أى إنسان منا يمر فى حياته بمحطات اختبار وابتلاء من الله تعالى، فهذا مبتلى فى صحته وآخر فى فقد عزيز لديه من ولد او زوجة او أب أو أم، وغيره فى ماله او وظيفته، قال تعالى(ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)، ولكن هل يستسلم الإنسان إلى أحزانه؟. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بشارة منه لمن يصبر او يشكر على كل ما يبتلى به الإنسان من مضرة او من مسرة، «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له». علماء الدين من جانبهم أكدوا أن الإسلام- شريعة ومنهجا- جعل هناك أدوات للإنسان يستعين بها لمواجهة آلامه وأحزانه وكل ما يحيق به من مكروه وأذى، منها التزام الطاعات واجتناب المحرمات، وأداء الصلاة فى مواقيتها والمداومة على الذكر والدعاء، موضحين ان الإسلام اطلق دعوة لكل مكروب بألا يحزن، حتى يستطيع ان يعبر أزمته بسلام. ويقول الدكتور عبد الغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الإسلام هو دين المستقبل، وحينما ينظر إلى الماضى فانه ينظر إليه بعين الاستفادة حتى لا يكرر الإنسان الوقوع فى أخطائه، لينطلق بعد ذلك إلى إصلاح حياته المستقبلية، وهذا من شأنه تجديد مسيرة الحياة ومنهج الاستقامة والوصول إلى الهدف المنشود. أمر فطرى وأوضح ان حزن الإنسان على ضر أصابه او فقد شىء غال، هو أمر فطرى، ولكن المطلوب من الإنسان ألا يستسلم للحزن، حتى لا يفقد كل شئ، لأنه إذا كان قد خسر شيئا فأمامه أشياء عليه ألا يفقدها، فالمنحة - كما يقولون- تخرج من رحم المحنة، قال تعالى(لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) ، وأيضا قوله تعالى ( لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون) ، فهذه دعوة من الله فى قرآنه لعباده، بألا يحزنوا على ما فاتهم من شئء بل عليهم أن ينظروا إلى المستقبل بالطاعات والفرار إلى الله تعالى، وعدم تكرار الأخطاء التى وقعوا فيها فى الماضى، لان الإنسان اذا وقف أمام الماضى بأخطائه كثيرا، قد يهزم فى مستقبله كما هزم قبل ذلك، خاصة ان الدنيا متاع الغرور وهى حياة فانية، وان الآخرة هى دار القرار، كما أخبر بذلك القرآن الكريم، قال تعالى (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)، فكيف يحزن الإنسان على حطام دنيا فانية؟. تكفير للذنوب ولتوضيح ما يصيب الإنسان من آلام وأحزان فى هذه الحياة الدنيا، وكيف يستفيد من ذلك؟، يقول الدكتور طه أبو كريشة هيئة كبار العلماء بالأزهر، انه ما يصيب المسلم فى هذه الدنيا من أحزان ومصائب فإنه يكون سببا فى تكفير سيئاته وخطاياه، كما ورد فى الحديث « ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه»، مشيرا الى انه مهما تكن الأمور من حولنا قاسية ومتوترة فلنعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذى قدر لنا هذا، موضحا ان أكمل الناس إيمانا أشدهم ابتلاء، فلا ننسى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان فى دينه صلبا اشتد به بلاؤه، وإن كان فى دينه رقة ابتلى على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة» . وأشار إلى انه ما دمنا مؤمنين متقين فيجب علينا أن نتحلى بالصبر فإنه من صفات المؤمنين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم« إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط»، موضحا ان الحزن إذا استسلمنا له، فانه يؤدى بنا إلى القنوط واليأس من رحمة الله، وبذلك سنقطع الحبل الذى بيننا وبين الله، وبذلك فنحن نكون آثمين ومذنبين (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ)، وأيضا يؤدى الحزن إلى أمراض نفسية وعصبية التى ربما تؤدى إلى الموت. وسائل وأدوات وللتغلب على الحزن والمصائب والخوف، كما يقول الدكتور إسماعيل الدفتار عضو هيئة كبار العلماء، يجب ان يتقرب العبد إلى الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه فى كل الأمور، ومدارسة سير الأنبياء والمرسلين وكيف واجهوا أزماتهم وذلك للتعلم منها، وأيضا المحافظة على الصلاة، قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين)، وتلاوة القرآن والإكثار من الذكر والصلاة والسلام على رسول الله، قال تعالى(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). كما يجب عدم تعظيم المشكلة بل تهوينها مهما تكن كبيرة، مع عدم النظر إلى من هم أفضل منا حالة، بل النظر إلى من حالتهم أسوأ منا ، والترويح عن النفس، وذلك بتحديد شخص قريب أو صديق حميم والتكلم معه والإصغاء إليه فربما وجد لنا حلا أو أفادنا فى موضوع ما ووجهنا التوجيه الصحيح فى أمور كنا غافلين عنها.. ومن الأمور التى نستعين بها للتغلب على الحزن، الدعاء والتعوذ من الحزن، فكان نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الحزن ، فكثيرا ما كان يقول «اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن ...» وأيضا قوله «اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وغمومنا...».