منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زعيمة المراهقات 34
انطلاقة أين عمرى والحرب الصهيونية فى برلين

أرادت «ماجدة» أن تشركنى معها فى الحوار فقالت لى وهى ترتشف بعض الشاى الذى من المستحيل أن تجدها جالسة أو تتناقش إلى أى شخص إلا وبيدها كوب مملوء به فهى تعشقه، ولذلك فهى دائما قادرة على التركيز فى تصرفاتها التى تزنها بميزان حساس قبل أن تقدم عليها، ماذا تعرف عن الملك فاروق؟ استعجبت لسؤالها ولكنى أجبتها قائلا علمونا فى سنوات عمرنا التى مضت أنه كان فاسدا سكيرا لا يجالس إلا النساء ثم يحاولون أن يعلمونا فى سنوات عمرنا القادمة أنه كان من كبار الوطنيين الكارهين للإنجليز والمحبين لمصر الوطن والمواطن. .
أشاحت بوجهها قليلا عنى ثم رشفت آخر ما تبقى فى كوبها وطلبت إلى الخادمة أن تحضر لها كوبا آخر، ثم نظرت لى قائلة. . كنت صغيرة السن عندما رحل ملك مصر والسودان فاروق الأول عنها ولكنى أتذكر جيدا تلك العيون التى تبكى والأحزان التى تكسو الوجوه والتى عبرت عنها النساء من أفراد عائلتى والعائلات الأخرى الصديقة فلقد كان عندهم فاروق المثل الأعلى والقدوة «فقد كان ملكا بمعنى الكلمة» يتمتع بأخلاق الملوك والنبلاء وكان حبهم له نابع من تضحياته ومن حبه لمصر وترابها، ومن طريقته فى التعامل مع الخدم فى القصر فكانت حكاياته لا تنقطع من أحاديث مجالس الصالونات بمنازل العائلات الكبيرة فى مصر كلها، لم يكن عمرى يتجاوز الرابعة عشرة ولكنى كنت مدركة للملك الذى عزل والانقلاب الذى قام به الجيش وتحول بعد ذلك إلى ثورة «ولقد استطاع مسلسله الدرامى الذى عرض مؤخرا أن يعيد إلينا تلك الذكريات» لقد لفقوا له التهم وحملوه ما كان فى غيره وتعمدوا أن يخرجوا جيلا كاملا حاملا للتضليل والتاريخ المغلوط لقد ثبت أن الملك فاروق لم يشرب فى حياته الخمر ولم يكن زير نساء كما كانوا يصورونه لقد حاول رجال الثورة أن يثبتوا أقدامهم ولو على سمعة فاروق وأسرته ولم يكن يعنيهم غير السيطرة على الحكم، لقد غفل الجميع عن شيء كان واضحا أمامهم وهو أن فاروق كان قادرا على رفض الرحيل وإعطاء أوامره للجيش الذى كان غالبيته بعيدا عن تنظيم الضباط الأحرار بأن يتحرك ويسحق الأحد عشر ضابطا و المائة جندى ولكنه فضل مصلحة الوطن على أى مصالح شخصية ووافق على الرحيل وهو فى أوج قوته وبين جيشه وقال جملته الشهيرة «الرحيل عندى أفضل من أن تسقط نقطة دم مصرى واحد بسببي» لقد رفض فاروق أن يضحى بجندى أو خادم من خدم القصر الذين كانوا على استعداد لأن يموتوا من أجله وكانوا أكثر الناس حزنا عليه عند رحيله لقد ضرب فاروق بهذا الموقف المثل فى الوطنية لم يفضل مصلحته الشخصية كما فعل آخرون ولم يكن هدفه تخليد وتمجيد اسمه بقدر ما كان هدفه الحفاظ على أمن وأمان المصريين، لقد ظهر معدنه الأصيل عند رحيله وللأسف الشديد مازال هناك من يؤمنون بالصورة التى تم تشويهها له هذا هو مجرد رأيى فى الملك فاروق ويحتمل هذا الرأى الصواب ويحتمل الخطأ ولكنى حرصت على أن أسجله معك فى مذكراتى حتى أعطى لهذا الرجل حقه المهضوم
ورغم هذا فأنا لم أكن فى يوم من الأيام ضد ثورة 23 يوليو وستكشف التفاصيل فيما بعد عن مواقفى لمساندة تلك الثورة «التى شهدت فى كتاب نشرته أن آل الصباحى أكثر العائلات التى ساندتهم وكان لها دور وطنى قبل الثورة» وشقيقى مصطفى كان من أشد المؤيدين لثورة يوليو وكان دائما يجتمع مع أصدقائه بالمنزل ويدور نقاشهم حولها ومكاسبها التى تحققت بجلاء الإنجليز عن مصر. . ومن جانبى توقعت أن الثورة ستجود وتحسن من وضع السينما وتدفعها للأمام فأى ثورة حضارية ومعتدلة طبيعى أن يكون على رأس أولوياتها صناعة السينما فعلى أساس المدى التى تصل له تلك الصناعة تقاس حضارات البلاد المتمدينة وتقدمها فإذا أردت أن تعرف هوية شعب فشاهد أفلامه. ...

فى هذا التوقيت كانت حياتنا الأسرية قد بدأت تكون طبيعية وهادئة فشقيقتى تزوجت، ومصطفى تخرج فى كلية الشرطة وتم تعيينه فى قطاع السجون «ضحكت ماجدة قائلة كان لا يصلح إلا أن يكون سجانا !! فقد كان سجانى طوال الوقت»، وتوفيق بدأ يستقر فى عملة بالكويت، وأبى بدأ يأتى إلينا فى زيارات منتظمة «لقد حاولنا كثيرا أن نوفق بينه وبين أمى ولكنهم كانوا قد قرروا الانفصال بدون عودة وكنت أسأل نفسى أيمكن أن ينتهى كل هذا الحب الذى كان بينهما وهل يعقل أن أكون أنا السبب؟! ولكن أمى وأبى أكدوا لى أن موضوعى كان مجرد حبة رمل فيما فرق بينهما وأدى إلى انفصالهما ولم يرغبا فى إعلان كل الأسباب الحقيقية» وكان أبى يتحدث لأمى بمنتهى الاحترام لان انفصالهم كان ابيض بدون أى عوائق وكانوا يعرفان جيدا أنهم فى النهاية ينتمون لعائلة واحدة وكان أبى قد تزوج بعد انفصالهما حتى يستطيع أن يكمل حياته بشكل طبيعى ويجد من يؤنسه وحدته ويوفر له احتياجاته وكنت أداوم على زيارته بانتظام وكانت زوجته سمحة الطباع، ولكن أمى رغم كل من تقدموا لها ممن يريدون الارتباط بها إلا أنها كانت ترفضهم ولا تسمح لأحد منا أو من العائلة أن يناقشها فى هذا الأمر واكتفت برعايتنا ووقفت معى ولم تتركنى واحتضنتنى وكانت تشجعنى دائما وتقول لى «غدا ستعرف العائلة انك حافظت عليهم وعلى أسمائهم وسمعتهم وانك صورة مشرفة لهم فى السينما وللسينما»، أما أنا فقد حسم الأمر معى منذ أن وافقت الأسرة على عملى بالسينما وهو أن أبتعد عن تجسيد أدوار تتخللها مشاهد الإثارة والأحضان والقبلات ولا أقبل إلا الأفلام الدينية والوطنية والاجتماعية فقط وقد كان بداخلى هذا الطابع وكان هذا هو قرارى من البداية تجسيد الروايات ذات المضمون والهدف والأفلام الدينية والوطنية تكون أصعب بكثير عن غيرها لأنها تحتاج إلى تحضير قوى وميزانيات كبيرة وكان أول فيلم دينى أمثلة «بلال» وكنت مازالت صغيرة ولم يكن دورى رئيسيا لأن شخصية بلال مؤذن الرسول التى يجسدها يحيى شاهين هو محور الفيلم الرئيسي. .. ثم قبلت تجسيد دور فى فيلم «الأنسة حنفي» الذى كان من تأليف جليل البندارى وبطولة إسماعيل ياسين وكان فيلما كوميديا وحقق نجاحا رهيبا. . وبعد ما اشتركت فيه بعد ذلك من أعمال متلاحقة إلا أن اختلاطى بزملاء وزميلات كان يكون أثناء تصوير مشاهد الفيلم فقط وتستطيع أن تطلق عليه اختلاط مؤقت يبدأ ببدء تصوير الفيلم وينتهى بانتهائه ولم نكن نتزاور ولكن كل ما كان بيننا الاحترام المتبادل ورغم أسلوبى العسكرى فى التعامل إلا أن بعض الزملاء كانوا يحاولون أن يبدوا إعجابهم بى وكنت أفطن مقصدهم وسريعا أتعمد أن يتحول الموضوع إلى مجرد مزحه إلى أن يخجلوا من أنفسهم ولا يتحدثوا فى هذا الموضع مرة أخرى ووجدت أن هناك أفلاما كثيرة أرغب أن أجسدها ولكنها لا تأتى إلى «لأننى كنت مازلت حديثة بالعمل السينمائي» وتذهب إلى زميلات أخريات الذين كانوا مسيطرين على الساحة آن ذاك مثل «فاتن حمامة و شادية ومديحه يسري». .
وهنا فكرت كثيرا حتى توصلت إلى أن الطريق الوحيد الذى يمكن من خلاله أن أعمل ما أحب هو أن أقوم بإنتاج الروايات التى تستهوينى وكان الإنتاج خطوة جريئة لم أخشاها ورغم أنى لم أكن أمتلك من المال ما أنتج به إلا أننى أقدمت عليها بخطى ثابتة دون تراجع أو استسلام وبدأت بحثا طويلا حتى توصلت لرواية جيدة لإحسان عبد القدوس أسمها «أين عمري» وتحدثت مع إحسان تليفونيا وحدد لى موعدا وذهبت بدار روز اليوسف واستقبلني بود واحترام وطلبت منه شراء الرواية لإنتاجها فيلما سينمائيا فنظر لى مبتسما وقال لى هل قرأتيها فقلت له نعم وأحببتها أيضا ومن أجل هذا أريد شراءها لأقوم بإنتاجها فضحك قائلا لى كيف تستطيع قطة صغيرة مثلك أن تنتج فيلما لإحسان عبد القدوس فقلت له ستشاركنى شركة «الشرق» فى الإنتاج فحيانى على تلك الخطوة التى أقدمت عليها ثم طلبت منه أن يحدد سعرا للرواية فطلب خمسمائة جنيه فطلبت منه أن أدفعهم له على خمس دفعات ووافق ووقعنا العقد. . بعد ذلك ذهبت بها إلى على الزرقانى ليكتب لها السيناريو والحوار وكان من أهم كتاب السيناريو فى مصر ويمتاز بأنه يصنع الضحك داخل الدراما ووافق على أن يحصل على مبلغ ألف جنيه ولكنى كنت أحاول أن أخفض المبلغ وأكدت له أن إحسان حصل على مبلغ أقل فأكد لى قائلا «إن مهمتى أقوى وأصعب من مهمة إحسان فأنا الذى سأقوم بالتفصيل والشرح كما أن هناك معالجة درامية لمواقف فى القصة لا يمكن أن تخرج على الشاشة كما كانت بالرواية» ففى الرواية كانت البطلة بعد وفاة زوجها تقوم بتأجير شقة وعاشت فيها حياتها المنحرفة ولكن الزرقانى حولها إلى أنها تعود لتعيش فى منزل عائلتها، وذهبت إلى شركة «الشرق للإنتاج الفني» وكنت قد اتفقت معهم على أن يقوموا بتمويل الفيلم ومشاركتى فى الإنتاج مقابل أن أشترى لهم القصة والسيناريو والحوار وكان ملاك الشركة منتجين لبنانيين ومصريين وهم «جون خورى وباسيلس ومحمود شافعي» وشرحت لهم مدى حماسى للقصة «فهى تدور حول فتاه صغيرة تحلم ككل بنات حواء بان تصبح فتاه كبيرة وتلون شفتيها بالروج الأحمر وترتدى الثياب الغالية والكعب العالى فى الوقت الذى كانت فيه والدتها الأرملة تنظر لها كطفلة صغير تحرمها من الحفلات والسهر حتى يظهر فى أفق حياتها عجوز كهل يطلب يدها للزواج فترحب به لأنها كانت تنظر للزواج على انه فستان وكعب عالى ولكن هذا العجوز الفانى لا يستطيع إسعاد شبابها ويغار عليها من كل عين تنظر إليها فيذهب بها إلى الريف لتعيش سجينة قصره الريفى مع شقيقتيه العانستين إلى أن تكاد تختنق فتخرج يوما على ظهر جواد لتستنشق الهواء فتقع من فوقه لتتلقفها يد طبيب شاب «يحيى شاهين» ومن النظرة الأولى يتحابان ويذهب إلى زوجها طالبا يدها على أنها ابنته وهنا يجن جنون الزوج وينتقم منها اشد انتقام وينهال عليها ضربا بالسياط وتمضى القصة فى جو من التشويق والإثارة إلى أن يموت الزوج قتيلا وتحاول أرملته الصغيرة أن تستعيد ما فاتها من أيام العمر بان تعود تلك التلميذة الصغيرة المحبوبة من الشبان إلى أن تكاد تهوى من مهاوى الرذيلة فيظهر ذلك الطبيب الشاب لينقذها من السقوط ويفوز بقلبها فى النهاية» وتم توقيع العقود معهم وكانت تنص على أن يقوموا بإنتاج الفيلم مقابل استردادهم تكاليف الإنتاج التى دفعوها بالإضافة إلى نسبة 50% من الأرباح لمدة عشرين عاما، وأصبح الفيلم فى حيز التنفيذ وأعلن عن ذلك ولكنى تعرضت لحرب من الشركات المنتجة آنذاك وبدأت اسمع كل يوم عن عقبات جديدة يحاولون بها إيقافى عن المضى فى طريقى وبالفعل استطاعت احدى الشركات أن تحصل على وعد إحسان عبد القدوس ببيع قصته أين عمرى لها بمبلغ اكبر من المال وعندما ذهبت إليه قال لى انه فى حل من اتفاقى لأنه مضى عام كامل لم أنتج فيه الفيلم فقلت له الفيلم ضخم ويحتاج إلى تجهيز على نفس المستوى ولكنه أصر على موقفه وأنا لم أكترث له وبدأت بالفعل فى إنتاج الفيلم وتصويره وترتب على هذا خلافات كثيرة بينى وبين إحسان وتأزم الموقف حتى كاد أن يصل إلى ساحة القضاء لولا تدخل البعض وحل المشكلة ولكن ورغم أن إحسان كاتب كبير وصحفى مرموق وله قيمته الأدبية الكبيرة وكان قدم له من قبل فيلم «الله معنا» إلا أن انطلاقة الحقيقة وتقاتل شركات الإنتاج علية كان بسبب نجاح فيلم «أين عمري». ..
وقبل الدخول فى تصوير الفيلم قمت بتأجير مكتب فى عمارة الإيموبيليا «الذى مازال مكتبى حتى الآن» وكانت تغمرنى السعادة بأن يصبح لدى مكتب ويعمل معى موظفون كما كنت أشاهد الفنانين الكبار وجاء إلى الكثير من زملائى ليهنئونى وكان على رأسهم «رشدى أباظة»، وبدأت أتفق مع شركة الإنتاج على المخرج واخترت أنا احمد ضياء الدين «الذى أطلق عليه بعد ذلك مخرج ماجدة الملاكي» وبالنسبة للممثلين كان يحيى شاهين هو نجم السينما الأوحد فى هذا التوقيت وجاءت باقى اختيارات الممثلين موفقة بالتنسيق بينى وبين المخرج ولكن ما أتذكره أن جميع الممثلين كانت مفاجأة لهم عندما علموا أننى المنتجة وبدأنا التصوير بعد تسوية الخلاف مع إحسان، وحدث مواقف بينى وبين الفنان الكبير زكى رستم ولا يمكن أن أنسى تلك المواقف فهو كان إنسان مهذب ورائع الأداء ويندمج بشدة فى دوره الذى يجسده سواء كان خارج أو داخل التصوير وكان واقع القصة تقول إننى زوجته وأنه يغار على بشدة وفى احد المرات توقفت الكاميرا عن التصوير وجلسنا نستريح بعض الشيء ونتناول الطعام وحدث أننى كنت أتحدث مع يحيى شاهين وابتسمت لجمله قالها فوجدته ينظر لى غاضبا وقال لى «لماذا تقفى هكذا ؟!» ولكنى ابتسمت مستعجبة من سؤاله وجاء المخرج وقال لى لا تؤاخذيه فهو من طبيعته أن يندمج فى دورة بطريقة زائدة عن الحد فابتسمت وتكلمت معه بلطف وأفهمته أننى زوجته داخل الفيلم وليس خارجه ولكننا ظللنا طوال أيام التصوير كلما يشاهدنى أقف مع أى شخص نتحدث أجد نظرات الغيرة الحادة فى عيناه حتى أننى بدأت أخاف منه وأيضا فى أحد المشاهد داخل الفيلم والتى يعلم بحبى للطبيب «يحيى شاهين» ويطلب منى عدم تركه و إلا سيقتلنى وعندما أرفض يصفعنى بيده على وجهى وحدث أن أختلط علية الأمر بين الحقيقة والتمثيل فعندما قام بصفعى على وجهى كانت الصفعة قوية جدا وموجعة ولم يعطنى مثلها فى حياتى سوى «شقيقى مصطفى الصباحي» وفقدت الوعى عندما شاهدت أن فمى ينزف الدماء وعندما عدت للوعى وجدته يبكى ويقول لى بالحرف الواحد «سامحينى يا ابنتي، أنا عنيف، أنا وحش» وبكيت من شدة الألم ووجدت أن ضرسى أصيب ووجهى تورم وتوقف التصوير فى هذا اليوم وعندما ذهبت للمنزل أتصل بى «زكى رستم» وكان يبكى وقال لى «سامحينى يا ابنتى أنا لا أعى تصرفاتى وبندمج فى الشخصية ولا أستطيع أن أنفصل عنها» فاحترمت مدى احترامه لعمله وقلت له «لا عليك وأنا سامحتك وأقدر موقفك النبيل لكن برفق بعد ذلك حتى لا أموت قبل أن ينتهى الفيلم» فهو كان يندمج فى الدور بشكل عنيف وعندما يضرب فيكون حقيقى لدرجة أنى عرفت أن هناك قصة حدثت بينة وبين أمينة رزق فى أحد الأفلام وكان المشهد أنه يقوم بخنقها واندمج وكان يخنقها حقيقى فى مشهد تمثيلى فكانت تقول له بصوت مبحوح وتكاد أن تموت فى يده «زكى دى تمثيل يا زكي» ولكنه كان يضغط بأصابعه على حنجرتها وعندما انتبه المخرج والمصورون لذلك لأنه لم يتوقف رغم أنهم أشاروا بانتهاء المشهد فهرولوا إليه ورفعوه عنها وكانت قد فقدت الوعى وكان زكى رستم لديه مشكلة فى السمع بأذنيه «سمعه ثقيل» وكان بينى وبينة مشهد فى فيلم بائعة الخبز وهو أنى أقول جملة فيتحرك خطوات ولكنى أثناء التصوير لم أجده يتحرك الخطوات المطلوبة فعلى الفور سارعت بالتفكير فقمت بمحاولة تنبيهه «بقرصه» فأنتبه وتحرك ورددت الجملة التالية وقمت بمحاولة تنبيهه مرة أخرى «بقرصه مرة أخري» فتحرك وأيضا كان عدم تأديته تحركاتة ناتج لأن صوتى دائما منخفض وضعيف وهو لا يستطيع سماعه ليؤدى الدور المطلوب وبعد انتهاء المشهد ذهب زكى رستم إلى مخرج الفيلم حسن الإمام وقال له «يا سى حسن وهذه كانت طريقته فى الحديث فقال له نعم يا أستاذ زكى قال له هى الآنسة ماجدة عندها حالة عصبية فقال له لماذا فرد عليه قائلا طوال تصوير المشهد تقوم بتقريصى فانهمر حسن الإمام فى موجة من الضحك وسألنى عن السبب فقلت لا يسمعنى فوجدت أن هذه أفضل طريقة حتى أنبه لحركته ولا يعاد المشهد مرة أخري» فكان طباع زكى رستم أنة إنسان محترم جدا وبين المشهد والأخر يجلس ولا يتكلم مع أى شخص ويخرج من حجرته أمام الكاميرا فقط رحمة الله. ...
ومن أكثر المشاهد اللى بذلت فيها مجهودا فائقا هو مشهد مطاردة احمد رمزى لى بالسيارة فى نهاية الفيلم وكانت مطاردة حقيقية وكنت أهرول بأقصى سرعة ممكن تتخيلها وكاد توازنى أن يختل ووجدت أنه سيترتب عليه أن يدهسنى بالسيارة ولكن الله أراد لى البقاء حية، ورغم هذا رفضت استخدام «دوبليره» وذلك لأنى كنت أقدم جميع أدوارى بروح فدائية فلا يمكن أن يطلب منى شيء أو يلزمنى الورق بشيء وامتنع عنه وأنتهى تصوير فيلم أين عمرى بعد ثلاثة اشهر وخرج الفيلم وصنع ضجة كبرى رغم أن فى ذلك التوقيت كان هناك ركود فى السوق المصرى بشكل عام بسبب أن الدولة فى مرحلة انتقالية للسلطة وصراع على السلطة بين محمد نجيب وعبد الناصر والحرب والمشاكل الاجتماعية والدولية والتى كانت لها تأثيرها السيئ على كل صناعات المجتمع ومن ضمن هذه الأشياء صناعة السينما ولكن هذا الفيلم كان سبب فى إحيائها وانتعاش السينما وكتبت عنه الصحف بشكل رائع وفعال وكان أين عمرى الانطلاقة الأولى والحقيقة الفعالة بالنسبة لى فقد كتب النقاد عن استطاعتى تجسيد هذه المراحل المختلفة للشخصية والتى كانت تحتاج إلى أكثر من ممثلة وعرض بسينما قصر النيل وكان هذا أول فيلم عربى يعرض بها وجمع إيرادات ضخمة استطعت من خلالها أن أسدد كل ما كان متراكما على من ديون وأقساط للكتاب. ..
وبعد كل هذا النجاح الذى حققه فيلم أين عمرى والصدى الرهيب الذى تسبب فيه فوجئت بترشيح رجال الثورة وقيادات الدولة لأن يمثلهم الفيلم فى مهرجان «كان» فى برلين ليكون دليل قوى على اعتراف المجتمع الدولى بأول فيلم مصرى يحمل هوية الدولة الجديدة «جمهورية مصر العربية» ولقد كانت سعادتى لا توصف بهذا الشرف العظيم التى تمنحه الدولة لى وكانت هذه أول مرة فى حياتى أسافر فيها للخارج ولم تعترض الأسرة عندما علموا بوجود مخرج الفيلم أحمد ضياء الدين معى وكان يثقون فيه بشدة وكان من الأسباب التى شجعتنى على الذهاب إلى مؤتمر برلين للاشتراك بفيلمى «أين عمري» هى الرغبة فى إطلاعى أولا على النواحى الفنية الناجحة التى توصلت إليها الأفلام العالمية بالنسبة للفيلم المصرى وثانيا اقتناعى بان فيلم أين عمرى سيحوز ثقة الهيئة المنوط بها توزيع الجوائز للأفلام الجيدة واستقلينا الطائرة ووجدت نفسى ونحن مازلنا فى الهواء عبر رحلتنا أقول لمخرج الفيلم أحمد ضياء الدين أننى أفكر بما سيحدث لنا فى برلين فهل تعتقد أن عالم الشقروات سيستقبلنى أنا الخمرية الشرقية جيدا فقال لى بشيء من الحيرة «لم افهم» فقلت له هذه هى المرة الأولى التى اطل فيها على العالم السينمائى الخارجى ترى كيف سيكون استقبالنا فى برلين وماذا سيكون رأى جمهور المؤتمر السينمائى بالفيلم خاصة وأن قرار اشتراكه نابع من الثورة المصرية وسيدخل الفيلم فى معركة سياسية فقال العمل الناجح هو الذى سيفرض نفسه فى النهاية اطمئني. . ووصلنا إلى العاصمة الألمانية برلين وأجمل ما أتذكره عن تلك المدينة وذلك المهرجان الاستقبال الحافل الذى قوبلت به فى كل مكان وقد بدأت تلك الاستقبالات والحفاوة منذ اللحظة التى وطأت فيها قدمى ارض برلين وانتهت وأنا استقل الطائرة عائدة إلى بلادي. .
فقد وصلت إلى برلين بعد رحلة طويلة من الطيران وهبطت بنا الطائرة فى مطار برلين وأنا فى حالة يرثى لها من الإعياء والصداع كنت أريد أن أنام لأننى لم يغمض لى فى الطائرة جفن ولكنى فوجئت بعشرات من عدسات التصوير تتصوب نحوى وأنوارها تلاحقنى فتحول ليل المطار الكالح إلى نهار يشع فيه الضوء وأصبحت أقف كالعصفورة الضعيفة التى تلاحقها وميض العدسات من كل جانب وتطالبنى بالابتسامات وأداء الحركات الاستعراضية ولم أكن أريد أن تلتقط لى الصور وأنا فى هذه الحالة من التعب فأشرت إليهم ألا يصورونى ولكنهم كانوا لى بالمرصاد إذ سجلوا كل إشارة من يدى بل صوبوا العدسات محكمة نحو فمى ليسجلوا لى صورا وأنا أتحدث واحتج عليهم وأحاط بى أعضاء الوفد المصرى ورجال السفارة المصرية فى برلين الذين كانوا فى انتظارى وهدأوا خاطرى والتفوا حولى التفافا لا يسمح للمصوريين بالتقاط صور لي. . واصطحبونى إلى قاعة كبار الزوار وافهمنى احد من الموظفين وكان رجل يبالغ فى الترحيب بى افهمنى أن ما حدث لى حدث مثله تماما «لريتا هايواوث» عندما أتت إلى برلين وأنها من فرط غيظها مما فعل بها المصورون الصحفيين عادت إلى الطائرة لتجلس فيها وهددت بان تغادر الأراضى الألمانية قبل أن تخرج من الطائرة، وابتسم الرجل وهو يودعنى عن المطار قائلا: «هذه هى ضريبة الشهرة !». .. وكان الشعب الألمانى يرحب بى فى كل مكان اذهب إليه وقد كنت وبصحبتى الوفد المصرى الذى تكون من «مندوب وزارة الإرشاد جمال مدكور واحمد ضياء الدين مخرج الفيلم وعطية كامل مدير إنتاج الفيلم» نزلا فى فندق «انسو» الفخم. .
ثم عرض الفيلم ولم يتخلف نجم أو نجمة من نجوم السينما من جميع أنحاء العالم عن حضور العرض واقبل عليه الجمهور إقبال شديد وقد صفقوا له خمس دقائق متواصلة بعد أن انتهى ووقفت أمام الجماهير فى المؤتمر الصحفى الذى عقد فور انتهاء العرض لكى القى كلمة شكر بالألمانية وأنا لا اعرف اللغة الألمانية ولهذا كتبت الكلمة بحروف لاتينية وحسب نطقها على الطريقة الفرنسية وقد كنت قد قطعت ساعة فى حفظها عن ظهر قلب ولكن التصفيق المدوى الذى فاجأنى به الجميع أربكنى وما كدت القى أول عبارة وهى «أنا أحب برلين» حتى صفق الجمهور مرة أخرى وهنا نسيت ما بعد هذه العبارة ففتحت حقيبتى وأخرجت منها الورقة التى بها الخطبة وضج الجمهور بالضحك والتصفيق. . وفى الحفلة التى أقامتها مفوضية الحكومة المصرية حضر بعض نجوم التمثيل بالسينما العالمية وكان من بينهم النجم العالمى الشهير «جارى كوبر» وحرصت على دعوته لأنه كان من أكثر المهتمين بى فى ألمانيا وكانت لى صورة شهيرة معه دار بها حوار ممتع فلكونه كان طويل القامة فكنت أقول له: «لا أستطيع أن أقف أمامك لأنى أضطر إلى أن أرفع رأسى دائما لكى أرى وجهك» فرد قائلا: «إننى عندما أنظر أليك أنحني». ..
وحضر أيضا كل المصريين الذين يدرسون فى ألمانيا فقد كنت حريصة على أن توجه لهم السفارة الدعوة واحدا واحدا. . وكتبت صحيفة «برلينر مورجن بوست» وهى من اكبر الصحف الألمانية مقالا مازلت أحتفظ به نشر فى العدد الصادر فى 22 يونيو 1956 وجاء فى جزء منه «أن هذه السمراء اللطيفة «الصغيرة الكبيرة» كانت قبلة الأنظار فى مهرجان السينما هذا العام وكانت أينما تسير يسير وراءها المصورون والصحفيون وجمهور كبير من المعجبين وأيضا أن ماجدة تحدثت فى المؤتمر الصحفى الذى أقامته إدارة المهرجان فور وصولها إلى برلين، فألقت معلومات كافية عن صناعة السينما فى مصر التى يمتد سوقها من مراكش غربا إلى إيران شرقا ويبلغ عدد مشاهدى السينما فى هذه المنطقة أربعين مليونا: وقالت إن الحكومة تقدم مساعدات كثيرة لهذه الصناعة ورصدت لها فى العام الماضى 360 ألف مارك ألمانى وسيزيد هذا المبلغ فى العام القادم وقالت أن مصر تنتج فى السنة حوالى ثمانين فيلما وتقوم الآن بإنتاج ثلاثة أفلام بالسينما سكوب».
وأصبحت بعد ذلك صورى تتصدر الصفحات الأولى للصحف الألمانية. . وبعد حفلة افتتاح فيلم «أين عمري» أردت أن أزور أسواق برلين وأشترى بعض الهدايا لأصدقائى وصديقاتى فى مصر، واعتقدت بينى وبين نفسى أنى سوف أسير فى شوارع برلين بكل حرية لان أحدا لا يعرفنى فى هذه العاصمة التى تبعد عن القاهرة بملايين الكيلو مترات، ولن أتعرض للنظرات الفضولية التى أتعرض لها كلما ظهرت فى شوارع القاهرة وبالفعل نزلت إلى احد الأسواق التجارية الضخمة هناك واكتشفت المفاجأة وهى أننى أصبحت معروفة فى برلين كما أنا معروفة فى القاهرة وبيروت ودمشق وكل بلد عربى فإن الجمهور الألمانى عرفنى من خلال الصحف والراديو وفيلم أين عمرى الذى عرض فى قاعة المؤتمر وأعجب بخمريتى الفاتنة ورشاقتى المحببة ومقدرتى التمثيلية، كما كانوا يقولون لى ويكتب عنى بالصحف الألمانية، فلم يكد يرانى الجمهور فى شوارع برلين حتى التف حولى وتسابق الشبان والفتيات للحصول على توقيعاتى أو صوري، وحدث ذات مرة أن تعطل السير من شدة ازدحام الجمهور على فاضطرت للدخول إلى احد المحلات الكبيرة وهنا حطم الجمهور واجهة المحل الزجاجية واندفعوا بكل قوة إلى داخلة ليرونى أمامهم عن قرب وفى أقل من دقائق حضر البوليس بناء على إشارة من صاحب المحل لإجراء التحقيق عن تحطيم الواجهة وقد كان رد البعض مثيرا للغاية فقد قالوا لرجال البوليس: «نعم نحن حطمنا واجهة المحل لأننا لا نريد أى حاجز بيننا وبين الفاتنة المصرية» وانتهى الحادث بعد تدخل إدارة المهرجان التى أبدت استعدادها لإصلاح الواجهة المحطمة على حسابها معتزة بهذا الاستقبال الحار من الجمهور الألمانى لى كنجمة مصرية محبوبة وأصبحت بعد ذلك لا أستطيع السير على قدمى فى شوارع برلين، وإذا أردت السير فأكون دائما تحت حراسة البوليس الذى لم يعد يفارقنى منذ حادث تحطيم الواجهة. .
ولقد قال بعد ذلك الدكتور «باور» المشرف العام على المهرجان للمخرج أحمد ضياء الدين مخرج الفيلم انه أعجب كثيرا بفيلم أين عمرى وبطلته ماجدة التى تعتبر اصغر منتجة سينمائية فى العالم وأعظم وأفضل ممثلة فى مهرجان برلين وطلب ومعه لجنة التحكيم أن يعرض فيلم أين عمرى مرة ثانية «رغم أن جميع الأفلام المشتركة فى المهرجان كانت تعرض مرة واحدة فقط» ولكن كان طلبهم بسبب أنهم دهشوا فى المرة الأولى لقوة التمثيل والإخراج ولم يستطيعوا تسجيل حسناته الفنية كاملة وعرض الفيلم فى المرة الثانية أمام مندوبى 34 دولة وعشرات النقاد والصحفيين العالميين. ..
وحدث أيضا أنه عقب الفيلم اشتد الزحام على الفندق «أنسو» الذى كنت نزيلته حتى استنجدت إدارته بالبوليس وطلبت منه فرقة لتطوق الفندق وتمنع عنه المعجبين الذين كانوا فى صباح ذلك اليوم قد تكاثروا على واجه المحل الزجاجية وحطموها كما ذكرت وبالفعل جاء رجال البوليس ليضربوا حصارا حول الفندق وقامت بينهم وبين الناس معارك لا تنتهي، ولقد لاحظت مدى ارتفاع سعر التوقيع الذى أوقعه على الأوتوجرافات فقد نشط تجار السوق السوداء الذين يوجدون فى كل مكان فى العالم ويظهرون فى أوقات الأزمات، نشطوا ليرفعوا السعر، هذا مع أننى لم أخيب أملا لفتاة أو فتى فى الحصول على إمضائى المتواضع ولكن لعل السر فيما لقيته من حفاوة هو أن سمعتنا فى ألمانيا من الناحية الفنية كانت سمعة طيبة للغاية ثم أن الشعب الألمانى يحب المصريين حبا أصيلا حبا من الأعماق والتجاوب بيننا وبينه تجاوب تام متكامل وكان ذلك سببا فى أن قامت الصحف بترشيحى للجائزة العالمية بجوار كبار نجوم العالم السينمائى أن ذاك وكانوا «بد ديفيز وجوان كروفورد» ولكن رغم كل هذا وكل ما لقى الفيلم من تقدير إلا أنه وللأسف الشديد لم يحصل على الجائزة التى كان رشح لها وفى الواقع لمست أن بعض الهيئات الصهيونية حاولت أن تشن هجوما على وعلى فيلمى فى برلين وبطبيعة الحال لم أكن أنا المقصودة بالذات بل الهدف من الهجوم الإساءة إلى سمعة مصر والعرب لكننى تغلبت على هذا الهجوم وكسبت ود وصداقة جميع الشخصيات الرسمية الألمانية التى اشتركت فى المهرجان وأيضا لقد كان ثلثا لجنة التحكيم منحازين لليهود وكان نجاح الفيلم يعنى نجاح مصر التى تخوض حربا مع إسرائيل فى نفس العام بعدما قام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس وانتزاعها من حوزة الإنجليز ولكن حصلت على جائزة تقديرية من المهرجان. ...
ولم يكن مهرجان برلين هو المؤشر على عدم نجاح الفيلم بقدر ما هو مؤشر قوى على تلك الحرب الشرسة وغير الشريفة التى كانت تحاك وتدار من الخارج لمحاولة إثبات فشل الثورة ومحاربة صناعها وأبطالها وكل من يرشحوا ليكون مؤشرا على نجاحهم وكانت حربهم التى قام بها الصهاينة الإسرائيليون على المستوى العسكرى والتى يعلمها الجميع ولكن ما لم يعلمه أحد الحرب الأخرى التى مارسوها ضد الثورة وجمال عبد الناصر على جبهات أخرى ومختلفة وكانت ضمن هذه الجبهات التى تدار عليها المعركة هى «الجبهة الفنية» التى كان لى الشرف أن أكون المجاهدة التى حملت سلاحها المختلف عما يعرفه الكثيرون بسلاح الطلقات والنيران وكان سلاحى هو فيلمى «أين عمري» الذى تحديت به العالم لكى يكون وثيقة على نجاح الثورة فلم يرغب المنتمون للصهيونيين فى برلين فى إعطائى شهادة ميلاد لفيلمى الثورى ولكن ليس كل المواليد فى العالم يستخرج لهم شهادات ميلاد وكانت شهادة ميلاد هذا الفيلم هى اعتراف الجماهير الغفيرة به وإقبالها عليه لمشاهدته فى كل مكان فى العالم وإيمانها الشديد بأنه الابن الشرعى للثورة المصرية الشرعية. ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.