يتخلون عن دفء منازلهم في الساعات الأولى من تلك الصباحات الشتوية الباردة، ليتوجهوا إلى محل عملهم ومصدر رزقهم، لا لكي يحتموا من جديد بدفء الغرف المغلقة، ويحملوا أكواب الشاي الساخنة، بل ألواح الثلج الضخمة، تحيطهم رذاذات المياه من كل جانب، ليزيد البلل من وطأة البرودة.. هذا هو حال عمال أحد مصانع الثلج بالعبور، والتي اصطحبنا بداخلها مهندس التبريد محمد خليفة، لنتعرف عن قرب على تلك الصناعة التي تزدهر صيفا، وتتراجع شتاء لانتاج ما يكفي باعة السمك. سألناهم- وجلودنا منكمشة من البرودة- ألا تشعرون بالبرد ؟! فأجابونا بابتساماتهم الراضية: مادامت أبداننا تعمل وتتتحرك فلا أثر لأي برودة ، بل ربما نشعر مع الانهماك في العمل بالحرارة الزائدة. الصناعة بسيطة تعتمد على المياه العذبة وبعض الماكينات والمواد الخاصة بالتبريد، حيث تتراص"الشكات"- والشكة عبارة عن 30 قالبا- تملأ بالمياه وتغمر في سائل التبريد، وما أن تتجمد – أو" تستوي" بلغة أبناء الكار، يتم تفريغها واعادة ملئها من جديد بالمياه. في الشتاء يتم انتاج نحو1500 قالب ثلج او "بلاطة" ،بينما يقفز الرقم الى 4200 بلاطة صيفا، ويبقى السعر ثابتا طوال العام وهو جنيهان ونصف الجنيه. الكل هنا يعمل في صمت وبتناغم شديد رغم روتينية العمل ورتابته ..فتحية منا لهم .. ولكل من يتحمل امتهان عمل شاق دون شكوى أو ضجر..