سأحدثكم عن أيمن الذى غنى له ومن أشعاره الفنان والمطرب اللبنانى مارسيل خليفة. زعموا أن صباحاً كان ... زعموا أن تراباً كان ودم الطفلة سال على الصخر لتشربه الوديان ... وسيطلع ذات صباح كي يهدينا خرزاً ... وشقائق نعمان سأحدثكم عن أيمن عن فرح الغابات الفاتن في عينيه وعن سحر يديه ... إذا فرت أنهار الأرض وخبأها بين أصابعه سأحدثكم عن أيمن تحدث مارسيل خليفة عن الشهيد "أيمن" بهذا الوفاء بالوعد , وهذا الفخر بنيله شرف الاستشهاد, مثلما سأحدثكم عن الشهيدة "شيماء الصباغ" التى قتلت مرتين , مرة بالرصاص الغادر الذى اخترق جسدها المتمرد الرافض للظلم والقمع , ومرة أخرى حينما تجاهل أنينها المارة ببرود غير مسبوق وهم يسيرون بالقرب منها غير عابئين بما يحدث , وكأنهم يشاهدون فيلما سينمائيا ثلاثى الأبعاد , لا يشاهدون واقع معاش , حالة من التبلد واللامبالاة أصابت عصب الشارع المصرى وسببت له شللا رباعيا أمات احساسه بمن حوله !! الفيديوهات التى تناقلتها وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعى لحظة استشهاد شيماء حقيقة تدمى القلوب وتنهك المشاعر , فما بالنا بمن كانوا فى قلب الحدث , ولم يحركوا ساكنا .. يجرى بها شابا يافعا يحملها بين يديه يلف حول الشوارع والحارات الضيقة طارقا الأبواب أملا فى أن يستقبلها أحد القلوب الرحيمة , فلا يجد سوى الخوف والسلبية ساكنة الأعين , والتجهم والبلادة تعتلى الوجوه الشاحبة , تغلق المقاهى والمحال التجارية أبوابها فى وجهه , ترفض السيارات المارة التوقف لنقلها إلى أقرب مستشفى , بينما المارة يواصلون مسيرهم كأن شيئا لم يكن , ويكمل الاعلاميون الحاذقين فى القنوات الفضائية سيناريو المحقق الشهير "كوجاك" كاشف الجرائم وخباياها بالتركيز على تحليل المشهد الأقرب إلى الكوميديا السوداء , دون الالتفات إلى السلبية الواضحة فى أداء المواطنين الذين تصدروا كادر المشهد !! الشهيدة شيماء قتلت مرتين .. قتلها الخواء النفسى الذى أصبح يعانى منه المجتمع , فى ظل انعدام المنطقية والظروف الطبيعية للحياة السليمة، فجعلت من الناس حجرا صوانا يفضلون النجاة بأنفسهم قبل أى شئ على طريقة "نفسى ثم نفسى " , ثم قتلها فوضى السلاح وانعدام الضمير برصاصة غادرة أكاد أجزم أنها مقصودة خاصة وأنها أطلقت عن مسافة قريبة تتراوح من 3 - 10 أمتار كما جاء فى تقرير الطبيب الشرعى . حينما تغنى مارسيل خليفة بالشهيد أيمن , كان يرى فرح الغابات الفاتن فى عينيه , يؤمن بسحر يديه إذا فرت أنهار الأرض وخبأها بين أصابعه , متأكدا أنه قمر تشتبك الأشجار على دمه المنسى .. "أيمن" مشى النهر إليه مشى البحر إليه ومشى الوطن العربى إليه ومشينا نحن على خطاه .. فيما تناولنا شيماء الحاضرة الغائبة بالشماتة فى موتها حينا , والقاء اللوم عليها والغمز على أسباب تواجدها فى بؤرة الاشتعال حينا آخر , وتركناها بين أحصان الموت تصارعه وحيدة , لأننا تجردنا من كل معانى الانسانية والشهامة , وتجاهلنا أننا أسرى ثقافة السلبية المقيتة التى خلقت داخل المجتمع بلادة غير مسبوقة , دفنت فى أحشائها بقايا مروءة كانت منسية ومهجورة منذ سنين !! لمزيد من مقالات جيهان فوزى