تبدأ واشنطن العام الجديد وأمامها العديد من التحديات الخارجية أو الأزمات الدولية، التى عليها أن تتعامل معها بشكل أو بآخر. خاصة أن الإدارة خلال العام المنصرم بمواقفها "غير الحاسمة" أو "المتخبطة" حسب وصف المراقبين - تجد نفسها الآن فى موقف لا تحسد عليه، فالتحديات تزايدت والأزمات تفاقمت. ولا تبدو واشنطن فى الوقت الحالى أنها القادرة على "إيجاد حل سريع لها" أو التوصل إلى "مخرج آمن منها" . كما أن واشنطن ليست راغبة بشكل عام في"التورط فى أى عمل أو تدخل عسكرى" وبالتالى غالبا ما قد يقتصر دورها على "احتواء الأزمة قبل استفحالها". وفى هذا الدور المحدد والمحدود أيضا، كما ظهر جليا خلال العام الماضى فإن الإدارة "مترددة ومتخاذلة" والكونجرس من جانبه "مشكك ومعطل". والنتيجة كانت أن واشنطن بشكل عام أخذت تتفادى المواجهات وتتكلم عن المواقف أكثر من أن تتبناها، وتعمل بها أو أن تتعامل على أساسها مع الملفات الدولية. وقد شهدت العاصمة الأمريكية أخيرا نقاشات حول "حصاد العام المنصرم" من سياسات ومواقف وتقديرات لمخاطر وتصورات لأزمات وكيفية التعامل معها. وأيضا حول المحتمل والمنتظر والمتوقع حدوثه أو تفجره خلال السنة المقبلة. ويمكن الاستنتاج منها أن ملفات "داعش" بجميع تداعياتها الأمنية والسياسية والجغرافية كانت وستظل "الهاجس الأكبر" الذى يشغل بال صانع القرار الأمريكى. وبناء عليه سيتحدد الموقف الأمريكى تجاه تداعيات وعواقب تنظيم "داعش" وانتشاره وبسط نفوذه فى كل من العراقوسوريا. وقد تم التأكيد خلال المناقشات أن التعامل العسكرى والأمنى مع "داعش" له الأولوية ولكن ليس الحل الوحيد. كما تم الإشارة إلى أدوار إقليمية يجب أن تقوم بها دور الجوار ودول أصحاب المصلحة فى المنطقة من أجل "الحد من تغول داعش". واشنطن ترى كما تقول أن مواجهتها ل"داعش" مسألة سنوات، وأن الحل العسكرى فقط مثل القصف الجوى لم يعد كافيا. وأن العراق هى "ساحة المواجهة" الأولى . إلا أن العراق أولا لا يعنى أبدا أنه العراق فقط، بل سوريا أيضا. التقارب أو التودد الأمريكى لإيران وبرنامجها النووى بالتأكيد سيواجه تحديات عديدة فى السنة الجديدة، ولا أحد يمكنه التكهن ما سيكون مصير هذه الدبلوماسية الأمريكية، وأيضا مصير البرنامج النووى الإيرانى. كما أن المواجهة الدبلوماسية والاقتصادية مع روسيا، التى اشتدت حدة خلال العام المنصرم ستحتل حيزا كبيرا من اهتمامات وهموم الرئيس الأمريكى. ويمكن القول مع نهاية عام 2014 إن الحديث عما كان يسمى ب"الربيع العربى" لم يعد هو الأمر المثار أو الشأن المثير إلا فى إطار "ما مضى" ولماذا فشلت الثورات العربية. فأزمات المنطقة واحتمالات اشتعالها أكثر فأكثر صارت موضع الاهتمام والنقاش والجدل. وما تردد أيضا بخصوص تعامل واشنطن مع أمن المنطقة شدد على أن العلاقات الاستراتيجية الخاصة بالحفاظ على استقرار الدول الحليفة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأيضا احتواء مخاطر الإرهاب و"الميليشيات المسلحة" واحتمالات انتشارها وبسط نفوذها لأمر حيوى. مثلما هو الأمر فى حالة ليبيا، والتى دفعت واشنطن إلى التعاون الأمنى والعسكرى والاستخباراتى مع الجزائر والمغرب من جهة، ومصر من جهة أخرى لاحتواء الموقف ومنع مرور الأفراد والأسلحة من وإلى ليبيا. أما بالنسبة للدور الأمريكى أو الانخراط الأمريكى فيما سمى لسنوات طويلة ب"عملية السلام" بين إسرائيل والفلسطينيين فهو "معلق" فى الوقت الحالى أو "متوقف لحين إشعار آخر". وهذا الإشعار (كما هو واضح ) لن يأتى إلا بعد الانتخابات الإسرائيلية المزمع عقدها فى شهر مارس المقبل. ولكن ما سوف تفعله واشنطن من الآن حتى إجراء الانتخابات لهو أمر يثير التكهنات ويطرح التساؤلات. وحسب استطلاع للآراء أجراه مركز الفعل الوقائى التابع لمجلس العلاقات الخارجية فى نيويورك، عن "أخطار أو مخاطر عام 2015" وذلك من خلال آراء 2200 من مسئولى الشئون الخارجية والأكاديميين والخبراء فإن قائمة المخاطر التى قد تشتعل أو تنفجر تشمل التالى: - ازدياد حدة الأزمة فى العراق بسبب تزايد مساحة الأراضى التى تنتشر فيها قوات "داعش"، والعمليات العسكرية التى تقوم بها القوات العراقية، بالإضافة إلى العنف الطائفى القائم بين السنة والشيعة. - هجوم ضخم الخسائر تتعرض له الولاياتالمتحدة أو دولة حليفة لها. وأيضا هجوم سايبيرى (إلكترونى) مدمر يستهدف مواقع حساسة بالبنية الأساسية الأمريكية. - أزمة حادة بكوريا الشمالية بسبب تحريض عسكرى، أو اضطراب سياسى داخلى، أو تهديد مرتبط بتحركات أسلحة نووية أو صواريخ بالستية بها. - تهديد متجدد من جانب إسرائيل بعمل عسكرى ضد إيران فى حالة فشل المفاوضات النووية، أو وجود أدلة واضحة على نية طهران لامتلاك قدرات صنع قنبلة نووية. - مواجهة عسكرية فى بحر جنوبالصين بين الصين ودولة واحدة، أو أكثر من دولة بجنوب شرق آسيا ومتنازعة حول الحدود البحرية. - تفاقم الأوضاع فى الحرب الأهلية الدائرة فى سوريا. وتزايد العنف وعدم الاستقرار فى أفغانستان. وأيضا تصاعد المواجهة فى شرق أوكرانيا وبالطبع اشتعال الموقف المتوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولا شك أن المراقبين المتابعين ل"اتجاه الريح" فى "الأجواء السياسية"، يرون أن المواقف والمصادمات السياسية التى قد تحدث خلال الأسابيع القليلة المقبلة بين الرئيس وإدارته من جهة، والكونجرس بأغلبيته الجمهورية من جهة أخرى، سوف تشكل ملامح المرحلة النهائية لولاية أوباما. كما أنها سوف تحدد بوادر الصراع الانتخابى الرئاسى الذى ستبدأ تعيشه البلاد، بدءا من الربع الأخير من العام الجديد. ومن المقرر أن يلقى الرئيس أوباما خطاب "حالة الاتحاد" أمام الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب مساء يوم 20 يناير الحالى. وفيه سيتحدث الرئيس الأمريكى عما تم إنجازه فى السنة الماضية، وأيضا عما ينوى فعله فى السنة الحالية.