تشهد مدينة دريسدن عاصمة ولاية ساكسونيا الألمانية مظاهرات معادية للأجانب، وللمسلمين تحديدا، تزداد كل أسبوع بشكل بات يؤرق السياسيين والخبراء خوفا من تفاقم الظاهرة لتهدد السلام الاجتماعى فى ألمانيا، وصورتها فى الخارج. المتظاهرون الذين يطلقون على أنفسهم " أوروبيون وطنيون ضد أسلمة أوروبا" يجوبون مساء كل يوم إثنين شوارع المدينة التاريخية مطالبين بوقف استقبال ألمانيا اللاجئين من سوريا وشمال إفريقيا، وترحيل المسلمين الخارجين عن القانون، مرددين شعارات تنم عن قدر كبير من العداء للأجانب بشكل عام وللمسلمين بشكل خاص. وتكمن المشكلة فى أن عدد المتظاهرين المنضمين لهذا التحالف يزداد كل أسبوع فى دريسدن، وتجاوز الخمسة عشر ألف شخص أخيرا، كما أن حركات مشابهة بدأت تتكون فى مدن ألمانية أخرى، فى حين تتقلص أعداد المتظاهرين الذين يتصدون لها ويدعون لألمانيا منفتحة على العالم، ومجتمعا متعدد الثفاقات. وقد دفعت هذه التظاهرات التى بدأت فى أكتوبر الماضى احتجاجا على قرار حكومة الولاية إقامة عدة دور لاستقبال اللاجئين فى إطار سياسة الحكومة الألمانية بتوزيع اللاجئين الذين يتدفقون عليها، خاصة السوريين على الولايات المختلفة العديد من خبراء وعلماء الاجتماع لمحاولة تفسير مشكلة ولاية ساكسونيا التى تقع فى شرق ألمانيا مع الأجانب! إذ أصبح من المؤكد أن هناك عداء ما للأجانب وللمسلمين فى المجتمع هناك، يستغله اليمين المتطرف سواء الناشط فى إطار حزبى أو الجماعات اليمينية مثل حليقى الرءوس، وغيرها فى كسب المزيد من المؤيدين لهم. ويكفى فى هذا الإطار الإشارة فقط لبعض الحوادث التى شهدتها الولاية خلال السنوات الأخيرة، وأبرزها وأبشعها كانت جريمة قتل المصرية المسلمة المحجبة مروة الشربينى عام 2009 فى قاعة محكمة مدينة دريسدن نفسها. قبل جريمة مروة شهدت مدينة موجلن الصغيرة فى شمال ساكسونيا فضيحة بجميع المقاييس عندما طارد النازيون الجدد مجموعة من الهنود فى ساحة المدينة، وكادوا يسحلونهم ويقتلونهم هاتفين شعارات " اطردوا الأجانب"، لولا أن أنقذتهم الشرطة فى آخر لحظة. وخرج عمدة المدينة جوتهارد دويزة يؤكد أنه لا مشكلة مع اليمين المتطرف فى مدينته! الأخطر من ذلك أن الخلية النازية الإرهابية، التى ارتكبت على مدى عشر سنوات جرائم قتل ضد الأتراك فى أنحاء ألمانيا دون أن تتوصل إليها أجهزة الاستخبارات الألمانية بكل ما تملكه من إمكانيات لدرجة ان بعض هذه الأجهزة متهم بالتستر عليها او التواطؤ معها، هذه الخلية التى تم اكتشافها بالمصادفة فى عام 2011، واهتزت لجرائمها ألمانيا بالكامل، اتخذت من مدينة تسفيكاو فى ساكسونيا مخبئا لها! ويتعجب المراقبون الآن من ظاهرة خروج آلاف المواطنين فى دريسدن يحذرون من أسلمة أوروبا فى مدينة لا يعيش فيها عدد يذكر من المسلمين! بل إن نسبتهم لا تزيد على 2 % من سكان الولاية بأكملها! كما يتعجبون من مجموعات النازيين الجدد المسلحين مثل مجموعة "حليقى الرءوس فى ساكسونيا السويسرية"، أو "شتورم 34" والتى تسعى لإقامة مناطق وطنية خالية من الأجانب فى الولاية ! لكل ذلك يؤكد الخبراء من أمثال أوليفر ديكر رئيس مركز بحوث التطرف اليمينى فى جامعة لايبزج أن التظاهرات الأخيرة ضد المسلمين لم تأت من فراغ. صحيح أن هناك يمينيين متطرفين، ونازيين، وأصحاب سوابق يستغلون مخاوف المواطنين على وظائفهم وضيقهم بسبب تراجع المعاشات أو الأجور أو غلاء المعيشة لتوجيه هذا الغضب ضد الأجانب والمسلمين تحديدا الآن فى ظل ما تنقله وسائل الإعلام من جرائم داعش البربرية فى العراق، وظاهرة انضمام الشباب الألمانى المسلم إليها. فضلا عن طوفان المهاجرين المتدفق على أوروبا وألمانيا، وأغلبهم من المسلمين، وخاصة استقبال ألمانيا عددا كبيرا منهم لا تجد أماكن كافية لتأويهم، وتفتقد إستراتيجية طويلة المدى للتعامل معهم وإدماجهم فى المجتمع. ولكن وكما يؤكد ديكر هناك توجه يمينى محافظ يميل إلى التطرف فى مجتمع هذه الولاية ليس موجودا بهذا الشكل فى أى ولاية ألمانية أخرى! وقد ساهم السياسيون أنفسهم فى تغذية ذلك التوجه بتصريحاتهم المعادية للأجانب مثل وزير العدل الأسبق فى ساكسونيا شتيفان هاينمان من الحزب المسيحى الديمقراطى فى التسعينيات بعد الوحدة الألمانية، الذى عبر عن مخاوفه العميقة على المجتمع الألمانى المسيحى الغربى بسبب الأجانب الذين يعيشون عالة على ألمانيا، ويهددون حق الألمان فى الحفاظ على هويتهم! واليوم يطالب وزير داخلية الولاية ماركوس أولبيج باستقدام الأجانب المؤهلين فقط وتخصيص قوات خاصة من الشرطة لملاحقة اللاجئين الذين يخالفون القانون، وكأن هؤلاء هم مصدر الجريمة الأول فى ولايته. ومثل أولبيج يتحمل السياسيون المحافظون الذين يحكمون ساكسونيا منذ سنوات طويلة أيضا مسئولية تفاقم هذه الظاهرة الآن. فبدلا من إدانة رفع شعارات معادية للأجانب فى ولايتهم، كما فعل السياسيون من كل الأحزاب على المستوى الاتحادى، وفى مقدمتهم المستشارة أنجيلا ميركل نفسها، يطالب هؤلاء بتفهم مخاوف المتظاهرين مثل رئيس وزاء الولاية ستانيسلاف تيليش، الذى دعا لحوار معهم بل وسعى لتهدئتهم من خلال تعيين وزير العدل السابق جيرت ماكينروت، وهو يمينى متشدد من الحزب المسيحى الديمقراطى، كمفوض جديد لشئون الأجانب فى الولاية ومعروف عنه توجهه لاستخدام القوة والعنف ضد المتطرفين والجهاديين الإسلاميين. إذن يتطلب الأمر لمواجهة ظاهرة ساكسونيا هذه تغييرا فوريا لتوجهات وسياسات الحزب المسيحى الحاكم فيها، إلى جانب حملة توعية شاملة من مخاطر التطرف اليمينى الذى تغلغل فى المجتمع الألمانى فى ساكسونيا، وتحذر منه بشدة وزيرة الأسرة الألمانية مانويلا شفيزيج، التى خصصت بالفعل مبالغ إضافية لبرنامج مكافحة التطرف اليمينى الذى ترعاه وزارتها.