تحرص بعض وسائل الإعلام سواء المقروءة أو المرئية على تناول الأحزاب بطريقة سلبية وتصور الأمر كأن التعددية الحزبية ظاهرة سلبية وفى نفس الوقت يتحدثون عن مستقبل الديمقراطية فى مصر ولا يعرف هؤلاء ان نشأة الديمقراطية فى اوروبا الغربية كان مقترنا بالتعددية الحزبية فلا ديمقراطية بدون تعددية حزبية وتنضج الديمقراطية وتؤتى ثمارها الايجابية بقدر ما توجد فى المجتمع احزاب قوية، حدث ذلك فى اوروبا عندما اشتد الصراع الطبقى بين الرأسمالية والطبقة العاملة والفئات الوسطى واضطرت الرأسمالية الى الاعتراف بالتعددية الاجتماعية وما ترتب عليها من تعددية سياسية بنشأة احزاب متعددة يعبر كل منها عن احدى الطبقات او الفئات الاجتماعية، فالحزب كيان سياسى ينشأ أصلا لتداول السلطة مع غيره من خلال انتخابات دورية حرة وهذه هى الديمقراطية التى لا تتحقق بدون وجود احزاب متعددة تعبر عن الفئات والتطبقات المتعددة فى المجتمع. وكلما قويت التعددية الحزبية وتداولت السلطة السياسية الاحزاب من خلال الانتخابات يزداد المجتمع استقرارا وتخف حدة الصراع الطبقى ويأمن المجتمع شر الانقلابات والنزاعات الأهلية او الحروب الأهلية. واذا كان البعض فى مصر ينعى على التعددية الحزبية فى مصر الآن انها تضم اكثر من 90 حزبا معظمها كيانات هشة فإنهم لا يعلمون ان هذه الظاهرة سمة مميزة لمرحلة الانتقال من النظم السلطوية الى النظم الديمقراطية. حدث ذلك عند نشأة الديمقراطية فى اوروبا الغربية وتكررت نفس الظاهرة فى دول جنوب شرق آسيا عندما تحولت الى الديمقراطية كما تكرر فى شرق اوروبا عندما انهار الاتحاد السوفييتى وانفتحت هذه المجتمعات على الديمقراطية وهو ما حدث فى امريكا اللاتينية ذلك ان المجتمعات التى ترفض السلطوية او الدكتاتورية قد تنجح فى ازالة القيود المفروضة على تأسيس الاحزاب فإنها تشهد انفجارا فى التعددية الحزبية بما يصل الى عشرات الاحزاب الجديدة وهى ظاهرة طبيعية عندما ينفتح الافق السياسى فى هذا البلد او ذاك بالخلاص من النظم المستبدة ونشأة مرحلة انتقالية قد تطول او تقصر ولكنها تنتهى باختفاء غالبية الاحزاب الجديدة التى لا تعبر عن طبقات او فئات اجتماعية او التى لا تملك رؤية سياسية متكاملة وفى كل هذه المناطق انتهت مرحلة الانتقال باختفاء غالبية الاحزاب وتبلور التعددية الناضجة من خلال عدد محدود من الاحزاب الكبيرة او المتوسطة التى لا تتجاوز 10 احزاب فى الغالب وربما توجد الى جوارها احزاب ضعيفة لا يعرفها الناس وبالقطع فإن مصر فى ثورة 25 يناير بدأت مرحلة الانتقال الى الديمقراطية وسوف تشهد فى السنوات القادمة نفس الظاهرة باختفاء احزاب او اندماجها فى غيرها من الاحزاب وسينتهى الامر بالتعددية فى مصر الى عدد محدود من الاحزاب الكبيرة وتساهم الانتخابات الدورية النزيهة والتى تعبر نتائجها عن ارادة الناخبين فى هذه الظاهرة. وليت الذين يناهضون التعددية الحزبية فى بلادنا يفهمون ان ما يحدث فى مصر سوف ينتهى الى قيام دولة ديمقراطية بالفعل عندما تنضج التعددية الحزبية وليتهم يفهمون ايضا انه لا ديمقراطية بدون تعددية حزبية والأجدر بهم ان يساهموا فى التمكين للتحول الديمقراطى بالاحتفاء بالتعددية الحزبية وتناولها بطريقة موضوعية تميز بين ما هو ايجابى وما هو سلبي. اما الذين يناصبون التعددية الحزبية العداء عن جهل او عن عداء للديمقراطية او يساهمون فى محاولة العودة مرة اخرى الى نظام سلطوى فسوف تخيب آمالهم ذلك ان الشعب المصرى قد عقد العزم على ان يبنى دولة الديمقراطية وسينجح فى ذلك ان اجلا ام عاجلا. ويتناول هؤلاء التحالفات الحزبية التى تتشكل الآن تمهيدا للمشاركة فى انتخابات مجلس النواب بنفس اسلوب التشهير والحط من شأن الاحزاب والتحالفات وتصويرها وكأنها عملية لا تستهدف منها الاحزاب إلا الوصول الى السلطة وهو الهدف الحقيقى كما اسلفنا من نشأة الاحزاب التى تسعى للسلطة تعبيرا عن مصالح القوى الاجتماعية التى تمثلها والاتجاه الى بناء تحالفات للمشاركة فى الانتخابات هو تعبير من هذه الاحزاب انها وحدها لا تستطيع ان تحقق هذا الهدف وانها تلجأ الى الاستقواء بالاحزاب القريبة منها فكريا وسياسيا لضمان الفوز فى الانتخابات وهذا تعبير عن الوعى بأهمية بناء قوة اكبر من خلال التحالف وليست عملية سلبية كما يصورها هؤلاء ومن المؤكد ان هذه التحالفات سوف تشعل نار المنافسة الانتخابية وسوف تثمر نتائج ايجابية تتدارك عيوب النظام الانتخابى الذى خصص 77% من مقاعد مجلس النواب للنظام الفردى الذى ينجح فيه ابناء العائلات الكبيرة والغنية فى الريف ورجال الاعمال فى المدن الذين ليس لهم موقف سياسى محدد بما يضعف مجلس النواب اذا شكل هؤلاء اغلبيته وبذلك فإن الاحزاب إن أقامت تحالفات فيما بينها يمكن ان تعوض هذا القصور فى النظام الانتخابى وان تتمكن من الحصول على نسبة كبيرة من المقاعد كشخصيات سياسية ايا كانت توجهاتها بما يضمن ان يكون مجلس النواب قادرا على القيام بمهامه فى التشريع والرقابة عن الحكومة وهو هدف بالغ الأهمية للتحول الديمقراطى فى مصر الذى يمكن ان ينتكس اذا جاء تشكيل مجلس النواب بأغلبية من اصحاب المصالح الذين يستهدفون تحقيق مصالحهم فى التقرب الى السلطة التنفيذية والخضوع لهيمنتها مما يفقد الشعب ثقته فى العملية الديمقراطية. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر