أكثر من 20 عاما مضت على عقد أولى قمم المناخ الدولية فى العاصمة البرازيلية ريو دى جانيرو تحت مسمى قمة الأرض ، وذلك عندما تنبه العالم مبكرا إلى التغيرات التى تطرأ على مناخ كوكبنا وتأثيرها الكارثى علينا فى المستقبل. لكن يبدو أن المؤتمرات التقليدية السنوية التى تعقد منذ ذلك الحين فى عاصمة تلو الأخرى، لم تعد تتجاوز كونها إجراء روتينيا يحرص خلاله زعماء الدول فقط على الحضور من أجل إلقاء الخطب الرنانة، ثم يعود كل منهم إلى أدراجه مرة أخرى، ليبقى الوضع كما هو عليه، بل ربما أكثر سوءا. ففى أحدث التقارير حول حالة المناخ فى العالم، كشف الباحثون عن أن انبعاثات الكربون، التى تعد المسئول الأول عن ظاهرة الاحتباس الحرارى على كوكبنا وارتفاع درجة حرارته حتى بات عام 2014 الأكثر سخونة منذ 135 عاما، قفزت بنسبة60٪ منذ عام1992، كما بات الغطاء الجليدى فى القطبين الشمالى والجنوبى أكثر تهديدا من ذى قبل، حيث انخفض بنسبة تصل إلى 5 تريليونات طن، ليرتفع مستوى البحر لثلاث بوصات إضافية، مما يعنى أن سيناريو غرق كوكب الأرض أصبح أكثر اقترابا. التقرير لا يقف عند هذا الحد, بل يشير إلى تضاعف الكوارث الطبيعية بشكل مخيف خلال ال20 عاما الماضية إلى الحد الذى باتت فيه هذه المعلومات الواردة فيه خبرا يوميا تقليديا على صفحات الجرائد. فمنذ عام 1992، شهد العالم نحو 7 آلاف كارثة طبيعية تسببت فى مقتل 600 ألف شخص حول العالم وخسائر مادية بقيمة 1٫6 تريليون دولار. بالتأكيد هذا العدد الضخم من الكوارث ما بين فيضانات وأعاصير وزلازل لم يكن من صنع الإنسان وبفعل تغير المناخ، لكن الأرقام تشير إلى حدوث طفرة خطيرة من نسبة لا تتجاوز 147 كارثة طبيعية سنويا فى الفترة ما بين 1983 حتى 1992 إلى 306 كوارث سنويا خلال السنوات العشر الأخيرة، مما يعنى وجود مسببات بشرية أو صناعية أخرى. حتى الاستثمار المناخى - أو الإنفاق على قضايا المناخ وبرامجه - تراجع العام الماضى للمرة الثانية على التوالى بنسبة 14٪ - أى قرابة 31 مليار دولار - كما انخفض حجم استثمارات الدول المتقدمة فى مشروعات المناخ والتكيف مع تغيره بالدول النامية فى 2013 بقيمة 8 مليارات من الدولارات عن 2012، فأصبح الحجم الأكبر من الإنفاق موجها للاستثمار المناخى فى بلد المنشأ، وسط تفضيلات المستثمرين للبيئات التى يرونها أكثر ألفة بالنسبة إليهم وأقل خطرا. لكن الدول الأكثر تضررا من تغير المناخ هى الدول النامية، فالفلبين على سبيل المثال تصدرت قائمة الدول الأكثر تضررا وفقا لمؤشر خطر التغير المناخى لعام 2013، وما زالت تتصدر القائمة ذاتها خلال العام المقبل 2015، تليها كمبوديا، فالهند. كما أن صندوق المناخ الأخضر،المعنى بتمويل مشروعات المناخ والحد من آثاره، الذى كان يعد بارقة أمل، لم يتجاوز إجمالى رأسماله حتى الآن العشرة مليارات من الدولارات، بينما يسعى المسئولون عنه للوصول إلى 100 مليار دولار سنويا حتى 2020. كل هذا ربما لا يحرك ساكنا لدى دول العالم، بدليل استمرار ذلك الأداء الهزيل الذى وضح فى قمة المناخ الأخيرة التى عقدت فى ليما مطلع ديسمبر 2014 بمشاركة 190 دولة، حيث خرجت القمة بقرارات ضعيفة مخيبة للآمال، بعد أكثر من أسبوعين من التفاوض، وهى لا تتجاوز كونها مجموعة من النيات المستقبلية التى لا تكفى للحيلولة دون انصهار الكوكب وتصحر أراضيه. فالدول الغنية مازالت لا ترغب فى تحمل مسئولياتها والقضاء على الانبعاثات الغازية، بل تطالب غيرها النامية بضرورة القيام بدور أكبر فى هذا المجال، رغم علمها بضعف إمكانياتها، وبعدم مسئوليتها عن الجزء الأكبر من الظاهرة. ليبقى الوضع كما هو عليه ويستمر كوكبنا فى دفع الثمن.