الحصاد الأسبوعي لأنشطة التنمية المحلية    في عيد المنوفية القومي.. 2 مليون جنيه دعما لأسر ضحايا ومصابي معدية أبوغالب    السعيد: 6 مليار جنيه لتنفيذ 175مشروعا تنمويا بالبحر الأحمر بخطة عام 23/2024    جيش الاحتلال يوصي بوقف عمليات رفح وإطلاق أخرى على حدود لبنان    السعودية تستقبل ألف حاج من ذوي الجرحى والمصابين في غزة    لبنان يدين الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب البلاد    الغموض يُحيط بمشاركة لابورت مع إسبانيا في اليورو    مع بدء أعمال الحج.. تعرف على حالة الطقس في مكة المكرمة    غدا طقس شديد الحرارة بأغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة 43 درجة وأسوان 48    شباك التذاكر يحقق أكثر من 9 ملايين جنيه في منافسات الخميس    الأمين العام لحلف الناتو: توصلنا لخطة كاملة لدعم أوكرانيا تمهيدا لقرارات أخرى سيتم اتخاذها في قمة واشنطن    تضامن الدقهلية: ندوة تثقيفية ومسرح تفاعلي ضمن فعاليات اليوم الوطني لمناهضة الختان    رسميا.. كريستال بالاس يضم المغربي شادي رياض    تردد قناة الحج السعودية 2024.. بث مباشر للمناسك لمعايشة الأجواء    "ليس الأهلي".. حفيظ دراجي يكشف مفاجأة في مصير زين الدين بلعيد    «البيئة»: زراعة 14 ألف شجرة مثمرة وزينة في قنا وأسيوط خلال عامين    تداول بضائع وحاويات 41 سفينة من ميناء دمياط    بجمال وسحر شواطئها.. مطروح تستعد لاستقبال ضيوفها في عيد الأضحى    مصادر طبية فلسطينية: 20 شهيدا فى غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة من غزة    المهرجان القومي للمسرح يفتح باب المشاركة مرة أخرى بمسابقة التأليف المسرحي    القاهرة الإخبارية: مستشفيات غزة تعانى نقصًا حادًا فى وحدات الدم    طرق مختلفة للاستمتاع بعيد الأضحى.. «أفكار مميزة للاحتفال مع أطفالك»    ما حكم صيام يوم السبت إذا وافق يوم عرفة؟.. تعرف على رأي الإفتاء    "الأوقاف": إمام مسجد السيدة زينب خطيبا لعيد الأضحى    قبل ذبح الأضحية.. 4 أحكام شرعية مهمة يوضحها المفتي    الصحة: تقديم خدمة نقل الدم لمرضى الهيموفيليا والثلاسيميا في 14 وحدة علاجية بالمحافظات    أكلة العيد.. طريقة تحضير فتة لحمة الموزة بالخل والثوم    «التعاون الدولي» تصدر تقريرًا حول استراتيجية دعم التعاون الإنمائي بين بلدان الجنوب    «الإسكان»: إجراء التجارب النهائية لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح لتحلية المياه    الفرق يتجاوز 30 دقيقة.. تعرف على موعد صلاة عيد الأضحى في محافظات مصر    "قومي المرأة": 42 وحدة مناهضة للعنف ضد المرأة بالجامعات و15 بالمستشفيات الجامعية    ختام فعاليات دورة التعقيم المركزي بمستشفيات الدقهلية    إزالة مخالفات بناء بمدن 6 أكتوبر والشروق والشيخ زايد وبني سويف الجديدة|تفاصيل    وزير الري يوجه برفع درجة الاستعداد وتفعيل غرف الطوارئ بالمحافظات خلال العيد    65% من الشواطئ جاهزة.. الإسكندرية تضع اللمسات النهائية لاستقبال عيد الأضحى المبارك    مقام سيدنا إبراهيم والحجر الأسود في الفيلم الوثائقي «أيام الله الحج»    كوريا الجنوبية وأوزبكستان تتفقان على مواصلة تعزيز الشراكة الإستراتيجية    27 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد    ذكرى ميلاد صاحبة أجمل عيون.. زبيدة ثروت «شمس لا تغيب»    «هيئة الدواء»: 4 خدمات إلكترونية للإبلاغ عن نواقص الأدوية والمخالفات الصيدلية    نصائح للحفاظ على وزنك في عيد الأضحى.. احرص عليها    القبض على 8 أشخاص فى أمريكا على علاقة بداعش يثير مخاوف تجدد الهجمات الإرهابية    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    ماس كهربائي كلمة السر في اشتعال حريق بغية حمام في أوسيم    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى الهرم    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكاءه في مباراة بيراميدز وسموحة    الجيش الأمريكى يعلن تدمير قاربى دورية وزورق مسير تابعة للحوثيين    تشكيل الاهلي أمام فاركو في الدوري المصري    أفضل دعاء للميت في يوم التروية.. اللهم اغفر له وارحمه    بدء المناسك ب«يوم التروية».. مشعر منى أول محطات الحج    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    فرج عامر: واثقون في أحمد سامي.. وهذا سبب استبعاد أجايي أمام بيراميدز    الحركة الوطنية يفتتح ثلاث مقرات جديدة في الشرقية ويعقد مؤتمر جماهيري    محافظ شمال سيناء يعتمد درجات تنسيق القبول بالثانوي العام    يورو 2024| عواجيز بطولة الأمم الأوروبية.. «بيبي» 41 عامًا ينفرد بالصدارة    إنبي: العروض الخارجية تحدد موقفنا من انتقال محمد حمدي للأهلي أو الزمالك    حظك اليوم وتوقعات برجك 14 يونيو 2024.. «تحذير للأسد ونصائح مهمّة للحمل»    كتل هوائية ساخنة تضرب البلاد.. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم الجمعة (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسطرة العمياء
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 01 - 2015

حدثنى صديق عربي، أن مصر حققت نجاحات سياسية مهمة، على مستوى السياسة الخارجية، لكن لأنه يرى العالم جيدا،
حيث يقيم بإحدى العواصم الغربية، فاجأنى بعدم اقتناعه أن تكون مصر مؤثرة فى محيطها الإقليمي، طالما بقيت مصرة على قياس أزمات الآخرين على مسطرتها الذاتية، وتتغافل الآخرين.وقبل أن أسأله كيف؟ تابع أنها تبدو مشغولة بالمشكلات العربية، لكنها فى حقيقة الأمر غارقة فى همومها الداخلية، لذلك لن تتمكن من تحقيق إنجاز كبير فى الأزمات العربية التى لديها مقاربات سياسية تجاهها، مثل ليبيا وسوريا واليمن، أو يقدر لها أن تكون فاعلا إقليميا قويا، ما لم تتجاوز عقدة المشكلات المحلية، وتفهم جيدا أن المساطر التى يقيس بها الآخرون أزماتهم، ليست بالضرورة أن تكون هى ذات المسطرة المصرية، فلكل دولة حسابات مختلفة، وفى كل دولة مؤثرون أساسيون وهامشيون، وأطراف قد تعرف أعدادها، لكن يمكن أن تفشل فى معرفة أولها من آخرها، والتفاصيل الدقيقة لوزن كل طرف، وحجم تأثيره فى الواقع، وهو ما يجعلك (يقصد مصر) تواجه صعوبات فى النتيجة النهائية، فالخطوط العريضة فى خرائط متشابكة ومتغيرة، لا تكفى لصناعة نجاح سياسى راسخ.
أخذت كلام صديقي، وطبقته على ما وصلت إليه علاقات مصر الخارجية، فوجدت أن له ظلالا كثيرة من الحقيقة، فنحن تجاوزنا سلسلة من العقبات الإقليمية والدولية بمهارة، فى الجزء الذى يخصنا، لكن لا يزال أمامنا شوط طويل، للوصول لدرجة متقدمة من التأثير، والتحول إلى لاعب محورى فى المنطقة، لأن الآخرين لهم رؤى ونظرات، لا تتماشى مع الخط المستقيم للمسطرة التى نقيس بها حجم أزماتهم، فنحن اقتربنا كثيرا من الأزمة الراهنة فى ليبيا، وكدنا نصدق أن مفاتيح الحل والعقد التى فى أيدينا تكفى لحلها، ثم فوجئنا بطوفان من العراقيل، حال دون الاقتراب من تسويتها، بموجب المبادرة المصرية. هكذا يبدو حال علاقتنا مع الأزمة السورية، وربما بعض الدول الخليجية. فالتفوق فى مجال السياسة يتطلب مراعاة خصوصية الآخرين، وماذا يريدون.
استهوتنى فكرة الصديق العربي، وقمت بمد الخيط على استقامته فى الداخل، فوجدت أن الجذور المحلية لنظرية المسطرة أشد وطأة من الخارجية، فالحكومة تعرف جيدا حجم معاناة المواطنين ومشكلاتهم، ولديها خطط وأفكار وحلول للكثير منها، وتبدع فى وضع المشاريع المستقبلية، لكن فاتها التعرف على ما يريده بإلحاح قطاع كبير من المصريين فى اللحظة الراهنة، لأنها أيضا اعتمدت على مسطرتها فقط، ولم تأخذ فى الحسبان إمكان أن تكون هذه متعارضة مع المسطرة الشعبية، التى تقيس المسافات بصورة أكثر موضوعية.
فالدولة عموما أصبحت تقيس مستوى النجاح بالساعة التى يستيقظ فيها رئيس الحكومة، أو أحد أعضائها مبكرا، وتعتقد أن عدد الساعات التى يوجد فيها كل مسئول فى الشارع، عنصر حاسم للحكم على كفاءته، وترى أن عدد المحافظات التى تنقل فيها الوزير أو رئيس حكومته، كفيلة بالتعرف على إنجازاته، وبدت مثل ناظر المدرسة الذى كل ما يهمه الانضباط فى الحضور والانصراف، دون اعتبار للنتيجة التى سوف يحصلها الطالب فى نهاية العام. لذلك تجاهلت تماما حجم الانجاز على الأرض، وركزت فى الشكل على حساب المضمون. وبعد مضى عدة أشهر تأكد عدد كبير من المواطنين أن الحكومة مصممة على قياس مشكلات الناس بمسطرتها العمياء.
لا أحد ينكر عظم التحديات التى تواجهها هذه الحكومة، فى الداخل والخارج، الأمر الذى جعل الناس تتحمل أخطاءها المتعددة خلال الفترة الماضية. لكن الأيام المنصرمة قرعت أحد أجراس الإنذار، حيث عادت بعض القوى السياسية، تدق على أوجاع المواطنين، وتستثمرها فى التحريض على صب الغضب ضد مؤسسات الدولة، وقد تكون هذه المحاولات نجحت بصورة لفظية ومحدودة حتى الآن.
وما لم تبادر الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة تشعر المصريين بمزيد من الاطمئنان، سوف يتجاوز الغضب حدوده اللفظية، فعليها أن تعمل على راحتهم وتخفيف المعاناة عن كاهلهم، وتتخلى عن مسطرتها، التى لا تتحرك، يمينا أو يسارا، إلا من أجل قياس ما تريده الحكومة، التى لم تتعب نفسها فى إشعار المواطنين أن هناك تغيرات شكلية، على الأقل، من خلال الاهتمام بالمظهر العام للشوارع المليئة بالمطبات والمكدسة بالأخطاء.
المسطرة العمياء، كشفت عن نفسها فى تمسك الحكومة بعاداتها القديمة، المتوارثة من أنظمة سابقة، فهى تعمل بالطريقة نفسها تقريبا، حيث يبهرها صاحب الصوت العالي، ويخدعها المنافقون، ولا تتعب من أجل البحث عن الكفاءات فى صفوف الشباب، مع أن لديها أقوى أجهزة لجمع المعلومات، وتعيد إنتاج بعض الأشخاص فى قطاعات مختلفة، وتتصور أنهم أقدر على التعبير عن المرحلة الجديدة، بل وتقدم بعضهم على أنهم نماذج جيدة، وتجدهم حول أعضائها فى كثير من المناسبات الداخلية والجولات الخارجية، وتغض الطرف عن أن هؤلاء، فقدوا صلاحيتهم الشعبية، وأصبحوا خارج نطاق الميزان الذى تحكم به فئة واعية من المواطنين.
هذا الميزان الحساس، له خصوصية كبيرة، ويقبض عليه من أعلى الوجدان العام للمصريين، الذين يتطلعون إلى التغيير الحقيقي، وما لم تأخذ الحكومة فى اعتبارها شروطه القاسية، سوف تكتشف أنها تمشى وسط حقل ألغام، فالناس على استعداد أن يتحملوا المزيد من التحديات، شرط أن تكون واضحة وأمينة معهم، وتحترم قدسية آدميتهم. وأول خطوة لتعزيز الثقة أن تتخلى الحكومة عن مسطرتها التى أزيل من عليها مدرج الأرقام، وتستبدلها بأخرى جديدة، تستطيع أن تقيس بها أدق المساحات. ومن الصعوبة أن تحقق إنجازا، إذا لم تأخذ فى الحسبان كيف يفكر الآخرون؟ ومن المهم أن تعرف ماذا تريد، لكن الأهم أن تكون واعيا لما يريده المواطنون ؟
لمزيد من مقالات محمد ابو الفضل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.