مما لا يدعو إلى الاطمئنان هذه الاستجابة السريعة لنداء الرئيس السيسى بتجديد الخطاب الدينى، بل القيام بثورة دينية، من وزارة الأوقاف ودار الإفتاء والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ذلك لأن بعض رموز هذه الهيئات كانوا تصدوا بشراسة، قبل أسابيع قليلة، لما هو أقل جدا من نداء الرئيس، عندما طرح بعض المجتهدين بمنتهى الأدب والكياسة مجرد فكرة مراجعة بعض كتب المقررات الدراسية بالمعاهد الأزهرية، وضربوا أمثلة مُفحِمة لنصوص كارثية يدرسها طلاب الأزهر ينطوى بعضها على تحريض صريح على كراهية الآخر، وعلى استخدام العنف إلى حدّ القتل دون الحصول على إذن من الوالى! إضافة إلى نصوص أخرى مخيفة تخصّ علاقات المسلم بغير المسلم! فما الذى جدّ وجعل بعض القادة الأزهريين يغيرون موقفهم بشكل جَعَلَهم متناقضين مع أنفسهم، سوى أن الدعوة جاءت هذه المرة من رئيس الجمهورية؟ وهل هذا يطمئن الرأى العام إلى صدق وجدية الاستجابة؟ وهناك تخوف آخر، لأن الأمر عاجل جداً ويلزمه حلول فورية لمواجهة الأخطار الحقيقية الراهنة التى تهدد حياة الناس وأمنهم يومياً، فى حين أن استجابة الأزهر لن تُجدى فيما هو آنى حتى إذا كانت صادقة ومخلصة وجادة، وإذا كان لها أن تنجح فلن يكون لها أثر إلا فى المستقبل الذى قد يطول، عندما تثمر البرامج التى لم تُوضع بعد فى تطوير التعليم وفى تأهيل المدرسين وفى وضع خطاب دينى مستنير وإقناع الوعاظ به وتدريبهم عليه، بعد النجاح فى فرض السيطرة على المساجد التى هى حتى الآن مرتع لجماعات هى من أهم الأسباب التى أدت إلى ما نعانى منه ونسعى لإيجاد مخرج من رماله المتحركة! وللحقيقة، فإن مسئولية إنجاح ثورة دينية هى مسئولية المجتمع كاملاً، وليس المؤسسات الدينية فقط، ذلك أن إعمال القانون يخرج عن صلاحيات هذه المؤسسات ويدخل فى مهام أجهزة أخرى، كما أن هناك إصلاحاً تشريعياً مطلوباً، وهذا أيضاً ليس فى حدود المؤسسات الدينية. ومن أهم شروط النجاح، فى إنجاز نداء الرئيس، أن نعترف بتعقيد الواقع إلى حد كبير، ومن عناصر التعقيد الكثيرة أن الهيئات المعنية بأمور المساجد والدعوة، وقبلهما مهام التدريس الدينى، تضم أجنحة غير متجانسة لا تجتمع على رأى واحد، بل من المهم الاعتراف بأن هناك خلافات حقيقية فيما بينها، وهو واقع لا يجوز معه ترديد مقولة إن الأزهر كتلة واحدة وأنها تعبير عن الفكر الوسطى. فلقد أثبتت التجارب العملية، خاصة بعد النجاح الشعبى فى الإطاحة بحكم الإخوان، أن هناك طوابير فى صفوف طلاب الأزهر وأساتذته من العضوية النشطة فى صفوف الإخوان والجماعات الأكثر تطرفاً، حتى إنهم عند الاختيار انحازوا مباشرة ودون تردد إلى تنظيماتهم وأشهروا عداءً صريحاً ضد الأزهر، إلى حد أن أفعالهم وأقوالهم جاءت على أعلى درجة من التطاول والبذاءة والتبجح ربما بما لم تتعرض له قيادات الأزهر عبر تاريخه الألفى! أضِف إلى ذلك أن التطرف الدينى ليس مقصوراً على الفئات التى تتعاطى العمل السياسى، مثل الإخوان وحلفائهم، ولكن هناك من قد يكونون أكثر تطرفاً وليس لهم نشاط أو حتى اهتمام بالسياسة، بل منهم بعض خصوم الإخوان. وهؤلاء بعيدون عن مواطن الشبهات السارية هذه الأيام مما يجعلهم أكثر خطورة! من هؤلاء أستاذة بالأزهر قالت على التليفزيون إن سبى داعش لنساء غير المسلمين وبيعهن فى سوق النخاسة صحيح من الناحية الفقهية، وله أسانيد من التاريخ، بهدف إذلال الأعداء لأن النساء هن شرف أى مجتمع فإذا تعرضن للمهانة فقد أصبنا الأعداء فى عزيز لديهم! وكل هذا يتطلب الهدوء والتروى والخوض بلا حساسية فى مناقشة أمر الوضع الخاص الذى منحه الدستور للأزهر بجعله المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية (المادة 7) وهى عبارة تقبل التوسع فى مجالات نفوذ الأزهر خاصة مع الأخذ فى الاعتبار إقرار الدستور (المادة 2) أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع. وهناك تهديد حقيقى تتجلى نُذُرُه أن تسقط هذه السلطات الهائلة، فى غضون سنوات قليلة، فى حجر فصيل متطرف كامن فى الأزهر، وهى على كل حال ستئول إلى الجيل التالى، الذى يدرس أعضاؤه حالياً فى الأزهر، والذى نرى مواقفه الآن فى تظاهراته التى تتطاول على الجميع خاصة قيادة الأزهر، وتطالب بعودة مرسى إلى الكرسى، فى وقت يعجز فيه الآخرون عن ردعهم. وقد يكون من واجب من أبدوا حماسهم لنداء الرئيس من أجل ثورة دينية أن ينتبهوا إلى مخاطر إبقاء تشريعات من الوارد بشدة أن تعزز من قدرات المتطرفين فى المستقبل القريب، وأن يبادر هؤلاء المتحمسون بالمطالبة بتغييرها لضمان حماية المجتمع من خطر توفير أرضية للمتطرفين، خاصة أن دستور 2014 خضع لهم أيضاً بإخلاء المشهد ممن يدين بغير دينهم ومذهبهم، على حساب مبدأ المساواة بين عموم المواطنين فى عدة بنود منها ممارسة الشعائر وبناء دور العبادة! وللإنصاف، ووضعاً فى الاعتبار كلام الرئيس السيسى أن الدولة لن تتأخر فى مساندة جهود رجال الأزهر فى مهمة التجديد، فإنه ينبغى الإقرار أن بعض أجهزة الدولة قد خذلت الفئة المستنيرة فى الأزهر التى أفلحت بصعوبة، وتحت حرب ابتزاز من زملائهم، فى استصدار بعض القرارات المطلوبة جماهيرياً خلال الأعوام الماضية، وقد تقاعست أجهزة الدولة عن التنفيذ، فى مثل قرارات توحيد الأذان، ومنع استخدام الميكرفون ليلاً أو فى غير الأذان، وحظر صعود المنابر إلا ممن يُرَخص لهم بهذا. وما كان يُتوقَع أن يتولى رجال الأوقاف الإشراف على تنفيذ كل هذه القرارات وإنما جهات أخرى فى الدولة، ولكن لم يتول أحد هذه المهام وصارت القرارات مجرد أرقام فى سجلات الأوقاف دون تفعيل! مواجهة التطرف أكبر من أن يتصدى لها فصيل واحد، وهى معركة حقيقية ينبغى أن تتسم بالشجاعة، بما لا يقل عن المواجهة التى تقوم بها القوات المسلحة فى سيناء، وعلى كل جهاز وإدارة فى الدولة أن تقوم بمسئوليتها فى إطار التمسك بالقانون. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب