مخطئ من يتصور أن الأمة الإسلامية تتعرض لخطر واحد فقط يتمثل فى التكفيريين الذين بلغوا أوج شرِّهم بجرائم جماعة "داعش"، لكن الحقيقة أن هناك خطراً موازياً لا يقل عن خطر التكفيريين ألا وهو خطر العقلانيين الذين يطعنون فى ثوابت الدين تحت مسمى التجديد. خرج أصحاب هذا الاتجاه بدعوى مواجهة أفكار التكفيريين، فإذا بهم لا يقلون عنهم خطراً على الدين، فالتكفيريون يعملون على لىِّ أعناق نصوص الكتاب والسنة لتناسب أفكارهم الخبيثة، وجاء العقلانيون بأفكار أكثر خبثاً لا تعتمد على قراءة النصوص قراءة جديدة كما يزعمون، بل يعملون على نسف العمل بهذه النصوص. وجاء حديث التكفيرى وجدى غنيم مع إحدى الفضائيات –هذا الأسبوع- ليمثل الاتجاه الأول، فهو لم يترك آية نزلت فى آل فرعون إلا وأنزلها على المصريين فى تكفير جماعى لكل مخالفيه على خطى أستاذه سيد قطب، مستعيناً بتأويلات لن تجد لها أصلا فى كتب أهل السنة، وإنما هى من زبالات أذهانه هو وأقرانه من التكفيريين. أما الخطر الثانى فلم أجد له مثالاً أوضح من تلك القنبلة الموقوتة التى توشك أن تنفجر فينا جميعاً، وهذه القنبلة اسمها "إسلام بحيرى" الذى لا يزال يردد شبهات المستشرقين المحاربين للإسلام، فيطعن فى القرآن والسنة والصحابة والتابعين وأئمة الفقه والحديث والتفسير مستغلا "خطايا" التكفيريين وتحميلها لأئمة السلف. ويجيد إسلام بحيرى استغلال ما يفعله التكفيريون "خاصة جماعة داعش" فيجتزئ نصوصاً من كتب السلف، وينتزعها من سياقها مع تعميم ما اجتزأه على كل الأئمة بشكل مقصود ليثبت مزاعمه بكذبهم وتدليسهم، مع إسقاط كل الرموز الإسلامية بما فيها الأزهر الذى لا يكف عن السخرية من رجاله. ومالم ينتبه إليه من يدعمون بحيرى هو أنه يزيد من تأييد العوام للاتجاه الآخر (التكفيرى)، وهذا ليس مجرد استنتاج، لكنه ملخص لما يواجهنا به الناس فى المسجد، فيتساءلون: لماذا يُترك بحيرى وأقرانه ليطعنوا فى الدين كيفما شاءوا فى الفضائيات والصحف والندوات؟ّ!.. ولماذا لم يوقفه أحد رغم موقف رجال الأزهر الرافض لما يقول؟.. ولماذا لم يتم منع برامجه كما حدث مع الاتجاه الآخر على اعتبار أن كليهما يشوه صورة الدين؟.. وفى كل حديث عن إسلام بحيرى ينتهى الأمر بمقارنة تنتهى لصالح التكفيريين، على اعتبار أنهم - فى رأى المتحدث - لا يطعنون فى آيات القرآن أو فى الأحاديث النبوية كما يفعل بحيرى، ولا يلقون على الصحابة تهماً كاذبة كما يفعل إبراهيم عيسى. إن الأمر جد خطير، فأخشى ما أخشاه أن تُحسب طعون إسلام بحيرى على مصر كسياسة دولة -وأنا على يقين أنها ليست كذلك-، أو أن يجد عامة المصريين أنفسهم –بدافع التوجهات السياسية- فى أصعب موقف ألا وهو الاختيار بين زبالات أذهان وجدى غنيم وإسلام بحيرى، ووقتها لن نجد وقتا للبكاء على اللبن المسكوب.. اللهم إنى قد بلغت.. اللهم فاشهد. لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى