إسقاط نظام أم إسقاط دولة؟! سؤالان فرضا نفسيهما على عموم الشعب المصرى منذ سقوط النظام السابق فى عام 2011 واستمرار حالة الاحتقان والصراع السياسى والممارسات الغوغائية والأعمال التخريبية التى وصلت لحد حرق المجمع العلمى وعدم إحساس مرتكبى الجرم بالندم على ما اقترفوه عن عمد أو دون قصد أو استشعار مدى خسارة أن تفقد الآمة بعضا من ذاكرتها توثقه خرائط أشد ما نكون احتياجا لها الآن لإثبات حقوقا تاريخية وجغرافية، واستمرار محاولات النيل من المؤسسة العسكرية والجيش والقضاء وتعثر سبل تحقيق الديمقراطية و التعددية الفكرية، التى تغنت بها النُخب. وكما سبقت الإشارة فى المنمنمتين السابقتين إلى أن الطبيعة البشرية والمنهج العلمى للإدارة والتخطيط الاستراتيجى لأى صناعة وإنتاج مجتمعى يؤكدان تحديد أسباب المشكلة للتعامل معها على مستوى الأفراد و المؤسسات، و برغم تصدى كثير من الكتاب و المفكرين للظواهر السابق ذكرها، فإن معظم ما تم طرحه فى ذلك السياق تم بصورة جزئية ولم يتعامل مع المشهد بكامل أبعاده ليظل السؤال : هل ما يشهده المجتمع المصرى هو مجرد حالة سيولة طبيعة تتكرر عقب أى ثورة فى العالم أم أن الامر له أبعاد أكبر و أعمق لابد من إدراكها للتعامل مع هذه الظواهر بفاعلية للتخلص منها كى يستعيد المجتمع توازنه ويستجمع قواه لتحقيق ما ثار مطالبا بتحقيقه؟! ومن خلال التحليل الثقافى يرصد المفكر السيد يسين أبعاد المشهد بالكامل من خلال رد الظواهر و التداعيات لأصولها والبحث والتعرف على جذور المشكلة عبر استخدام المؤشرات الثقافية والاجتماعية،ليرسم خريطة معرفية للمجتمع المصرى توضح أبعاد الأزمة التى يواجهها على الصعيد السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى قبل 25 يناير، مرورا ب30 يونيو وحتى اللحظة الراهنة. ففى دراسته القيمة «التحليل الثقافى للمجتمع نحو سياسة ثقافية جماهيرية» يواصل السيد يسين منهجه التحليلى الذى ظهر فى كتابه التحليل الاجتماعى للأدب (1970) وكتاب الشخصية العربية بين مفهوم الذات وصورة الآخر( 1973)، فيقدم إطارا لتحليل للمجتمع المصرى ثقافيا لتحديد مشكلاته وأسبابها وأنسب الطرق لمواجهتها. فى بداية دراسته، التى يصدرها بتلخيص مهم لأهم النظريات التى بلورت منهج التحليل الثقافي، يفسر المفكر والباحث الدءوب السيد يسين أهمية قراءة البعد الثقافى لأى أزمة لفهم أسبابها وتفسير تداعياتها وتحديد طرق حسمها بصورة نهائية. فيشير إلى أن منهجية التحليل الثقافى تبلورت فى العقود الأخيرة لمواجهة تحدى فرضته علاقات مركبة وأشكال من القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية لا يمكن مجابهة تداعياتها أو تفسيرها إلا فى سياق رؤية إنسانية أكثر شمولية تجسدها الثقافة. ويستطرد الباحث موضحا فيقول «الدعوة الأمريكية لنظام عالمى جديد لا يمكن فى تقديرنا-فهم دواعيها وأهدافها بغير تحليل ثقافي» ويستشهد فى موضع آخر على أهمية التحليل الثقافى بعلاقة الكثير من المشاكل الدولية المعاصرة بالأبعاد الثقافية مثل ما يتردد عن انهيار الحضارة الغربية وتقلص هيمنتها الثقافية على العالم وتداول مفهوم صراع الحضارات ومشكلة تحديد توجهات الدول الجديدة التى ظهرت عقب تفكك الاتحاد السوفيتى ووصف مجلتى اسبرى وكراسات الشرق لحرب الخليج بانها الحرب الثقافية الأولى فى العصر الحديث. ويشير الباحث لضرورة أن يكون منهج التحليل الثقافى الذى نتبناه فى العالم الثالث والوطن العربى بوجه خاص نابعا وممثلا للبيئة ولأوضاعها الثقافية والاقتصادية والسياسية ذلك أن أى فكرة أو نظرية تتأثر فى نشأتها وممارساتها بالتاريخ الاجتماعى وبالمرحلة التاريخية التى تبلورت خلالها. وبالتالى فإنه حتى فى سياق القيم الحاكمة لأى مفهوم يختلف التطبيق من قطر لأخر طبقا للتاريخ الاجتماعى والثقافة السياسية والطبقات الاجتماعية واتجاهات النخبة السياسية. فالديمقراطية الانجليزية على سبيل المثال تختلف عن الفرنسية التى تختلف بدورها عن الديمقراطية الأمريكية. ويستند الباحث إلى نتائج استطلاعات الرأى العام فى مصر مشيرا إلى أنها البداية لوضع إطار نظرى للتحليل الثقافى للمجتمع المصري. ويرى السيد يسين أن المؤشرات الكمية التى تكشفها هذه الاستطلاعات تؤكد أن المجتمع المصرى يمر بأزمة ظهرت تداعياتها بوضوح منذ عام 2011. وعن أسباب الأزمات وتحديد إذا ما كانت نتاجا للتحول أم إفرازا طبيعيا لأزمة الجمود وعن المزيد من التحليل الثقافى لأزمات المجتمع المصرى وكيفية إدارتها ثقافيا نواصل الحديث فى الأسبوع القادم بمشيئة الرحمن.. تصويب: حدث خطأ مطبعى الأسبوع الماضى، وتصحيح الحديث الشريف «اعقلها وتوكل». http://[email protected]