كل إنسان على وجه الارض يحتاج إلى سلام حقيقى ، وقد حاول زعماء وحكماء وملوك ورؤساء فى اكبر الدول وأصغرها ، وأغناها وأفقرها، الكل يسعى وبكل الطرق ان يحقق سلاماُ ، حتى الحروب والغزوات رفعت شعارها من أجل السلام ، سلماً أو حرباً وفشلت الجهود إذ لم يعرف العالم منذ ان خطا الإنسان على الارض ان يصنع سلاماً أو يحافظ على السلام، فكانت المحاولات تفادياً للحروب وتجنباً للمشكلات وتهرباً من المواجهات، وكلها محاولات لتأجيل الصراعات واستعداد اكبر لمواجهة الآخر بالحروب والقتال. اما السلام الذى قدمه السيد المسيح فى قوله «سلاماً اترك لكم. سلامى اعطيكم ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب ». اذن ما هو السلام الذى وعد به المسيح مختلفاً عن السلام الذى يحاول العالم أن يحققه ؟ انه السلام الذى قدمه لامرأة خاطئة فى أعين المجتمع ساقطة جلست عند قدميه تقبلهما وتدهنهما بالطيب وبدموعها تغسل أقدامه حتى لامه الحاضرون قائلين لو علم من هذه المرأة ، انها خاطئة ، اما هو فقال للمرأة الخاطئة ايمانك قد خلصك ، اذهبى بسلام. انه سلام المصالحة الحقيقية من العداوة إلى الحب والمصدر هو المسيح إذ هو سلامنا الذى جعل الاثنين واحداً واسقط السور العالى الفاصل بين الإنسان وخالقه ليصبح إنساناً جديداً صانعاً سلاماً . فالسلام الحقيقى هو سلام الحرية من عبودية الخطية والتسلط الشيطانى الذى يسوق الإنسان إلى الاحقاد والكراهية والحروب الداخلية والخارجية . كانت رسالة الملائكة لجماعة فقيرة، وفى نظر المجتمع حقيرة، جاءت جوقة من الملائكة تنشد «المجد لله فى الاعالى وعلى الارض السلام وبالناس المسرة». فالسلام هو عطية الله « سلاماً اترك لكم. سلامى اعطيكم ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا» والسلام ليس هدفه لوقف اطلاق النار ولكن معناه تصحيح المسار لتصبح فى علاقة صحيحة مع غيرك، والسلام مع الله هو تصحيح العلاقة معه، والقاعدة انه لا يمكننا ان نصحح علاقتنا بالله ما لم نصحح العلاقة مع الإنسان . نحن لا نرى الله، فكيف نقيم علاقة صحيحة معه، ونفشل فى علاقتنا مع الإنسان الذى نراه . لذا فصلواتنا وتقدماتنا وذبائحنا لن تقبل ما لم نصحح علاقاتنا مع اخوتنا فى الانسانية والوطنية والحياتية. والسلام لا يتحقق مع الانانية، انا أولا والجميع بعدي، وأسلوبى وأهدافى ورؤيتى ، فالسلام يبدأ من داخلنا ، فإذا لم يكن لنا سلام داخلى لا يمكن ان نعيش السلام مع الآخر . ان سلامنا الداخلى لا يتحقق ما لم نلق كل همومنا على الرب الذى وعد ان يهتم بنا اكثر مما نهتم بأنفسنا. قال السيد المسيح فى الموعظة على الجبل أقول لكم لا تهتموا «لا تقلقوا أو تحملوا الهموم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد افضل من الملابس؟ انظروا إلى طيور السماء: انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن وأبوكم السماوى يقوتها. ألستم أنتم بالحرى أفضل منها؟» فما اروع سلامه الذى وعد به « سلامى اعطيكم « ، دخل المسيح إلى الغرفة العلوية حيث كان التلاميذ يجتمعون والأبواب مغلقة بإحكام بسبب الخوف من اليهود . دخل فى وسطهم وقد خافوا جداً ، ربما توقعوا أن يوبخهم لأنهم خانوا العلاقة والعشرة ، ولكنه قال لهم « لا تخافوا .سلامى اترك لكم» . ان الله يدعونا اليوم لننال منه السلام . انه سلام غير قابل للرجوع كما يفعل العالم الباحث عن السلام بالجيوش والحروب وسباق التسليح، ولكنه اليوم يقول لنا كما قال لتلاميذه . « لا تخافوا .سلاماً اترك لكم. سلامى اعطيكم ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب انتم تؤمنون بالله فامنوا بي». العالم لا يستطيع ان يعطينا سلام الله، ففاقد الشئ لا يعطيه . وقال مارتن لوثر كنج الظلام لا يمكنه ان يطرد ظلاماً ولكن النور فقط هو القادر على طرد الظلام ، والكراهية لا تقضى على الكراهية ولكن المحبة وحدها تطرد الكراهية . فهل اصبح السلام صعب المنال وأين ذهبت أصوات الملائكة التى هتفت هتافاً مدوياً سجله الوحى شهادة «هأنذا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب ولد لكم مخلص هو المسيح وجوقة التسبيح السماوية أعلنت هتافها «المجد لله فى الاعالى وعلى الارض السلام وبالناس المسرة». انه السلام الذى من الله وهو عطية لكل المؤمنين، ذلك السلام الحقيقى والدائم والذى لا تحده اتفاقيات أو معاهدات أو حتى وثائق وقوانين. فالسلام الحقيقى هو من الله لشعب الله ، هذا السلام الذى لا ينقص ولا يهدد لأنه من الله إلى شعب الله. اما مسئولية المؤمن فهو صانع سلام من ذات النوعية التى نالها، فلا يستطيع الإنسان الذى يعيش وكأنه فى جحيم ويتوقع ان ينال النعيم. فى عيد الميلاد نتبادل التهاني، وتصرف مليارات من العملات فى تبادل الهدايا والزهور والعطور والحلي، وكأن العيد عيد مولدنا وليس مولد المسيح، والأصح أن تقدم هدايانا وهى ليست من فضة أو ذهب، إنها القلب. فلنفتح القلب له ولنعطه أسمى مقام فى كل قلب حله حل السرور والسلام. لمزيد من مقالات د. القس صفوت البياضى