في أجواء حي الجمالية الساحرة ، وتحديدا في بيت السحيمي، عقد السبت الماضي أول لقاءات مهرجان القاهرة الأدبي الذي استضاف الروائي التركي العالمي أورهان باموق الحاصل علي جائزة نوبل في الأدب والروائي المصري ابراهيم عبد المجيد، وأدارت اللقاء الكاتبة والناقدة الدكتورة شيرين أبو النجا. يأتي المهرجان هذا العام تحت شعار مزج الثقافات وتواصل الأجيال. ومن المقرر أن تتم فعالياته في أماكن مختلفة بالقاهرة لها طابع ثقافي أو تاريخي أو أكاديمي، مثل بيت السحيمي و أتيليه القاهرة و كلية الألسن بجامعة عين شمس ومعهد جوتة وبيت السناري . يشارك في المهرجان أدباء من 16 دولة هي ألمانيا وسويسرا والمجر وتركيا وبولندا وسلوفاكيا والتشيك وأيرلندا واستونيا واليونان والكويت والأردن والسودان وليبيا ولبنان، إلى جانب مصر. وكان عنوان اللقاء الذي جمع باموق وعبد المجيد هو أدب المكان، علي اعتبار أن كليهما كان المكان هو البطل في أبرز أعمالهما. ومن ثم، سجلت كل من القاهرة وإسطنبول حضورهما الثقافي والروائي في بيت السحيمي الذي غلفت أجواؤه التاريخية الحديثَ عن البطولات التي سجلتها بعض الأماكن والمدن والبلاد في وجدان الأمم والشعوب. الدكتورة شيرين أبو النجا بدأت بطرح السؤال أو القضية علي الروائيين ثم قام كل منهما بالرد عليها حسب وجهة نظره وبما يتفق مع تجربته.. وعن الدور الذي لعبه المكان في رواياته قال باموق إن المكان بالنسبة له هو جزء من الذاكرة، فكل مكان عشنا فيه يرتبط معنا بمجموعة من الذكريات التي تشكل كلها فيما بعد، ليس تاريخ الأشخاص فحسب، وإنما أيضا تاريخ شعوب بكاملها. وبالنسبة إلي اسطنبول - التي أمضيت فيها عمري كله البالغ 62 عاما الآن - هي فهرس تاريخي وذكرياتي. ومما لا شك فيه أنه إذا تعرض أي من مكونات هذا المكان للاختفاء أو الضياع أو الهدم لسبب أو لآخر فإنني أفقد جزءاً من ذاكرتي بسبب ضياعه من أمامي. وقال باموق إن الروائي يعبر عن نفسه أكثر من خلال المدينة بما تحتويه من أماكن وصراع وزحام ووجوه وأشخاص، وغير ذلك مما يصنع بالنسبة للأديب قصة يضعها في إطار مدينة، والأدب هو حرفة كتابة التفاصيل الدقيقة الخاصة بالأشخاص، ثم يجد هناك انعكاسا في عالمه الصغير لذلك العالم الكبير الذي يحيط بالتفاصيل الصغيرة التي اهتم بها. وبدوره، قال الروائي إبراهيم عبد المجيد إن روايته لا أحد ينام في الاسكندرية ، تدور فكرتها حول اكتشافه أن هناك مدنا زائلة، وأن الإسكندرية إحدي هذه المدن.وأضاف : باعتباري سكندريا من مواليد الأربعينيات من القرن العشرين، اكتشفت أن الإسكندرية كانت مدينة عالمية، منذ نشأتها وحتي خمسينيات القرن الماضي، عندما خرج منها الأجانب فأصبحت مصرية.وقال: أصبحت إسكندرية جديدة لا نعرفها، ومع بداية السبعينيات فقدت روحها المصرية واكتست روحا وهابية، ولهذا وضعت المكان بشكل مركزي في أعمالي، وأري أن الشخصية هي ابنة المكان والمكان منبت لها، أي هو الأصل، ولذلك كان هو البطل الحقيقي في كل رواياتي. وعن التكريم العالمي للأدباء و الكتاب، قال باموق إن الاهتمام العالمي بالأدب التركي جاء بعد حصوله علي جائزة نوبل، وأضاف أن الاعتراف العالمي بالأدباء لا يتم إلا في مجتمع يتمتع بحرية التعبير والفكر. و عقب عبد المجيد بأن هذا هو بالفعل ما حدث مع مصر، فحتي الثمانينيات لم يعرف أحد عن مصر في مجال الأدب سوي نجيب محفوظ، إلي أن بدأ العالم يعرف أسماء الأدباء والمبدعين المصريين فيما بعد و يترجم عنهم. وعن تأثير التطورات السياسية علي الكتابات الروائية ، قال باموق إن بلاده شهدت الكثير من الانقلابات العسكرية مما دفع الكتاب إلي اللجوء إلي القصص والروايات، قراءة وكتابة، لأنهم لم يجدوا هامشا كافيا من الحرية في الواقع للتعبير عن أنفسهم . و قال : نحن في الخيال نخترع روايات وأماكن وأشخاصا نضع علي ألسنتهم ما لا نستطيع قوله في الحقيقة بسبب الظروف السياسية. وبسؤاله عن أول أعماله، قال باموق إن القراء عادة يستمتعون بالعمل الأول للكاتب أكثر مما يجد هو شخصيا، مشيرا إلي أن الفرصة متاحة لهم دائما لإعادة قراءة أول أعماله الروائية, و الذي صدر في 1978، لأنه مازال حتي الآن يترجم إلي لغات عديدة. وعن أعماله المقبلة قال باموق إنه سيركز علي تدوين تاريخ من لا يهتم أحد بتاريخهم ، و كشف عن أن روايته المقبلة ستكون عن تاريخ دخول فرشاة الأسنان إلي تركيا … متي حدث ذلك و كيف عرفوا المعجون ، وما هي الطبقات التي بادرت بشرائها واهتمت بها؟ .وقال إن التاريخ الرسمي يركز عادة علي السرديات الكبري الخاصة بالحكام، لكن لا أحد يهتم بتاريخ البسطاء.