدة فلسطين وتقديم التبرعات المتعددة لهم . وما تعرف به الكويت هذه الأيام من لجان خيرية متنوعة للعمل فى شتى بقاع العالم , وما تنظمه من مؤتمرات لمساعدة الاشقاء اللاجئين بسبب الازمة السورية , وما يقوم به الهلال الاحمر الكويتى وبيت الزكاة الكويتى من نشاطات لدعم و اغاثة المحتاجين حول العالم لدليل على استمرار عطاء الكويت، وتعبير عن تضامنهم مع ابناء أمتهم ودينهم ومع الانسانية جمعاء ، وشكر لربهم الذى أغدق عليهم بنعمة النفط والوفرة المالية التى شهدتها الكويت بعد ظهور النفط فيها . · وقد مر العمل التطوعى فى دولة الكويت بثلاث مراحل عبر تاريخها نوجزها فيما يلى : العمل التطوعى الفردى يعتبر العمل التطوعى الفردى فى دولة الكويت، أولى المراحل نظراً لصغر المجتمع وبساطة تكوينه، فلم يكن هناك آنذاك مؤسسات حكومية تدير شئونه أو مؤسسات أهلية تساهم فى بنائه، بل كان الجميع رجالاً ونساءً، حكاماً ومحكومين يساهمون فى بناء المجتمع، وكان العمل التطوعى جهوداً ذاتية كل حسب طاقته وقدراته·. وكان للحكام دور فى إدارة شؤون البلاد ، وكان للعلماء دور فى التعليم والقضاء والتوعية والوعظ والإرشاد، وكان للتجار دور فى مساعدة الضعفاء والمحتاجين، وبناء المساجد، والأوقاف الخيرية التى يصرف ريعها على احتياجات المجتمع وافتتاح المدارس الأهلية ودعمها مالياً ، وكانوا يلتزمون بدفع نسبة 2% من ريع بضائعهم وتجارتهم للدولة لمساعدة الحاكم مالياً على إدارة شؤون البلاد، وتصاعدت هذه النسبة حسب احتياجات البلاد حتى وصلت فى يوم من الأيام الى 5%، واستمر العمل التطوعى الفردى بين أبناء المجتمع الكويتى جيلاً بعد جيل ليدل على أصالة المجتمع الكويتى وإيمانه وحبه لعمل الخير . العمل التطوعى الجماعى مع وجود العمل التطوعى الفردى فى الكويت قديماً، وجد كذلك العمل التطوعى الجماعى الذى كان يأخذ صورة العفوية والبساطة وتكاتف أبناء المجتمع وتلاحمهم وتعاونهم، الا انه لم يتخذ الجانب المؤسسى آنذاك لصغر المجتمع وقلة إمكاناته· وكان العمل التطوعى الجماعى فى ذاك الوقت يعرف بتطوع «الفزعة» والذى يفزع فيه أبناء المجتمع بصورة جماعية لحل مشكلة ما أو تقديم خدمات لمحتاجين أو مكروبين، وقد كانت هذه «الفزعة» تأخذ أشكالاً عدة منها : فزعة الصارى : وهى أن يفزع الناس فى مساعدة صاحب السفينة الجديدة فى حمل الصارى على ظهر السفينة وهو عمود خشبى كبير·. فزعة السفينة : بعد أن يتم تجهيز السفينة الجديدة يفزع الناس لإنزالها الى البحر وهى تحتاج لجهد كبير وعدد من الناس كثير، وهو نوع من أنواع التطوع الجماعي· فزعة إنقاذ السفينة : من المعلوم أن الكثير من الكويتيين كانوا يملكون السفن التى كانت مصدر رزقهم ، ومن المعلوم أيضاً أن هذا العمل كان محفوفا بالمخاطر ، فإذا ما وقعت كارثة بإحدى السفن - كالغرق أو التحطم - كان الأصدقاء يسارعون الى جمع التبرعات دون علم من أصابته الكارثة , وكانت هذه التبرعات الآتية كفيلة بتغطية الخسارة كلها , وفى بعض الأحيان كانت تزيد على جملة الخسارة· . كما كان الكويتيون يسارعون دون تفرقة بين كبير وصغير لإنقاذ السفن التى تجنح فى الخليج اثناء رحلاتها وكانت حملات الإنقاذ تتم طوعاً وبسرعة ، أما مصاريف الحملة الإنقاذية فكان يتكلف بها أحد الموسرين، أو أكثر من واحد إن تعذر ذلك على أصحاب السفينة·. فزعة الحرائق : يصف الأديب الكويتى المعروف حمد الرجيب صورة من صور التطوع الجماعى فى الكويت أثناء الحرائق فى كتابه "مسافر فى شرايين الوطن" فيقول : " أتذكر مشهداً من مشاهد التواد والتراحم والعطف الذى امتاز به الكويتيون فى ذلك الزمان·· ويتذكره جيلنا والجيل الذى سبقنا·· كان ذلك عند حدوث حرائق فى منزل أو دكان أو سفينة·· لم يكن فى البلاد كما هو الحال الآن سيارات للإطفاء ، يقوم عليها رجال متخصصون ، وأتمنى لو كانت عندنا فى تلك السنين كاميرات فيديو تصور تلك المشاهد وتصور النجدة التى يقوم بها الناس·· نجدة بكل ما تحمل الكلمة من معان·" فزعة فى الكوارث العامة : فزع أهل الكويت فزعة رجل واحد حين أصابت الكويت عدة نكبات تطوعوا فيها لسد حاجات الناس وتخفيف وطأة الكوارث التى حلت بهم، ومن هذه الكوارث : أزمة " الهيلك " عام 1869 ، وهى مجاعة أصابت أهل فارس فنزحوا الى الكويت، وأبلى فيها أهل الكويت بعطائّهم وسخائهم بلاءً حسناً·. عام 1872 غرقت سفن كثيرة لأهل الكويت ففزع الناس لمساعدة المتضررين· عام 1934 وتسمى بسنة «الهدامة» فى هذا العام تهدمت بيوت كثيرة ففزع أهل الكويت لنجدة أصحابها·. العمل التطوعى المؤسسى بدأت ملامح العمل التطوعى الجماعى المؤسسى فى الظهور فى دولة الكويت مع مطلع القرن العشرين ، وكان لظهور هذه المؤسسات أسباب عدة أدت الى ظهورها رغم بساطة المجتمع وقلة إمكاناته وعدد سكانه·. من هذه الأسباب .. موقع الكويت الاستراتيجى المطل على الخليج العربى ، الأمر الذى أدى الى مرور العديد من التجار والعلماء والأدباء على دولة الكويت واحتكاكهم بأبناء الكويت أمثال الشيخ محمد رشيد رضا، والمصلح التونسى عبد العزيز الثعالبى ، والشيخ محمد الشنقيطى ، فهؤلاء المفكرون والرواد كان لهم أثر واضح على أبناء الكويت فى دعوتهم لإقامة مثل هذه المؤسسات التعليمية والثقافية والخيرية ، وما تأسيس الجمعية الخيرية العربية فى دولة الكويت عام 1913 إلا تأكيد لتأثر أبناء الكويت بهؤلاء المصلحين الرواد·. كما أدى عمل أبناء الكويت فى البحر الى احتكاكهم بالدول القريبة والبعيدة ، والتقائهم وتعارفهم على الدول والشعوب والحضارات , وكان حب حكام الكويت لعمل الخير من الأسباب الرئيسية التى أدت الى ظهور هذه المؤسسات التطوعية والخيرية· ولهذه الأسباب ولدت أول مؤسسة تطوعية فى الكويت وهى المدرسة المباركية وهى مؤسسة تعليمية ثقافية ساهم أبناء الكويت فى دعمها مالياً كما ساهموا بالتعليم فيها وإدارتها ، وتوفير كافة احتياجاتها ، وكان ذلك فى عام 1911· , ثم تلى ذلك الجمعية الخيرية العربية عام 1913، والتى ساهمت فى ترميم وإصلاح المساجد القديمة ، وتوفير كل احتياجاتها وساهمت بمساعدة الأسر الفقيرة، وتعليم كبار السن، وساهمت بالدعوة والوعظ والإرشاد ، اضافة الى تجهيز مستوصف خيرى ليقدم خدماته للمرضي· , ثم المدرسة الأحمدية فى عام 1921، لتقف بجانب المدرسة المباركية فى الارتقاء بالتعليم ، ثم النادى الأدبى كملتقى للأدباء والشعراء والعلماء والمثقفين فى عام 1922، ثم المكتبة الأهلية كمؤسسة ثقافية فكرية فى عام 1926 .· جمعيات النفع العام وفى مطلع الستينيات من القرن الماضى، تم فتح المجال لإنشاء جمعيات النفع العام التطوعية لتساهم مع مؤسسات الدولة فى تنمية المجتمع وازدهاره تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ، حتى بلغت فى يومنا هذا ما يزيد على 80 جمعية نفع عام فى كافة المجالات ، لم يتوقف نشاطها داخل المجتمع بل خرج إلى بقاع كثيرة على وجه الأرض ، تبنى وتعمر، وتعلم وتطبب ، تقدم العون والغوث فى النكبات والنوازل·. ومن هنا يبدو ان ما قدمته الكويت لمساعدة الأشقاء اللاجئين بسبب الأزمة السورية والذى يقدر حتى الآن ب 800 مليون دولار عبر المؤتمر الاول والمؤتمر الثانى للمانحين لم يكن جديدا بل انه ينسجم مع تراث واخلاقيات هذا الشعب الشقيق , وتستعد الكويت حاليا لاستضافة المؤتمر الثالث اواخر مارس المقبل لتبرهن مرة بعد الأخرى على صدق توجهها الانسانى وعراقته .