علي مدي سنوات عملت مع الدكتور ثروت عكاشة خلال توليه وزارة الثقافة في الفترتين اللتين تولي فيهما هذه الوزارة كانت بالنسبة لي هي أول وزارة ثقافة حيث قبلها كان فتحي رضوان وزير الإرشاد والثقافة, وكان الإرشاد هو الأهم. ثم كانت مصلحة الفنون التي تولي رئاستها الأديب الكبير يحيي حقي لتبدأ لدينا وزارة ثقافة خاصة بالثقافة فقط. مع هذه البداية بداية, وزارة ثروت عكاشة بدأت الحياة الثقافية تتغير تماما, بدأ بإنشاء الكونسرفتوار لدراسة الموسيقي الكلاسيكية وكان مكانها هو مقر وزارة الثقافة حاليا بالزمالك قبل انتقالها إلي هذا الصرح العظيم الذي أقامه, وهو أكاديمية الفنون لينضم إليها المعهد العالي للفنون المسرحية ثم معهد الموسيقي العربية وأيضا المعهد العالي للسينما ثم تكوين أول فرقة للباليه. أذكر أن محمد كريم كان أول من تولي عمادة معهد السينما, وكان أبو بكر خيرت هو عميد معهد الكونسرفتوار وكانت عنايات عزمي هي أول عميدة لمعهد الباليه الذي كان مقره الدور العلوي لمعهد السينما, حيث كنت أذكر دائما شكوي المخرج العظيم محمد كريم الذي أخرج كل أفلام عبد الوهاب... شكوته الدائمة من دبدبة طلبة وطالبات معهد الباليه ولم يكن يبتعد عن الشكوي إلا حينما يحضر د. ثروت عكاشة التدريبات والبروفات التي كان يتابعها بنفسه كل فترة. أذكر للدكتور ثروت عكاشة كيف كان ديكتاتورا يهتم بأن يتم كل طلباته بمنتهي الجدية, ولكن هو الديكتاتور العادل كما يقال, فهو لم يكن يسمح بأن ينتقص مصر أي من الفنون الرفيعة وكان الزعيم الراحل عبد الناصر دائما ما يلبي طلباته العديدة من أجل طموحه الفني للوطن. في بعض الأحيان كنت ألمس عصبية منه وكانت هذه العصبية باستمرار من أجل إجادة العمل في مشروعه, بل مشروعاته العديدة التي نقلت مصر بالفعل أكبر نقلة في القرن العشرين. كان يغضب بشدة إذا تهاونت في نشر خبر خاص بأي من الأنشطة الثقافية ليعاتبني وأستشعر في العتاب تلك العصبية وذلك الحب بل الوله بالفن الرفيع الذي قدمه للوطن. لم يكتف بالفن الرفيع فقط الموسيقي الكلاسيكية والباليه والموسيقي العربية التراثية التي تعتمد علي الأسلوب العلمي العالمي في التوزيع, وكانت الثقافة الجماهيرية.. أول بذرة في نشر الثقافة في ربوع مصر من مرسي مطروح وحتي أسوان وكل هذا إلي جانب إنتاج ضخم من المؤلفات التي تنتمي في قيمتها إلي العالمية. في عهده كانت لدينا أول فرقة للباليه وأول أوركسترا سيمفوني وأول فرقة للموسيقي العربية رفيعة المستوي, وفي عهده كان لدينا مسرح أو قاعة سيد درويش التي بدأ افتتاحها بالموسيقار والمايسترو البريطاني ورئيس وزراء بريطانيا إدوارد هيث الذي دعاه ثروت عكاشة لقيادة الأوركسترا السيمفوني المصري. أستعيد ذكرياتي معه لأتحقق من كيفية حب المواطن ثروت عكاشة للفن وأيضا للنظام, حيث كانت مقابلتي له خلال السنوات الأخيرة باستمرار في دار الأوبرا خاصة في عروض برودواي التي تنقل لنا عبر الأقمار الصناعية لأجدة يقف محتدا ويصر علي أن يحصل المتفرج علي المكان الخاص به وأيضا بعصبية. [email protected]