جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للصين لتؤكد ان مصر تعرف ما تريد وان القيادة تسير وفق إستراتيجية مخطط لها، هدفها الخارجى هو الانفتاح على الشرق والغرب، والداخلى هو النهوض بالبلد وتحقيق طفرة تنموية فى جميع المجالات . وبنظرة واقعية لنتائج الزيارة يؤكد الخبراء أن البلدين سوف يستفيدان من الشراكة الإستراتيجية ، فالصين تعلم حجم مصر وتأثيرها فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وانها «البوابة» التى يمكن ان تعبر من خلالها . أما نحن فهدفنا الاستفادة من التجربة الصينية الناجحة بالتأكيد والتى يمكن ان نسير على خطاها بدعم من استثماراتهم سواء حكومية أو خاصة، والاستفادة من العدد الكبير للسياح الصينيين فى مضاعفة السياحة الوافدة الى مصر . لكن لكى يتحقق هذا لابد ان نتعلم أولا من المواطن الصينى فلسفته فى العمل واحترامه لكل دقيقة فيه وهذا هو ما جعل الصين ذلك «المارد القادم بقوة» . فهل نستطيع أن نتحدى أنفسنا بالعمل الدءوب مثلما فعل الصينيون ؟ وهل ستحقق نتائج زيارات الرئيس الخارجية فى الشرق والغرب التنمية الاقتصادية المنشودة خلال الفترة القادمة ؟ ولعل ماأثمرت عنه هذه الزيارة من نتائج تمثلت في توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي بين البلدين ومع شركات صينية يؤكد نجاح الزيارة فكما قال الرئيس السيسي فإن الاتفاقيات تمثل خطوة على طريق التعاون الاستراتيجي الشامل بين مصر والصين مما يتطلب من المصريين جهدا ضخما وعملا دءوبا لإنجاح هذه الخطوة وأن تليها خطوات أخري، والجانب الصيني مستعد تماما للتعاون معنا في تنفيذ المشروعات الكبري وأيضا بمشاركة أشقاء عرب ، كما أن الشركات الصينية مرحب بها للعمل في مصر في مناخ استثماري جيد وإجراءات سريعة بعيدة عن البيروقراطية والفساد والمحاباة، وإن كل الشركات التي تريد التعاون للبناء والتنمية في مصر ستجد لدينا مناخا جيدا بإرادة الشعب المصري للعمل والتقدم الذي يليق بمصر. رسالة للعالم وفي استطلاع لآراء وتقييم نخبة من الخبراء والمحللين ، نبدأها بالخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده ( رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية ) الذي يقول : أهم ما فى نتائج زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للصين انها تبعث رسالة للعالم مضمونها انه بعد ثورة 30 يونيو لم تنحصر اهتمامات مصر على دولة واحدة بل اننا ننفتح على الجميع شرقا وغربا ، والدليل زيارة الرئيس لايطاليا وفرنسا واتجاهه شرقا قبلها الى روسيا والآن الصين . ولاشك ان أصعب ما فى الاقتصاد هو تعظيم المكاسب من خلال جذب الاستثمارات وتوفير احتياجاتنا من المواد الخام بتكلفة منخفضة وعمل مشروعات بالتعاون مع دول ذات ثقل مثل الصين والتى تصنف على انها من الاسواق المتنامية، وفى ذلك ميزة لانها ترانا مثلها ولا تفكر فى استغلالنا . وتحرص الصين على عقد شراكة سنوية مع افريقيا وتقديم منح لكسب هذه الدول ، وهناك مؤشرات تقول انها دولة مهمة وذلك بناء على أرقام فهى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بعد الولاياتالمتحدةالامريكية ، ففى عام 2011 نجحت الصين فى ازاحة اليابان لتصبح ثانى اقوى اقتصاد وثانى اكبر ناتج محلى تعدى 10 تريليون دولار العام الماضى ( التريليون ألف مليار ) واليابان 2و8 تريليوات دولار ، و فى العام الحالى أصبحت الصين أكبر دولة مصدرة في العالم واكبر حجم تجارة وهى الشريك التجارى الأول لأكثر من 120 دولة على مستوى العالم . ويواصل الدكتور رشاد عبده رؤيته لنتائج زيارة الصين مضيفا : هناك نفذوا فكرة «الصناديق السيادية» التى تضمن للأجيال القادمة فى الصين حياة مرفهة ورغد العيش ووضعوا فى الصناديق جزءا من الأرباح المحققة لديهم يتم استثمارها فى بلدان العالم وهو مبلغ 5و2 تريليون دولار وهو مبلغ ضخم كما نرى . ولذلك نجد دولة كبرى مثل أمريكا ودول أوروبا تحاول كسب ود الصين للاستثمار لديهم ونحن سنحت لنا الفرصة وهى فرصة واعدة لجذب جزء من استثماراتهم للاستثمار فى مصر. إذن الزيارة حققت جدوى لعدة اعتبارات أنها دولة اقتصادية كبرى ولديها الاستثمارات والخبرات التى يمكن ان تنقلها لنا فهى دولة غنية وعلاقاتنا بها قوية منذ عهد الرئيس عبد الناصر حتى الآن و»طريق الحرير» الذى كان ينقل البضائع الصينية لمصر يتم احياؤه وقد سمى بذلك لان الصين اشتهرت وقتها بالحرير الذى كانت تقوم بتصديره . ولا ننكر ذكاء الرئيس السيسى الذى اجتمع مع الحكومة الصينية والقطاع الخاص ايضا وتمخض ذلك عن توقيع 25 اتفاقية و26 مذكرة تفاهم مع شركات صينية. ومن أهم ما فى نتائج هذه الزيارة ان الصين أكدت أنها كانت ولا تزال حريصة على مصر وتريد مساعدتها منذ 30 يونيو والدليل انها كانت الممول الرئيسى لسد النهضة وسحبت التمويل حتى لا تخسرنا ، ونفس الحرص كان موجودا عندما قررنا عقد المؤتمر الاقتصادى فى 19 فبراير 2015 وطلبوا تأجيله لتزامنه مع أعيادهم لحرصهم على الحضور والمشاركه بقوة ، وقد استجابت مصر بالتشاور مع شركاء التنمية لحرصها على وجود الشركات الصينية ، باختصار مردود الزيارة سيحقق نقلة كبيرة ممثلة فى الخبرات والاستثمارات الصينية مزايا عديدة وفتح ابواب السياحة. والكلام ما زال للدكتور رشاد عبده :السياحة الصينية بأرقام كبيرة لو قلنا 1% من عدد سكان الصين يعنى 13 مليون سائح مثلا نصيب مصر منهم يمكن ان يكون كبيرا وهذا يفسر سبب اجتماع الرئيس بوزير السياحة الصينى وبكبرى شركات السياحة الصينية ودعاهم لتنظيم أفواج سياحية لمصر وطمأنهم لاستقرار الأوضاع وتوافر الأمان ووجه بتنظيم رحلات طيران عارض ( شارتر ) تربط المناطق السياحية المصرية مثل الغردقة وشرم الشيخ والاقصر واسوان بكبرى المدن الصينية . الدور المطلوب فى مصر الآن وضع التشريعات الميسرة للمستثمرين وسرعة إصدار قانون الاستثمار الموحد فى أحسن صورة والقضاء على الفساد والبيروقراطية ولتوفير الأمن من الضرورى وضع كاميرات مراقبة فى الشوارع لتحقيق الانضباط فى هذه المرحلة ، نحن فى مرحلة نكون أو لا نكون نحتاج فيها لتحريك الاقتصاد ودفع عجلة الإنتاج لرفع الاحتياطى النقدى للدولة. العلم هو مفتاح التنمية يؤكد الدكتور هانى الناظر ( الرئيس السابق للمركز القومى للبحوث ) أن النقطة اللافتة للنظر أنه لأول مرة فى زيارة رئيس مصرى للصين ان يلتقى برؤساء جامعات صينية وهذا معناه إيمان الرئيس بأن العلم هو مفتاح النهوض بالدولة المصرية وفى لقائه استمع لهم وفتح آفاق تعاون للاستفادة من خبراتهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية وفتح مجالات تعاون مع المؤسسات العلمية الصينية وعلى المستوى الاقتصادى فالصين مارد كبير ورؤية الرئيس تعتبر أن تحقيق التوازن مع الدول مهم وعدم الاعتماد على طرف وحيد فى العلاقات الدولية فالتوازن يصب فى صالح مصر . وقد عرضت الصين علينا الاستثمار فى محور قناة السويس وفى غيره من المشروعات القومية الكبرى التى أعلن عنها الرئيس مثل الطرق واستصلاح وزراعة أربعة ملايين فدان والمركز اللوجستى للحبوب فى دمياط ومدينة التجارة والتسوق فى خليج السويس ، ودخول الصين بخبراتها واستثماراتها سوف يفيد مصر والصين معا ويوفر لشبابنا فرص عمل ويقضى على البطالة. وسياسيا سوف تساندنا الصين للحصول على مقعد فى مجلس الأمن ونفس المساندة ستكون من روسيا وكلاهما له مقعد دائم فى المجلس ، أيضا دعم مصر عسكريا وحصولنا على السلاح الصينى حتى لا نعتمد على دولة تضغط علينا ، فتنويع مصادر السلاح مهم وضرورى . ويتوقع الدكتور هانى الناظر ان نرى ثمرات هذه الزيارة على المدى القريب على الاقتصاد والابحاث العلمية. زيادة المنح للطلبة ويقول الدكتور محمد على ابراهيم ( عميد معهد النقل الدولى واللوجستيات باكاديمية النقل البحرى ) : توقيع الشراكة الاستراتيجية مع الصين له مردود كبير على الاقتصاد المصرى من عدة جوانب وهذه الزيارة وما سبقها من زيارات لعدد من الدول الأوروبية يجعلنا ننفتح على الجميع شرقا وغربا وان نصبح بوتقه تنصهر فيها خبرات الشرق والغرب مما يجعل لنا فيما بعد خصوصياتنا بعد الاستفادة من كل هذه التجارب الناجحة. عمليا، الصين لها تجربة ناجحة فى النقل البحرى والشراكه معها سوف ينعكس ايجابيا على قطاع النقل المصرى الذى هو بحاجة لتطوير لانه شريان التنمية الرئيسى ، ولا نغفل ان تكلفة النقل عنصر مهم فى تكلفة المنتج ، وهذا يعنى منظومة نقل بجودة عالية وتكلفة اقتصادية معقولة نقل خبراتهم فى النقل البرى والبحرى مهم لنا خاصة أن الموانىء الصينية قطعت شوطا كبيرا والصين متقدمة فى اللوجستيات واستطاعوا بالعمل الجاد ان يتقدموا. وهل المصريون قادرون على ذلك ؟ يجيب الدكتور محمد على : نعم شعبنا قادر على التحدى اذا غيرنا ثقافة العمل التى تعتمد على أن ننظر للاجر ونطالب به ولا نعطى للعمل حقه فى المقابل ، لابد أن تتغير هذه الفلسفة بين القيادات وبين عامة الشعب ولابد ان ننظر للعمل بمنظور جدى ولنا تراث سابق أيام الحروب وفى أوقات الأزمات يظهر معدن المصرى الحقيقى الذى يساند بلده ويصبر ليحقق ما يصبو اليه ، وقد صبرنا فى السابق لكى ننتصر فى المعركة العسكرية وقدمنا التضحيات وجاء الوقت الآن لكى ننتصر فى معركة التنمية وان نجتاز هذه المرحلة بصبر وعمل وأن ننظر للمستقبل ولا نلتفت للماضى والشعب المصرى قادر على التحدى . مصر تربة خصبة للاستثمار الصينى ويرى الدكتور حامد مرسى ( استاذ الاقتصاد بجامعة قناة السويس ) ان الاتجاه شرقا كله فوائد لأن التجربة أثبتت ان الغرب لا يريد لنا خيرا ومعهم سنظل مجرد «ترس فى الآلة الغربية»، والصين وقبلها روسيا لديهما الاستعداد للتعاون معنا والصين بالذات لديها استثمارات ضخمة فى إفريقيا 5 مليارات دولار ومن مصلحتها ان تستثمر فى مصر اذن المصالح متبادلة . والشركات الصينية يمكنها التنقيب عن البترول فى مصر واخرى تستثمر فى الخلايا الشمسية خاصة ان الفرصة سانحة لتوفير طاقة وتصدير الفائض، لدينا منجم شمس فى الصحراء الغربية 300 يوم سطوع فى العام . لدينا رمال بيضاء لتصنيع السليكون وصناعات أخرى عديدة لدينا خامات وينقصنا الخبرات والمال وهما متوافران فى الصين ويمكنها نقل مصانع لمصر للاستفادة من الخامات والأيدى العاملة الرخيصة .