فتحت ثورة25 يناير باب عملية إعادة بناء النظام و مؤسساته بطريقة ديمقراطية, وعندما تهدأ رياح الثورة, ويتم انجاز بناء النظام الجديد انطلاقا من وضع الدستور وتشكيل المجلس النيابي وانتخاب ريئس الجمهورية ونائبه وانتخاب المحليات. وبدء تفعيل هذه المؤسسات الجديدة, ستبدأ مرحلة الانطلاق الي آفاق التنمية والبناء الاقتصادي. هذه المراحل الثلاثة تقتضي ادوارا متمايزة للإعلام بأجهزته المختلفة. ففي مرحلة الثورة يواكب الإعلام الفوران الثوري من منطلق المحافظة علي كيان الدولة والمجتمع بالتوعية السياسية بصفة اساسية واستشارة الروح الوطنية والتضامن القومي حتي لايتحول تغيير النظام الفاسد الي مصدر تهديد للمصلحة القومية ووجود الامة. وفي مرحلة إعادة البناء السياسي فإن الإعلام يمهد العقل العام لمتطلبات وتكاليف إعادة البناء الديمقراطي وأبرزها اقامة دولة القانون التي تنهض علي اساس الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية وصياغة دستور جديد يدشن حق المصريين الاصيل في اختيار حكامهم للمرة الاولي في تاريخهم ويرسي اصول الحرية والمساواة والعدالة وحقوق وواجبات الانسان ويعزز اركان الامن العام ويقدم تصورا واضحا بجلاء للنظام الاقتصادي الذي يتفق والحرية وحقوق الانسان, ويثبت أركان النظام الحزبي ويدعمه, ويضمن وجود التجمعات السياسية المختلفة ومنها المنظمات غير الحكومية والجمعيات الاهلية, ويشكل النظام الانتخابي الذي يضمن حرية الانتخابات ونزاهتها دعائم حرية ونزاهة الاقتراع. هذه المرحلة بحاجة الي عودة الاستقرار السياسي والتحول الي الشرعية الدستورية والقانونية والاحتكام الي الاقتراع الحر والمؤسسات السياسية الجديدة وفي مقدمتها البرلمان ومن هنا يكون دور الإعلام هو الانطلاق دائما من المصلحة الجماعية للمصريين والتبشير بدولة الدستور والقانون التي تعني التحول من إرادة الفرد الي ارادة الاغلبية التي تقود النظام السياسي بأكمله عن طريق من تختاره ليشغل المناصب السياسية كرئيس للجمهورية وكنواب للشعب في البرلمان والحكم المحلي والتعريف بالمؤسسات والدعوة الي الاستقرار السياسي وحماية النظام الانتخابي وحرية الانتخابات ونزاهتها, ويحث الاعلام المواطنين علي ممارسة حقهم في التصويت والمشاركة السياسية. أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة الانطلاق الي آفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بعد ان تم وضع الاطار السياسي الاكثر ملاءمة للانطلاق الاقتصادي. ومن المسلم به اليوم بعد تجارب العديد من الامم التي انطلقت علي طريق النهضة آن التنمية الاقتصادية تقوم علي اساس الخبرات العلمية والمهارات التقنية, ومن هنا فإن علي الاعلام دورا كبيرا في اكتساب المهارات التي تحتاجها عملية النهضة الشاملة في ابعادها المادية والمعنوية, وهنا يصبح الاعلام أقرب الي التوعية العلمية الفنية منه الي أي شيء آخر, رسالتة تعتمد علي علم الخبراء وتجارب التنمية الاقتصادية في الامم الاخري. ان علي الاعلام المصري ان يجد طريقه الحقيقي في استصحاب عملية النهضة والتبشير بها وملازمتها وكشف ما تجابهه من صعوبات وعقبات ومشاكل وان يتحول من التلفيق والاصطناع وغياب الرؤية وطلاق العلم الي اعلام التحقيق والمنهج العلمي والصدق مع النفس والعثور علي طريقة حميدة لتحقيق الذات في بيئة مصرية جديدة تقوم علي ان المصريين يصبحون اصحاب أمرهم ويمتلكون زمام انفسهم ويعرفون طريقهم بين الامم. هذا هو الاعلام التقني المناسب لأمة تريد ان تنهض يقوم بنشر الخبرات والمهارات علي اوسع نطاق ممكن مما يساعد في التعليم والتدريب واكتساب الخبرات والاتصال الحر الخالي من العقبات. يحتاج الاعلام في فترة النهضة ان يتأسس علي الاخلاقيات السامية والعلم التخصصي الذي يجعل من الاعلامي خبيرا متخصصا في مجال محدد يشارك في صنع الرأي. علي الاعلامي المصري ايا كانت صورته في الصحافة او في القنوات التلفزيونية او الاذاعات او في عالم الثقافة او علي المنابر ان يمتلك الخبرة العلمية وان يكون صاحب رؤية تقدمية تتوافق وثقافة الامة كلها, وان يصر علي مناخ الحرية وهو الشرط الاول كي يعمل بأخلاقيات الواجب, وأن يتحول الي محرك قوي يسهم في تشغيل منظومة متناغمة لصنع مستقبل مصر.