في رد فعل ، سَابَقَ الزمن ، لم يتوقعه أغلب المصريين ، أعاد رئيسهم "المغوار" الكرامة لهم ، ورفع رءوس أسر الشهداء ال 21 ، وشفا غليلهم ، بضربة جوية محكمة ، في "قلب" معقل خوارج العصر "داعش" في الدرنة بليبيا ، وذلك في أقل من 120دقيقة ما بين خطابه ، وبدء الضربة ، التي أثبت بها للعالم أن قواتنا المسلحة درع شديدة الصلادة ، للذود عن عرين الوطن ، وسريعة الاستجابة لحماية الشعب ، وكرامته ، مما يجرؤ على مسها من أول مرة ، وأن المصريين رجال معارك ، لايهابون دولة ، ولايخافون مخلوقًا ، ولاحتى دموية تنظيم لايتعدى بضعة آلاف . فها هو السيسي بهذه الضربة يعيد عجلة التاريخ للوراء أمام ناظري العالم ، ليتذكر قوة وصلابة وشدة مصر والمصريين أمام أعدائهم ، في مختلف العصور ، ولا أبالغ حينما أقول أنه يذكرنا بالضربة الجوية التي فتحت الباب لنصر أكتوبر 73 ، ومعركة عين جالوت التي سحقنا فيها المغول المتوحشين ، وغيرهما كثير. وفي البيان الذي تلا الضربة سريعًا ليبشر الشعب ، وأسر الشهداء ، بتحقيق الضربة أهدافها ، كانت كلمة "قواتكم المسلحة" بدلا من "القوات المسلحة" لفتة رائعة ، ومنتهى الذكاء ، عند وضع البيان لتوصل رسالة إلى المشككين في قواتنا المسلحة ، بأن الجيش للشعب والشعب للجيش ، وتشعرنا بالفخر في جيشنا الأبي ، الذي هو من نبت هذا الشعب العظيم . أما الخائفون من ان تجر الضربة الجوية المصرية المحكمة ، مصر الى حرب خارج حدودها ، من اجل إنهاك قواتها المسلحة ، وإضعافها ، أسوة بما حدث للعراق ، بحسب السيناريو الامريكي .. فأقول لهم : "اطمئنوا .. مصر حسباها صح" .. وإليكم الأسباب : أولًا : هي مجرد ضربات وقائية سريعة لإجهاض تنظيم ضعيف ، أيًّا كانت سطوته ، وليست مجرد حرب كاملة ، إذ لم يتم استخدام سوى سلاح واحد هو الطيران قام بالمطلوب ، وحقق الأهداف ، في سرعة ودقة ، وعاد سالمًا من دون خسائر ، ومن المقرر ان تتلوها ضربات أخرى حتى إنهاك "داعش" تمامًا. ثانيًا : تم إعلام ليبيا ، وقيادتها بأمر الضربة ، احترامًا لها ، ومساعدةً لجيشها ، على مقاومة هذا التنظيم ، وإثباتًا للعالم بأنه ليس عدوانًا وإنما حربٌ على الإرهاب . ثالثًا : ثقوا في أن الله ناصرنا ، ثم ثقوا في قواتكم المسلحة ، وقادتها بأنهم أذكى من أن ينجرُّوا لحرب لا ناقة لنا فيها ، ولا جمل ، لسبب بسيط هو أننا لم نكن يومًا دولة معتدية على أي من جيراننا ، أو أي دولة في العالم ، بل نحن فقط ندافع عن أنفسنا ، ونحمي أولادنا ومصالحنا ، لانغزو أحدًا ، وتلك هي العقيدة العسكرية الشعبية المصرية ، على مر التاريخ . رابعًا : الرئيس السيسي الذي نجح بمنتهى الذكاء السياسي ، والحنكة المخابراتية ، والبراعة الدبلوماسية في لَيِّ ذراع أمريكا الطويلة بقلب المائدة على الإخوان ، وتجييش العالم كله ، وعلى رأسه أوروبا ، لمواجهة التطرف الديني ، وتكوين حلف عالمي قوي ذي أذرع عديدة ، في مواجهة الغطرسة الأمريكية ، قادر - بإذنه تعالى - على ملاعبة أمريكا مرة أخرى ، بجهاز مخابراتها بأكمله بالذكاء والدهاء السياسي الدبلوماسي المخابراتي العالي نفسه ، ويكفي أن وراءه العالم بأسره ، حاميه في حربه ضد الإرهاب . خامسًا : الجيش المصري أكبر وأقوى جيش عربي وأوسطي ، وعاشر أكبر جيش نظامي مسلح ، على مستوى العالم ، وتلك المرتبة السامية - عربيًا وعالميًا - لم يصل إليها بسهولة ، بل بالكد ، والجهد ، والعرق ، وبديهيًا لابد أن يحافظ قادته علي مابلغه جيش الشعب من تطور تكنولوجي ، وتنظيم ، وتسليح ، أوصله لهذا الإنجاز ، لذا فمن الصعب أن يتم استدراجهم لحرب في ليبيا . سادسًا : الزمن تغير ، وباتت مصر أكثر حرصًا على مصالحها أولًا ، ثم مصالح أشقائها ثانيًا ، ثم جيرانها ثالثًا ، وأكثر استفادة من الماضي البعيد ، ودروسه في اليمن ، والنكسة ، لذا كان إخبار ليبيا ، لإسباغ الشرعية على الضربة ، وضمان مساندتها لنا ، باعتبار أننا في حرب على الإرهاب ، لا استهداف سيادة دولة ، والليبيون يعلمون ذلك جيدًا ، كما يعلمون أنه لاخلاص من "داعش" ، إلا بقوة مصر العسكرية ، لذا كان الضوء الأخضر لنا سريعًا . [email protected] لمزيد من مقالات ياسر بهيج