من فرط حدته, يبدو الكاتب والباحث المصري مأمون فندي كما لو كان يمسك بمطواة(قرن غزال) يشوه بها خصومه لكنه بأسلوبه المميز يجعل القارئ يعتقد أن المطواة ليست سوي مشرط طبي يعالج به الجروح التي تملأ جسد الوطن, بل ويقنعه أنه سيقوم بتجميل أثار ما حدث بعد ذلك. والقارئ لمقالات فندي الغزيرة عن مصر يخرج بانطباع أنه يتحدث عن دولة متخلفة منغلقة علي ذاتها مصرة علي تكرار أخطائها, أقرب إلي بحيرة راكدة يتناوب أبناؤها قذفها بالحجارة والقاذورات. وهي لم تتغير سواء قامت فيها ثورة أم لم تقم. وقد حاول فندي مرارا حث المصريين علي التوقف عن تلك العادات السيئة والالتحاق بالعالم المتقدم الذي يعيش فيه, إلا أنهم لم يستجيبوا ربما لأنهم جهلة ساذجون بل متخلفون, حسب أوصافه. آفة مصر حسب البروفيسور فندي- في أبنائها المكتوب عليهم أن يواصلوا أخطاءهم, التي يحذرهم دائما منها, وهم لا ينتبهون إلي ما يحدث عندهم أو عند غيرهم لدرجة جعلته يتساءل:'لماذا لم يلتفت إلي هذا الأمر أحد غيري؟'. لكن الجريمة الأكبر, في نظره, تتمثل في الصحفيين والإعلاميين الذين يشن عليهم حربا صليبية لا تستثني أحدا, بسبب الكوارث التي يرتكبونها رغم الدروس المجانية التي يعطيها. المشكلة أن د. فندي لا يطبق دروسه علي كتاباته, فهو يهاجم عن حق نشر الأخبار, دون إسنادها لمصدر موثوق, لكنه تغافل عن ذلك عندما كشف في مقال له عن معلومات شديدة الأهمية عن سيناريوهات مغادرة الأسرة المباركية, وبدلا من ذكر مصدر معلوم أو موثوق جعل مصدره:' قيل لي' أو' في رواية أخري, قال البعض'. والطريف أنه علق قبل أيام علي خبر منسوب لمصدر مسئول عن' صفقة بين العسكري وأمريكا بشأن قضية التمويل الأجنبي' بأن المصدر كاذب ووقح وبالطبع هاجم بشدة من نشر الخبر, مع أنه يتحدث مرارا عن صفقة بين العسكري والإخوان دون أي ذكر لمصدر مسئول أو غير مسئول. ثم إن فندي الذي يجهد نفسه لحث الصحفيين علي التعلم من الصحافة الغربية ضاربا المثل بالكاتب الأمريكي ديفيد إغناتيوس, لا يطبق ذلك علي كتاباته. فإغناتيوس مثلا لا يلجأ إلي التعميم عكس الأستاذ فندي الذي كتب:'رجال أمن الدولة كانوا يكتبون الاسكربت للإعلام المصري في الأيام الأولي للثورة ومازالوا يؤدون مهامهم بمهارة', وهو هنا يطلق سهامه متهما كل الإعلاميين بأنهم'مخبرون' دون دليل واحد. كما أن الكاتب الأمريكي لا يلجأ إلي إغفال الآراء الأخري ولا يسفه من ينتقدهم ويصفهم بالكذب والوقاحة والغباء والجهل. ليس هذا دفاعا عن الصحفيين بقدر ما هو تذكير بمبادئ المهنة التي ندعي جميعا وصالا معها, بينما الواقع يشير إلي أننا ننتقي منها ما يناسبنا فقط. المزيد من أعمدة عبدالله عبدالسلام