يابانى اسمه هوندا .. كان وقتها طالبا فى المدرسة الثانوية عندما قرر أن يستثمر كل ما يملك فى إنشاء ورشة صغيرة يطور فيها حلقة صمام تستخدم فى السيارات .. وهكذا أخذ يجاهد ليل نهار لتنفيذ فكرته .. غير أنه حين استكمل صنع هذه الحلقات وقدمها للمسئولين فى شركة سيارات يابانية شهيرة .. تم رفضها لأنها لا تتوافق مع مقاييس السيارات التى تنتجها تلك الشركة.. بعدها عاد إلى المدرسة حيث احتمل سخرية مدرسيه وزملائه وهم يتحدثون عن فشله وإخفاقه .. وعاد أيضا إلى ورشته حيث تمكن بعد أربع سنوات من إنتاج حلقات وافق عليها المسئولون .. ووقَّعوا معه العقد الذى طالما حلم به.لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية وقف عائقا أمام استكمال مشروعه .. فقد رفضت الحكومة اليابانية الطلب الذى تقدم به للحصول على الأسمنت اللازم لبناء معمله .. لم ييأس .. بسرعة تمكن هو وفريق صغير من العمال من ابتكار طرق جديدة لانتاج الأسمنت .. وهكذا تم بناء المعمل .. لكن فرحته به لم تستمر طويلا .. فقد تم قصفه وتدميره خلال اشتباكات الحرب .. لم يحبط .. ولم يندب حظه السىء.. جمع عماله وأعاد بناء المعمل.. وتصور أن الأيام ستصفو له.. لكن حدث ما لم يكن فى الحسبان .. فقد وقع زلزال هائل .. حوَّل المعمل إلى أنقاض. للحق.. كان كل شيء حوله يدفعه لليأس .. ولكنه لم ييأس .. لأنه كان منذ البداية قد اتخذ قرارا بأن يجعل حياته وحياة الناس فى وطنه أفضل وأجمل .. لذلك حين اختفت السيارات خلال سنوات الحرب من شوارع المدن اليابانية بسبب ندرة البنزين .. وأصبح الانتقال بالدراجات يحتاج وقتا طويلا خاصة فى المسافات الطويلة .. دفعه عقله إلى صنع محرك صغير لدراجته التى لفتت أنظار الناس .. فاندفعوا يطلبون منه صناعة محركات لدراجاتهم .. ولأنه كان لا يملك المال اللازم لإقامة مثل هذا المصنع.. فقد أرسل خطابات لأصحاب محل الدراجات فى اليابان يطلب منهم أن يهبوا لمساعدته ويناشدهم أن يلعبوا دورا حتى لو كان صغيرا لإعادة إحياء اليابان. وهكذا ظهرت فى الشوارع اليابانية دراجات تسير بقوة المحرك سهلَّت حياة الناس الذين صفقوا له طويلا عندما فاز بجائزة إمبراطور اليابان. إنه سويكيرو هوندا الذى استطاع فى النهاية .. وبعد أكثر من ثلاثين عاما من العمل الدؤوب أن يؤسس شركة سيارات حملت اسمه .. وحققت رواجا واسع النطاق فى سبعينيات القرن الماضي. قصة حياة هذا الرجل تستحق التأمل .. لقد حقق حلمه فى ظل ظروف بالغة القسوة .. حرب وزلازل ودمار وبؤس .. لأنه عرف كيف يواجه الصعوبات والتحديات .. وكيف يشحذ همته ويقوى عزيمته .. وكيف يمنع الإحباط من أن يتسلل إلى أعماقه ويجرده من قوته الذاتية أو يحطم قدرته على العمل .. كان مثل معظم اليابانيين الذين آمنوا بأن العمل الدائم والمستمر لتحسين وتطوير نوعية إنتاجهم هو الطريق السريع للتقدم والازدهار والمنفذ الوحيد للسيطرة على أسواق العالم كله وإغراقه بمنتجات كَتب عليها عبارة «صنع فى اليابان». وهكذا أصبحت اليابان إحدى أهم القوى الاقتصادية الطاغية فى العالم فى غضون عقدين من الزمان بفضل هوندا وأمثاله من الذين ناضلوا طويلا من أجل رؤية أحلامهم وهى تتحقق على أرض الواقع .. وبفضل أغنيائها الذين لبَّوا نداء من ناشدوهم للتبرع بجزء من أموالهم لإعادة بناء وطنهم .. وبفضل شعبها الصبور الحكيم الذى عمل كثيرا .. وتكلم قليلا. لمزيد من مقالات عايدة رزق