في سياق تجديد الخطاب الديني، قال الرئيس السيسي موضحا فكرته: «طول ما انت جواه مش هتقدر تشوفه» . والمقصود، لا بد أن نرى الشيء من مسافة معينة لكي نحكم عليه. حسنا، هذا بالضبط ما أريد أن أخاطب به الرئيس، ولكن في السياق الاقتصادي. «طول ما انت جواه مش هتقدر تشوفه» يا سيادة الرئيس. النمط الاقتصادي المصري، المدعوم بشعارات موروثة، تمر بلا تمحيص ولا تدقيق، نمط قديم جدا. لم ينجح في أي مكان. هذا النمط ليس مدعوما فقط بكتاب اقتصاديين مشهورين، وإنما مدعوم أيضا بمسئولين في الدولة يطلقون تصريحات هنا وهناك، تنفر منا المستثمرين، وتجعل الرأي العام المصري مناخا غير مشجع على الاستثمار. ونعم، مدعوم هو نفسه بالخطاب الديني المعادي للآخر، وبالخطاب السياسي الموروث من عهد «الإمبريالية والرأسمالية»، مقرونتين متشابكتين. مفردات هذا الخطاب كالتالي: الدولة هي المؤتمن الوحيد على المشاريع الاقتصادية. رجال الأعمال جشعون. الفقراء دائما على حق. الدولة لا بد أن تتكفل بالمولود من المهد إلى التوظيف. الغرب و«الرأسمالية» أعداء. العالم يتآمر علينا. سأضرب مثالا بسيطا. يخرج المسئول من هؤلاء، أو الإعلامي المقرب، يتحدث إلينا عن المؤامرات الخارجية، وعن الأجانب المدسوسين. تمام. يظن هذا المسئول أن الموضوع سيحقق هدف تماسك الشعب ضد العدوان. لكن ما يحدث في الواقع يتجاوز ذلك بكثير. ترى امرأة صحفيا فرنسيا يتحدث إلى مصريين فتبلغ عنه الشرطة، وهذه تحتجزه. الصحفي رئيس تحرير لوموند دبلوماتيك. الخبر ينتشر. والنتيجة: مصر موطن غير آمن للأجانب، ومنهم طبعا المستثمرون. يستمع مواطن إلى سياح يتحدثون في المترو، يلتقط كلمة عن 25 يناير، يبلغ عنهم على اعتبار أنهم يجهزون مؤامرة. تحتجزهم الشرطة.إطلاق العنان لمثل تلك التصريحات «السياسية»، يستدعي إلى الذاكرة التصريحات «الدينية» التي طفشت سنسبري من مصر قبل أعوام. وستطفش كل من يغامرون مغامرته.طيب، إذا أضفنا إلى ذلك الخطاب الأخلاقي الذي يشير إلى السائحات والسائحين بوصفهم قادمين في مهمة ملخصها تحطيم أخلاقنا العظيمة، والسعي لإغواء شبابنا الأسمر اللي محصلش. علمنا أننا نضرب ليس فقط سمعتنا كدولة فيها مناخ مرحب بالاستثمار، بل سمعتنا كدولة ترحب بالسياحة، أحد أهم قطاعات الدخل والتشغيل في مصر. تعالوا «نفرد» قماشة هذا الخطاب قليلا، سنجد خطاب العداء لأمريكا والغرب، وخطاب العداء والوصم لكل من يرى أمريكا والغرب الحلفاء الأمثل لمصر. سنكتشف الخدعة. لأن نفس هذا الخطاب يرحب جدا بالتقارب مع روسياوالصين. لماذا؟ لا أفهم. لا أفهم لأننا لو قارنا بين أمريكا والغرب من جهة، وبين روسياوالصين من جهة، لوجدنا أن روسياوالصين أسوأ كثيرا. دائما عشر خطوات خلف الغرب. واسألوا الكتلة الشرقية في أوروبا. واسألوا أكثر دول العالم الثالث حظوا بالرعاية من روسياوالصين. نعم، اسألوا سوريا وكوريا الشمالية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. اللهم احفظنا!!تعالوا نقارنها بدول نفس المنطقة القريبة من الغرب. تعالوا نقارنها بكوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج واليابان. بل تعالوا نقارن حال الكتلة الشرقية قبل انهيار جدار برلين وبعده. والمقصد، لو كنا في امتحان صعب، واحتجنا إلى «نقل» إجابات من غيرنا، فالأولى أن نفعل ذلك مع أشطر طلاب الفصل. لقد انتقل الغرب من شعار «صُنِع في..» إلى شعار «ابتُكِر في..». لكي تصل الصين إلى هذه النقطة لا يزال أمامها الكثير جدا. فعلا، تعالوا نخرج منه وننظر إليه. نخرج من خطابنا الاقتصادي القديم وننظر إليه. الموضوع ليس لعبة، ولا هزلا، الموضوع في منتهى الجدية لأن اقتصادنا في حال صعبة لا تحتمل التأجيل ولا الانتظار. لمزيد من مقالات خالد البرى