جاءت الأديان تدعو إلي الخير وإخراج أفضل ما في البشر.. لكن أسوأ ما بالإنسان جعلها سبباً في الصدام. أصبح الاختلاف خلافاً لأسباب منها: المادية والغرور وحب السلطة ، والبعد عن التدين ومقولات صراع الأديان، وفي أنانية شديدة تصور كل فريق أنه وحده يملك الصواب. لم يكتف بالتمسك بعقيدته إنما تجاوز كل الخطوط الحمراء وتعدى على كرامة العقائد الأخري. استقر الخلط «أحياناً عن قصد» بين «حرية التعبير»، والتشهير بالأديان وإهانة رموزها. ذلك الإنحراف الذي لا تبرره الأديان أصبح يعرف بجريمة «إزدراء الأديان» التى تزايدت حدتها في الحقبة الأخيرة. هذه الظاهرة أصابت جميع الأديان. المسيحية لا تجد من يحميها من الاتهامات التي توجه إليها، رموزها تعامل بعدم الاحترام. أفلام تصور العذراء مريم ورجال الدين بشكل غير لائق وتسخر منهم، يتهمون المسيحيين بالشرك مع أن أول جملة فى صلاة الإيمان المسيحيين هي «أؤمن بإله واحد». نري الإسلام متهماً بالعنف والاستعباد وقهر النساء والإساءة إلي الأطفال.. وهو كتاب كريم احترم ما جاء قبله ، وتنتشر الرسومات المسيئة لرموز الإسلام. حتي اليهودية أصابها اتهامات بسبب الخلط بين العقيدة الدينية وجناحها السياسي الصهيونية. كما تعرضت ديانات آسيا للإهانة وتحطيم رموزها التي تعبر عنها. ذلك الوضع المتردي أصبح يقتضي إلي جانب تصحيح الخطاب الدينى ونشر ثقافة احترام الاختلاف ، تجريم هذه الأفعال للحد منها بإصدار تشريعات وطنية تصكها الدول وقرارات ومواثيق دولية. أولاً: في الساحة الدولية لم تكن خطورة هذه الجريمة علي السلام وحقوق الإنسان خافية علي الأممالمتحدة. عقدت حولها عشرات الاجتماعات صدر بصددها عدد كبير من الوثائق حوالي 20 لدينا ملف كامل بها نشير سريعاً لبعضها. سنة 1999 قرار من مفوضية حقوق الإنسان بعقوبة إهانة الأديان. 2005 قرار الجمعية العامة لمنع إزدراء الأديان حصل علي أغلبية 106 أصوات، وفي 2006 قدمت المفوضية الاقتراح للجمعية العامة وصدر بأغلبية 111 صوتا منهم اثنان من أعضاء مجلس الأمن. في 2007 صدر قرار مماثل بأغلبية 108 دولة تميز بمطالبة الأممالمتحدة بتقديم تقرير حول القضية. ثم مارس 2008 أصدر مجلس حقوق الإنسان قرارا أكثر قوة يطالب الدول بمنع ممارسة هذا الازدراء وينص علي منع وسائل الإعلام من بث ما يدعو إلي الكراهية والعنف ضد الإسلام أو أي عقيدة أخري وطالب بتقديم تقرير عن الالتزام بالقرار .ونفس العام أصدرت اللجنة الثالثة قراراً يدعو الأمين العام بتقديم تقرير عن مدي الالتزام بالقرارات. هذا الواقع يثير أسئلة أهمها إثنان: الأول: لماذا رغم هذه القرارات تستمر إهانة الأديان ورموزها فى انتهاك للمبادئ الإنسانية والخلقية تؤدى إلى الصراع والصدام بلا عقاب ولا رادع؟ الحقيقة الغائبة أحياناً هى أن جميع القرارات الصادرة من الأممالمتحدة وتنظيماتها قرارات ليس لها صفة الإلزام إلا بإستثناء تلك التى تصدر فى إطار الفصل السابع من الميثاق المتعلقة بمسائل االأمن والسلام الدوليين. وقد أثبت الواقع أن إهانة المعتقدات الدينية ورموزها وبث الكراهية أدى بالفعل إلى الإخلال بالأمن والسلام الدوليين وكانت سبباً فى الصراع المسلح وإرتكاب جرائم وحشية من قتل وإغتصاب والتمثيل بالجثث وحرق الأحياء وإنتهاك كل ما تنص عليه الأديان والمواثيق الدولية. الثانى: لماذا رفضت بعض الدول والمنظمات هذا القرارات بل تصدت لها ؟ أهم إعتراضات الرافضين كانت قلقاً من كبت «حرية التعبير» أو رفع قضايا كيدية أو بدوافع من التعصب. فى باكستان جميع القضايا رفعت ضد الأقليات بتهمة إهانة الإسلام ولم تكن صحيحة. حتى فى مصر أسيىء إستخدام القانون فى شكوى كيدية اتهمت عادل إمام بالإساءة إلى الإسلام وتبين أنها غير صحيحة، واتهام مدرسة لزميلتها أنها أهانت الإسلام ثم ظهر أن الدافع كان التنافس على منصب! نعم إن إساءة إستخدام أى رخصة أمر وارد لكن الحل لا يكون برفض التصدى للمشكلة. ويمكن علاجه بوضع الضوابط التى تمنع سوء الإستخدام. ثانياً:على الصعيد الوطنى هناك بعض القوانين التى تنص على حماية الأديان لعل من أفضلها قانون العقوبات المصرى التى تنص مواده( 98، 160، 161) علي منع إزدراء الأديان وكذلك حرق أو إتلاف أو تدنيس دور العبادة.. أو رموز العقائد... أو تقليد احتفال ديني بقصد السخرية.... أو التعدي علي أحد الأديان التي تؤدي شعائرها علناً وهو وإن كان لم يوفر الحماية الكاملة إلا أنه يتميز أنه يحمى جميع الأديان بينما أغلب الدول تركز على حماية عقيدة واحدة «اليهودية». ولعل أبرز مثل على هذه الطبقية فى حماية الأديان تشريع الكونجرس الأمريكى لسنة 2004 الذى صدر بعنوان: «Global Anti ذ Semitic Act» يهدف لحماية الساميةوهو يقصد اليهودية فقط ذ يخلط بين العقيدة الدينية، وإسرائيل التي هي دولة، ويعطي نفسه صلاحيات خارج حدوده ليعاقب أي شخص. وعندما دعيت لإلقاء كلمة فى إجتماع للكونجرس أشرت إلى تلك التفرقة وأقترحت أن يسترشدوا بالقانون المصرى وإصدار قرار يحمى جميع الأديان وتبين لى أمران لهما أهمية. الأول أن عددا كبيرا من الأعضاء لم يكونوا على دراية بذلك التشريع المنحاز!! والثانى تكلم بعدى من أيدوا الاقتراح حتى إن نائبة تكساس اشيلا جاكسون أعلنت أنها سوف تتقدم للكونجرس بمشروع مماثل...ومازلنا فى الانتظار. إن مصر مهد الحضارة وأرض الديانات والتعايش والمحبة التى تحمل عبء التصدى للإرهاب وحماية المنطقة والعالم من الدمار والوحشية، عليها عبء اضافى هو طلب مناقشة هذه القضية فى الساحة الدولية واستصدار قرار ملزم يدعو إلى تجريم إهانة الأديان جميعها بلا إستثناء. ويدعو الدول الأعضاء لإستصدار قوانين وطنية تشمل الضمانات والضوابط التى تمنع سوء استخدامه مع تعيين مقرر خاص يتابع التنفيذ ويقدم التقارير. هذا القرار ضرورة ملحة لحماية الأمن والسلام وأيضاً حماية الوثائق الدولية الصادرة بخصوص حقوق الإنسان وحرية التعبير إذ ينبغى توضيح المعنى الصحيح المقصود منها بعد أن أصبحت بعض االحقوقب رخصة لانتهاك كثير من الحقوق. ولهذا حديث قادم. لمزيد من مقالات ليلى تكلا