تظل موسكو عند موقفها الذي طالما تمسكت به لدى تعاملها "قصير المدى" مع المنظمات الارهابية والمتطرفة ومنها ما كانت تتلحف برداء الانظمة الرسمية على غرار ما حدث في مصر ابان الفترة التي استولي فيها "الاخوان المسلمون" على الحكم. وكانت المحكمة الروسية العليا اصدرت في فبراير 2003 بادراج منظمة "الاخوان المسلمين" ضمن قائمة المنظمات الارهابية المحظور نشاطها في روسيا، ورفضت اكثر من طلب من جانب الرئيس السابق محمد مرسي لرفعها من هذه القائمة. ولعل ما تقوم به موسكو في مجال مواجهة الارهاب وروافده من منظمات تتدثر برداء الدين والاخلاقيات الرفيعة، يمكن ان يكون تجربة مفيدة لكل من يواجه مثل هذه الاخطار. وكانت موسكو ادركت وتداركت مغبة التساهل في مواجهة مثل هذه التوجهات مبكرا ومنذ الحرب الشيشانية الاولى 1994-1996. غير انها وإن خضعت للضغوط الخارجية ابان عهد الرئيس الاسبق بوريس يلتسين، التي مارستها الدول الغربية وبعض البلدان العربية والخليجية تحديدا، فانها اتخذت موقفا مغايرا خلال الحرب الشيشانية الثانية التي واجهها بكل الشدة والتشدد فلاديمير بوتين وكان تسلم رئاسة الحكومة الروسية في اغسطس 1997. وكانت موسكو قد حسمت موقفها تجاه منظمة "الاخوان المسلمون" وما تفرع منها وحولها من تنظيمات تحت مختلف التسميات والعناوين مثل "المجلس العسكري الاعلى لشورى القوى المتحدة لمجاهدي القوقاز"، وتنظيم "القاعدة"، و"عصبة الانصار" و"الجهاد"، و"الجهاد الاسلامي المصرية"، و"الجماعة الاسلامية"، وحزب التحرير الاسلامي"، و"الشكر والطيبة"، و"الجماعات الاسلامية"، و"حركة طالبان"، و"الحزب الاسلامي لتركستان" (الحركة الاسلامية في اوزبكستان سابقا)، و"جمعية الاصلاح الاجتماعي" و"جمعية احياء التراث الاسلامي"، و"الحرمين"، و"الجهاد الاسلامي جماعة المجاهدين"، و"جند الشام"، الى جانب الحديث منها مثل "جبهة النصرة" و"تنظيم الدولة الاسلامية - داعش" في العراق والشام. وفي هذا الصدد نقل ما سبق وقاله الجنرال يوري صابونوف من جهاز الأمن والمخابرات في حديث صحفي نشرته الصحيفة الروسية "روسيسكايا جازيتا" ان المعايير التي حددت ادراج هذه المنظمة او تلك ضمن القائمة الرسمية للمنظمات الارهابية تنحصر في نشاط المنظمة الذي يستهدف تغيير نظام الحكم الدستوري في روسيا الاتحادية بالقوة او بالعنف المسلح من خلال السبل الارهابية. وثانيا: الاتصال بالتشكيلات المسلحة غير المعترف بها وغيرها من التشكيلات المتطرفة الموجودة في شمال القوقاز. وثالثا: الانتماء الى التنظيمات التي يعتبرها المجتمع الدولي منظمات ارهابية او الاتصال بها. وكان الكرملين قد اشار غير مرة الي ما ارتكبه الاخوان ومعهم عدد من منظمات الدعوة والاغاثة واتحادات الاطباء العرب واتحاد الاذاعات الاسلامية ما ارتكبته من جرائم في مجال الترويج للأفكار الدينية المتطرفة بين صفوف الاوساط الاسلامية الروسية، الي جانب دعم وتمويل الانفصاليين الشيشان والمتطرفين الإسلاميين في عدد من المناطق الروسية في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما كان في مقدمة اسباب ادراجها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. وعلى الرغم من ان موسكو الرسمية اضطرت على ما يبدو بعد نجاح ثورة يناير2011 الى مهادنة هذه المنظمة وكذلك حزبها السياسي "الحرية والعدالة"، فضلا عن لقاء الرئيس فلاديمير بوتين مع الرئيس المعزول محمد مرسي بوصفه رئيسا منتخبا لمصر، فانها كانت واضحة تجاه ضرورة التركيز على مواجهة الارهاب، بل وكانت اكثر وضوحا حين كشف الرئيس بوتين عن قلقه تجاه ما يجرى من تحركات مريبة في المنطقة وخاصة في شبه جزيرة سيناء . ونذكر بهذا الصدد لقاءه مع الرئيس السابق مرسي في ديربان في جنوب افريقيا في ديسمبر 2011 على هامش قمة المناخ التي دعت اليها الاممالمتحدة . وكان الجان المصري قد بذل جهودا مضنية للفوز بفرصة اللقاء مع بوتين وهو ما نزل اليه الرئيس الروسي محددا وقت اللقاء بعشرين دقيقة في ختام برنامجه قبيل عودته الى الوطن. آنذاك توجه بوتين الى مرسي بالعديد من تساؤلاته عن الاوضاع الامنية في سيناء . اعرب عن قلقه تجاه تقاطر الالوف من الارهابيين والمقاتلين الوافدين من افغانستانوالعراق الى سيناء، فيما اشار الى تهريب اسلحة الجيش الليبي الى البلدان المجاورة ومنها الكثير الذي وصل الى سيناء. وكان وزير خارجيته سيرجي لافروف قد حذر اكثر من مرة من اخطار تهريب اسلحة الجيش الليبي الى هذه البلدان والي سيناء بمعرفة دولة عربية بعينها وطالب بضرورة طرح هذه القضية في مجلس الامن بوصفها من اهم الاخطار التي تهدد الامن الاقليمي والعالمي. وكان اللقاء امتد الى ما يزيد على الساعة بدلا من العشرين دقيقة المحددة سلفا، استعرض الجانب الروسي خلالها الكثير من مخاوفه ازاء ما يتهدد المنطقة من اخطار، ومنها ما تراكم بسبب مواقف بعض البلدان العربية من دعم التيارات المتطرفة في سوريا. غير ان مرسي لم يكن يهتم كثيرا على ما يبدو بكل ما كان الرئيس بوتين يتطرق اليه في حديثه، ربما بسبب تركيزه اكثر على تطلعه الى زيارة روسيا التي قام بها بالفعل في صيف عام 2012 وهي الزيارة غير الرسمية لمنتجع سوتشي على ضفاف البحر الاسود. ومن اللافت ان موسكو ادركت مبكرا ان الهدف الرئيسي لمرسي وصحبه ممن تقاطروا على العاصمة الروسية لم يكن تعزيز التعاون بين البلدين بما في ذلك التعاون العسكري كما "تجاسر" وطلبه مرسي، بقدر ما كان يتمثل في ضرورة رفع منظمة "الاخوان المسلمين" من قائمة المنظمات الارهابية. ونذكر بهذا الصدد زيارة عصام الحداد مستشار الرئيس السابق للشئون الخارجية لموسكو وطلبه حول لقاء رئيس جهاز الامن والمخابرات الروسي للتقدم بمثل هذا الطلب. ونذكر ايضا رفض المسئول الروسي لقاء الحداد وتكليف نائبه المسئول عن مكافحة الارهاب للقاء الضيف "المصري" وابلاغه بان ذلك حكم قضائي ، ولا سبيل للتدخل في شئون القضاء! . بل ونمضى لما هو ابعد لنشير الى ان رئيس الادارة الدينية لمسلمي روسيا اعتذر ايضا عن لقاء الحداد في موسكو، وهو ما نعزوه ايضا الى ادراك موسكو ومسلمي روسيا ، لمغبة المضي بعيدا مع ممثلي تنظيم عانت روسيا وحلفاؤها بسببه من ويلات وكوارث سواء في شمال القوقاز او في اسيا الوسطى وحدودها المتاخمة لافغانستان