حدث الميلاد للسيد المسيح كان حدثاً محورياً فى حياة البشر إذ انقسم الزمن إلى ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد . والحدث بكل تفاصيله نجده فى الانجيل المقدس فى بشارة القديس متى الرسول، وبشارة القديس لوقا الرسول ،والاول كتب من زاوية الفكر التعليمى اليهودى لليهود الذين كانوا ينتظرون قدوم المسيح المخلص ، والثانى كتب من زاوية الفكر الادبى المسكونى لكل الامم التى كانت تنتظر من يعلن لها الحقيقة التى بحث عنها الفلاسفة أنبياء الوثنية. وجاء يوم الميلاد المجيد وصاحبه أحداث كثيرة وظهرت فى مشاهدة شخصيات متعددة، وكان لكل فرد من الخليقة التى ابدعها الله أن تقدم شكراً كل على طريقة: فالملائكة قدمت التسبيح (لوقا14:2) والسموات قدمت النجم (متى 2:2) ومجوس المشرق قدموا الهدايا الثلاثة( متي11:2) والرعاة قدموا التعجب والسهر (لو8:2) والارض قدمت المذود أو مغارة الميلاد (لو 7:2 ) والبشر قدموا اماً بتول السيدة العذراء مريم (لوقا1: 26-38). على أن هذا الحدث اشترك فى استقباله ثلاثة: الرعاة اليهود وكانوا بسطاء أنقياء حياتهم بدائية ويمثلون اليهود. المجوس الذين كانوا من المشرق بذلوا جهدا وتعباً بحثاً عن الحقيقة ويمثلون الامم. الملائكة تلك الارواح التى ظهرت وقدمت أنشودة ملائكية خاصة يمثلون السمائيين. وهكذا اشتركت الارض ( يهود وأمم) والسماء (الملائكة) فى حدث الميلاد السمائى وإذا كنا قد عرفنا أن الله أحبنا عندما خلقنا، فنحن الآن عرفنا أنه يحبنا جداً جداً وبلا حدود عندما صار معنا ودعى اسمه عمانوئيل (متي23:1) وعلى هذا الاساس لا يصير حدث الميلاد مجرد قصة تاريخية أو حتى انسانية بل هو رسالة سماوية لكل انسان فى اى زمان وفى كل مكان. فالانسانية التى بدأت بخلقة آدم وحواء ابوينا الاولينَ وعبر عصور طويلة من التاريخ حملت الانسانية فيها الخطية التى استشرت فى كيان الانسان وصارت «مرضاً مزمناً» لا يمكن التخلص منه وعاشت البشرية ضعفات الشر بكل صوره من الحاد وعنف وإرهاب وخوف وقتل وجريمة وقسوة وحروب ومعاناة ومصاعب ومآس وشرور الادمان والاباحيات والامراض الاجتماعية والنفسية والعقلية وسيطرة الدكتاتوريات وحكم الشعوب بأساليب القمع والقهر والظلم. وجاء ميلاد السيد المسيح ليقدم للانسان ثلاثة علاجات نافعة لتقيه من تلك الضعفات التى سقط فيها وهذه العلاجات ان استعملها فقد نجى بنفسه من كل ضعف : اولاً: المجد لله فى الأعالي: فمرض الخطية الاول هو « الذات « او حب الذات والاعجاب بالنفس والأنانية والانفرادية وعبارة مزاج الانسان وشهواته، أو كما قال الفلاسفة ان الانسان بئر من الرغبات التى لا تشبع... ومن هذه الذات وجد الإلحاد ورفض الله والتعدى على وصاياه والسقوط فى قاع الخطية. لقد نسى الانسان المخلوق الله خالقه وتذكر فقط ذاته ووجوده، وتحقيق نفسه والبحث عما يسميه حقوقه وتناسى تماماً حقوق الله فيه، ولكن كيف العلاج ؟ ينبغى ان يعود إلى تقديم المجد لله فقط ويلجأ إلى الخالق الذى أوجد هذا الكون وخلقه ومازال يضبطه ويديره ومنه وبه حياة الانسان منذ ميلاده وما قبل ميلاده ،وحتى وفاته وما بعد وفاته. وتمجيد الله يعنى أن تسكن مخافته قلب الانسان فرأس الحكمة هو مخافة الله أى أن يعمل الانسان كل ما يعمله ويشعر انه امام الله ، وخوف الله يجعله خاضعاً بين يديه لانه لا سبيل لوقف هذا النزيف فى إنسانية الانسان الا بهذه العودة القلبية والسجود أمام الله فى مخافة حقيقية إذ هو الديان العادل الذى سيقف أمامه كل إنسان فى اليوم الآخر. ثانياً: وعلى الأرض السلام: فبسبب ابتعاد الإنسان عن الله خالقه وموجده تفشى العنف والكراهية وعدم قبول الآخر، والاعتداء الرخيص على حياة الانسان الغالية تحت مسميات كاذبة ومفضوحة. أن انتشار العنف على مستوى الافراد والمجتمعات والدول تحول إلى صراعات بعضها سياسى وبعضها اعلامى أو عسكرى أو اجتماعي... ونشأت الحروب ومواقع الاقتتال، وامتد الارهاب الاسود إلى بقاع كثيرة على الارض. وحل القلق والهم والالم والحزن و...الخ واحتاج الانسان إلى السلام ومن يصنعه، ولكن لا يستطيع أى انسان يصنع سلاماً ما لم يقدم تمجيدا لله أولاً. صناعة السلام صناعة صعبة للغاية، وتحتاج ان يقوم بها أناس وضعوا حياتهم بكل البذل والتضحية وإنكار الذات بجوار النعمة الالهية التى بها يستطيعون غزو قلوب فاعلى العنف على كل مستوى وفى كل مكان. فاذا أراد الانسان ان يكون له مكان فى قلب الله، عليه ان يعمل سلاماً وصلحاً ويكون بالفعل وسيلة حقيقية لنشر السلام بين البشر اينما حلوا... ثالثاً: وبالناس المسرة: وايضاً بسبب خطية الانسان غاب الفرح عنه وصار يلتمس سعادته فى مال أو منصب أو جمال أو أنجاز أو غير ذلك مما يمنحه سعادة، لوقت وبينما يظل فيه خوف غامر داخل قلبه من المستقبل ومفاجآت الايام... وتأتى عطية الفرح من يد الله للانسان الذى يعيش وصاياه ويحيا فى مخافته يمجد اسمه دائماً ويصنع السلام بحضوره وخدمته ، وعندما يقتنى الانسان «عطية المسرة» كمنحة الهية ثمينة ، انما يشعر بسعادة غامرة تشع فى كل كيانه بل وتنتقل هذه السعادة إلى من يجاوره ويتعامل معهم. إننا نصلى من اجل بلادنا الحبيبة مصر، ومن اجل سلامها ورفعتها، و من أجل رئيسها المحبوب الرئيس عبد الفتاح السيسى وكل معاونيه، والسيد المهندس ابراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء والوزراء والمسئولين على المستوى التنفيذى والتشريعى والدينى والامنى والشعبى واثقين أن بلادنا محفوظة ومحروسة من قبل السيد المسيح الذى زارها وعاش على اراضيها وشرب من مائها، كما نصلى من أجل اخوتنا المتألمين فى بلاد العراق وسوريا وفلسطين ولبنان وليبيا ونيجيريا وغيرها من البلاد التى تعانى من الارهاب والعنف والكراهية، ونعمة السيد المسيح مولود بيت لحم تشملنا جميعاً. بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية لمزيد من مقالات البابا تواضروس الثاني