الكرامة .. أحد أهم أهداف ثورة 25 يناير التي نزل الثوار للمطالبة بها بجانب العيش والحرية، تم إهدارها بدم بارد، ولم يمر علي ثورتنا سوي عام واحد. نعم أُهدرت كرامة الوطن وكرامة كل مصري حر، في قضية التمويل الأجنبي، التي نُسجت خيوطها منذ شهور، ونجح مخططوها في إثارة الرأي العام المصري ضد منظمات المجتمع المدني، وراحوا يوزعون اتهامات بالعمالة والخيانة العظمي، والتخطيط لتقسيم البلاد إلي دويلات، إضافة بالطبع للحصول علي تمويل من هيئات ومنظمات أجنبية، استهدفت زعزعة أمن الوطن واستقراره وغيرها من التهم التي يذخر بها القاموس القمعي للنظام الذي لم يسقط بعد، والتي يصوبها في صدر أعدائه بلا عقل! وبعيدا عن الخضوع في مسألة التمويل الأجنبي لمنظمات المدني التي تعمل في مناخ قمعي يطلق أعاصيره علي كل من يخالفه أو ينتقده، فإنني أعتقد أن إثارة القضية بهذا الشكل استهدف استعداء الخارج لتحقيق مأرب داخلية تصب في مصلحة القائمين علي الحكم خاصة أن رصيدهم قد بدأ بالتناقص يوميا بعد يوم. وتحقيقا لهذه الغاية، امتدت الحرب لشهور، تصارعت خلالها التصريحات المتناثرة هنا وهناك، لحشد الجماهير ضد هذه المنظمات الكافرة !- كما يعتقدون-، وفي نهاية الأمر، وبعد استنفاذ كل محاولات التشويه، حولت القضية للمحكمة، ليأخذ العدل مجراه ، ولكن عدل المجلس العسكري وحكومته العتيقة هو عدل من نوع أخر، عدل منبطح خاضع يعقد الصفقات في الخفاء، عدل لا يمت لقضاءنا الشامخ بأي صلة. شهور طويلة والرأي العام ينتظر انتهاء فصول هذه القضية التي أثارت العديد من القضايا الجدلية في الشارع المصري مثل مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية، واستمرار المعونة الأمريكية من عدمه، وضرورة تعديل القانون الخاص بعمل منظمات المجتمع المدني، مما أثار في المجتمع سجالا مشروعا وحراكا مجتمعيا أسفر عن العديد من المبادرات المجتمعية التي هدفت إلي صون الكرامة والعزة المصرية ورفضت التلويح بكارت المعونة الأمريكية من قريب أو بعيد أثناء التحقيق. كما خرج علينا السيد رئيس الوزراء بتصريحات عنترية مؤكدا أن مصر لن تركع .. لن تركع.. لن تركع!! هذه النهاية المأساوية لقضية التمويل الأجنبي بهذا الشكل المخزي والمشين، أثارت غضب المجتمع واستيائه الشديد، فمن غير المقبول أن نقوم بثورة من أجل استعادة كرامتنا التي سحلها النظام البائد، لنجد أنفسنا قد انبطحنا أكثر من ذي قبل، فلم يجرؤ المخلوع علي الإتيان بمثل هذا الجرم المشين، هبوط طائرة عسكرية في مطار القاهرة الدولي، وإجبار هيئة المحكمة المكلفة بالقضية علي التنحي، وصدور قرار برفع الحظر من السفر بعد ساعات من قرار التنحي، وسفر المتهمين الأجانب علي مرآي ومسمع من الجميع ولم يتحرك ساكنا للمجلس العسكري ولا لحكومته الغراء! أحداث متلاحقة ومتزامنة تكاد تنطق لتقول لنا سر الصفقة التي أبرمت بين من أجبرنا المخلوع علي العيش تحت إدارتهم! أحداث مؤسفة ومخزية يندي لها الجبين أصابت السواد الأعظم بمزيد من الإحباط، فكيف يتم النيل بكل هذه البجاحة بهيبة الدولة وسيادتها ويتم الزج بالقضاء المصري الذي أعده الضمانة الوحيدة الباقية لنا في ظل هذا الوحل السياسي ؟ فبعد صمت طويل قاتل، خرج علينا المجلس العسكري بمصيبة أكبر في نظري، وهي التأكيد أن الموضوع في ذمة القضاء ولا دخل للمجلس الحاكم له، ولأنها مؤامرة محكمة تصر علي جر القضاء المصري لمذبحة جديدة، أكد السيد كمال الجنزوري بدوره علي المسئولية الكاملة للقضاء في هذه القضية ليتنصل من جريمته الشنعاء هو ووزيرته الحديدية التي لا أعلم كيف كانت تدير وزارتها منذ 2001 لمدة إحدى عشر عاما ولم تنقطع كل علاقاتنا مع الدول الأخرى بسبب عقلية تلك المرأة !! أقول للقائمين علي إدارة شئوننا، كنت أتوقع أن تخرجوا للشعب الثائر وتشرحوا تفاصيل صفقتكم المستترة بدلا من التنصل من القضية برمتها، يا سادة فلنكتفي بهذا القدر من الاستخفاف بنا وبكرامتنا، إن لم تستشعروا حرجا فيما اقترفتموه من ذنب عظيم في حقنا لا يغتفر، فنحن لن نقبل بعد اليوم أن يأتي أيا من كان موقعه ليعيدنا من جديد إلي سنوات الذل والهوان، لن نقبل العودة للوراء، ولن نقبل بإبرام صفقات في الخفاء تلحق بنا الذل والعار، ولن نقبل أن نحمل أوزاركم علي أكتافنا وأكتاف الأجيال القادمة. يا سادة لقد قامت ثورة في هذا البلد وإن كنتم لم تستوعبوا بعد أو تحاولوا الالتفاف علي أهدافها، فلن تنجحوا مهما خططتم ودبرتم لأن الدماء التي سالت علي تراب هذا الوطن المنكوب فيمن يدير شئونه، والعيون البريئة التي فقدت من أجل إنارة طريق الحرية، والفتيات التي تعرت وسحلت لتمهد طريق الخلاص، لن يتركوا لكم الحبل علي الغارب وستتم محاسبة كل من نال من كرامتنا وعزتنا، لأنهما خط أحمر لن نقبل بأي حال من الأحوال العبث بهما من جديد. إن كنتم لا تملكون شجاعة الاعتراف بالخطأ فمن باب حفظ ماء الوجه، علي كل من شارك في هذا الإثم العظيم أن يقدم استقالته من أي منصب أو موقع رسمي، لأن التاريخ سيلحق العار بكل من شارك في هذه الواقعة التي ستظل باقية في الأذهان تذكرنا بما فعل السفهاء منا. المزيد من مقالات علا حمدى