فى آخر إحصاء خرج عن التعبئة العامة والإحصاء بلغ تعداد السكان فى مصر 29 مليونا منها 8 ملايين خارج مصر . وكان فى يناير 2102 قرر رئيس وزراء مصر فى حكومة الإنقاذ الوطنى كمال الجنزورى، اختيار د. عاطف الشيتانى مقررا للمجلس القومى للسكان.. د. عاطف المتخصص فى طب النساء والتوليد، والذى عمل ببرنامج تنظيم الأسرة منذ 4991 بوزارة الصحة، وجد نفسه مسئولاً عن القضية السكانية فى مصر، فى فترة انتقالية، خلت من توجيهات «السيد الرئيس»، التى ظلت تحكم العمل فى هذه القضية لسنوات طويلة، ومُلأت بأصوات تناهض الكثير من حقوق المرأة والطفل. اكتشف د. عاطف الكثير من أسباب فشل مصر فى السيطرة على الزيادة السكانية، رغم الملايين التى أنفقت فى تنظيم الأسرة وإعادة توزيع السكان على مدن جديدة. وكان عليه أن يضع رؤية جديدة لهذه القضية تتجاوز تحديد النسل، إلى ماهو أبعد من ذلك. هذه الرؤية كانت محور حديثنا مع المسئول عن وضع سياسة التعامل مع المصريين.
∎ لماذا اختفى الحديث عن القضية السكانية منذ اندلاع ثورة يناير وحتى الآن؟ - وضع القضية السكانية الآن فى منتهى الصعوبة بسبب تغير الأوضاع السياسية بعد ثورة يناير، وحتى نعرف مشكلات الوضع الحالى لابد أن نعود إلى مشكلات القضية قبل الثورة.. اتفق الجميع منذ سنوات طويلة على أن المشكلة السكانية فى مصر ذات 4 أبعاد، تتلخص فى وجود زيادة سكانية مضطردة لا تناسب الموارد والدخل القومى، وسوء توزيع للسكان على مساحة مصر، وارتفاع نسب الأمية والبطالة وسوء التغذية والفقر، لدى أعداد كبيرة من السكان.
∎ كيف كانت تحدث مشكلات التنفيذ فى ظل إرادة سياسية ترغب فى السيطرة على المشكلة؟ - لم تكن هناك رؤية موحدة يشارك فى صياغتها الشعب، وكانت الأهداف توضع داخل الغرف المغلقة، ولذا لم تكن تجد التأييد الكافى من قيادات المجتمع أو الإعلاميين، واختصرت القضية السكانية فى بعد واحد هو تنظيم الأسرة، وفهم هدف طفلين لكل أسرة بحلول 2017 على أنه تحديد نسل وأجندة غربية، والواقع يقول أننا فشلنا فى تحقيقه، ولن نستطيع تحقيقه قبل 2030. ولم يكن من الممكن أن يشعر المواطن بتحسن الأحوال الاجتماعية، بعد أن أصبح الانفجار السكانى فى مصر غير مسبوق، ووصل عدد المواليدالسنوى إلى 2,2 مليون مولود، أى بمؤشر زيادة 30٪ بعد أن كنا قد وصلنا إلى 25 ٪، فى التسعينات، لكن المؤشر صعد واستقر بعدها، فلم نعد نشعر بأى أثر للتنمية.
∎ لكن كان هناك اتجاه لإعادة توزيع السكان من خلال المدن الجديدة. - نعم لكن الإدارة السيئة جعلت الناس لا تقبل على السكن فى المدن الجديدة لسنوات، وعندما بدأ الاهتمام بها واستطاعت أن تجذب السكان أصبحت تعانى من التكدس الذى لم يكن مأخوذا فى الحسبان، وبدأت مساحتها تضيق.. كما حدث فى مدينة 6 أكتوبر، عندما اكتشفوا أن الاعتماد على مدخل وحيد لها فى الهرم لا يصلح، فأخذوا يفكرون فى المحور، ويفكرون الآن فى محور روض الفرج. مما يعنى أن التخطيط لدينا لا يصل إلى 40 عاما للأمام، وهذا خطير لأن القضية السكانية تعتمد على أن من سيستفيد من الخطط الحالية هم الأجيال القادمة.
∎ وكيف تفكرون فى المجلس الآن فى معالجة هذه القضية؟ - بدأنا هذا من خلال سلسلة من الحلقات التشاورية مع الجهات الحكومية وغير الحكومية والشخصيات العامة، للحصول على معلومات سليمة، تمكننا من اتخاذ قرار سليم ومن التنسيق بين الجهات التى تعد الخطة وتتابع تنفيذها.. وما يهمنا الآن هو كيف يصل التنسيق لدرجة أن تكون القضية السكانية جزءاً من خطة الدولة، لأن خطة ما قبل الثورة كان يتكلف تنفيذها 400 مليون جنيه، لكن لم تنفذ، لاعتقاد من وضعوها أن المجلس القومى للسكان هو من سينفذها.
∎ لكن هل تشعر بوجود إرادة سياسية تدعم القضية، مع تنامى دور أصحاب تيار الإسلام السياسى فى إدارة شئون البلاد؟ - خلال اجتماعنا مع وزير الصحة وبعض مساعدى رئيس الجمهورية، ومع الجهات المركزية فى المحافظات، تأكدنا أن هناك أنشطة تقام بالجهات الحكومية لخدمة القضية السكانية وفق رؤية المجلس. لكن القضية السكانية لا تخص وزارات بعينها، لكن تخص كل الوزارات، فوزارة التعليم عليها أن توفر التعليم الجيد لكل المواطنين، لأنه هو الذى يشكل وعى المواطن باتخاذ قرار سليم لعدد أفراد أسرته، وفق إمكانياته وصحته ومستقبله.
∎ هل فكرتم فى الموارد التى يمكن أن تخصص لبرامج الخطة السكانية فى ظل المشكلة الاقتصادية التى تعيشها مصر الآن؟ - نحن على وعى كامل بندرة الموارد المالية المتاحة الآن فى الحكومة، وكان لابد أن نتواصل مع الجهات المانحة، التى ترددت فى التعاون معنا، بسبب حالة عدم الاستقرار السياسى، وكانوا يقولون لنا كيف نتعامل مع جهة حكومية، ونضمن استمرار المسئولين فيها، لكننا نجحنا فى كسب ثقتهم.
∎ وما المرتكزات الأخرى فى خطة المجلس الجديدة للقضية السكانية؟ -المجلس فى حاجة لإنشاء مرصد سكانى يرصد سلوكيات المواطن والأسرة المصرية بانتظام، دون انتظار لنتائج دراسات أو مسوح سكانية.. ونحن فى حاجة إلى معرفة معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة، ومعلومات عن صحة الأم والطفل، ومعدل انتشار الإيدز ومعدل ممارسة ختان الإناث، ومعدل انتشار فيروس سى، ومعدلات التعليم والحصول على الماء النظيف، ونتمنى أن تتوافر معلومات أخرى عن معدلات أخرى، لنخطط بشكل سليم.
∎ وهل سيمكن للمرصد توفير كل هذه المعلومات مرة واحدة؟ - ستكون مهمة المرصد توفير هذه المعلومات للمجالس الإقليمية للسكان فى المحافظات بالتعاون مع الجامعات الإقليمية، لتكون المجالس قادرة على تحديد أهدافها ووضع خططها برئاسة السيد المحافظ، ليمكننا أن نقيس إنجازاتها كل فترة، ويستطيع المحافظ من خلالها تصحيح المسار إذا اقتضى الأمر، لكن لا يمكن تطبيقه فى كل المحافظات مرة واحدة . وسيكون دور المجلس القومى للسكان هو تقديم الدعم الفنى فقط لهذه المحافظات، وتدرب الآن وزارة الصحة شبكة الرائدات الصحيات على كيفية جمع البيانات، وعندما يكون للمجتمع دور فاعل فى مساعدة الجهات الحكومية فى التعرف على احتياجات المواطنين، ومساعدة الحكومة فى متابعة الجهات الخدمية، ستسير الأمور فى نصابها الصحيح .. وعندها ستكون هناك خطة سكانية لكل محافظة، بدلا من الخطط التى كانت توضع مركزيا، لتطبق فى أسوان كما الإسكندرية وسيناء، والنتيجة كانت فشلا ذريعا. ∎ لكن كيف نشجع الناس على المشاركة فى تحديد مطالبهم والمطالبة بها؟ - أسعى من أجل أن يكون المجلس هو صوت الشعب، يطالب بحقوقه لدى الدولة بجودة عالية، وليس فقط باحتياجاته الأساسية فى المطعم والصحة والتعليم، التى يطلبها المواطن أحيانا، ولا يطلبها فى أحيان أخرى، من خلال التنسيق بين المنظمات التى تطالب بالحقوق، وبين الجهات الحكومية، ومن خلال الاستفادة من التجارب الدولية. هناك شبكة من العزب والنجوع تصل إلى حوالى 72 ألف عزبة ونجع محرومة من الخدمة الصحية، ولا يصح أن توفر الدولة لمواطنيها حقوقهم بطرق نمطية، كالمدارس والمستشفيات، بل بطرق غير نمطية، بالاستفادة من التجارب الدولية. وستشعر الناس بأنها تحدد أهدافها فى التنمية، عندما تشارك المجالس المحلية والجامعات، فى رصد احتياجات المجتمع، وفى وضع الحلول غير التقليدية لمشاكله، تحت مظلة المحافظ، ووقتها لن يشكك أحد فى صحة البيانات التى جمعت تحت عينيه. وعلى المحافظين أن يدركوا هذا الدور تجاه مجتمعاتهم، والمؤشرات التى يستطيعون استخدامها لقياس تمتع مواطنيهم بحقوقهم الصحية والتعليمية، واستخدام المياه النظيفة وغيرها
∎ وهل المجلس القومى للسكان بوضعه الحالى يستطيع أن يراقب هذا العمل؟ - لابد أن يعاد النظر فى وضع المجلس إذا كان المسئولون مهتمين بالقضية السكانية، ليكون مكانا يجمع كل الشركاء، ويكون لديه صلاحيات ومعلومات وقدرة على توجيه تمويل البرامج بشكل سليم، كما يعاد النظر فى دور الجامعة والمحافظين والمجالس الإقليمية، من خلال تكليفات دستورية تخضع للقانون ومن يخل بها يتعرض للعقاب. التأخر فى عدم وضع القضية السكانية على أجندة الدولة والمجتمع المدنى إهدار الطاقات الشعب المصرى ، لتأخر استغلالها وتأخر النتائج ، دائرة منغلقة ستدفع ثمنها الأجيال القادمة. القضية السكانية لا ينبغى أن تدار بعقلية موظفين، لأنها تحتاج لثورة وإبداع وخيال وإيمان.