أمس الأول توفيت الحالة التاسعة بأنفلونزا الطيور , الأمر الذى يشكل خطورة واضحة تستحق التوقف حول هذا الملف، وكيفية مواجهته بشكل حاسم منذ البداية، وسيناريوهات التعامل مع المزارع غير المرخصة فى محافظات مصر، و أيضا التعامل بين المواطنين لمواجهة هذا الوباء. الدكتور عادل عبد العظيم أستاذ الوبائيات والأمراض المعدية بكلية الطب البيطرى جامعة القاهرة يوضح فى البداية أن أنفلونزا الطيور بAH5N1 ا مرض وافد دخل مصر فى يناير 2006، واتخذت الإجراءات التى تخلصها منه إلا أن المرض توطن فيها , وذلك يرجع إلى عدم الاستقصاء الوبائى المبكر لمعرفة أولى البؤر التى ظهر فيها هذا الوباء لاحتوائها ووقاية البلاد من انتشاره فى جميع محافظات مصر ، وللأسف تم اتخاذ إجراءات الوقاية باستعمال اللقاحات الخاصة بأنفلونزا الطيور، مع العلم أن هذه اللقاحات لا تستأصل مرضا ولا تمنع العدوي، لكنها تقلل فقط الخسائر الاقتصادية. وبالتالى فالوضع الراهن فى مصر والثقافة المنتشرة بالريف المصرى لا يمكن أن تغير من الوضع شيئا، فالتربية المنزلية للدواجن، وخلط الدجاج مع البط والطيور الداجنة الأخرى موجود وهذا موطن الخطر، حيث إن البط يأخذ المرض ولا تظهر عليه أعراض، وغالبا ما يخرج من المنازل إلى الترع والمستنقعات مما يزيد من انتشار المرض . ويشير أستاذ الوبائيات إلى أن إصابة الإنسان جاءت أصلا من مخالطة الآدميين للطيور المريضة، وانتشار ثقافة ذبح هذه الطيور المصابة بالمرض، وإلقائها بعد ذبحها أمام المنازل والتفاف الأطفال حولها مما يؤدى إلى استنشاقهم إفرازات هذه الدواجن، والغالبية منهم يأخذون العدوى بهذه الطريقة، وأيضا ما يشكل خطورة هو عدم الوعى الصحى بخطورة هذا المرض، حيث انه ينتقل إلى الانسان من الاختلاط المباشر بالطيور المريضة، لكنه لا ينتقل من انسان الى انسان إلا نادرا. ومن هنا كما يستكمل الدكتور عادل عبد العظيم أن الموضوع يكمن فى كيفية السيطرة الكاملة على المرض بالطيور ، إلا انه حتى الآن لم يتم هذا، والسبب فى ذلك انه لا يوجد حصر فعلى عن التربية المنزلية، ولا عن المفرخات البلدية حتى يمكن التحصين فى الوقت المناسب، ثم عمل الاستقصاء الوبائى والتخلص من الطيور المصابة وتعويض أصحابها، ولا بديل عن ذلك، وأيضا ضرورة مراقبة الطيور المهاجرة والتأكد من عدم حملها لمثل هذه الفيروسات. ويؤكد أن ذلك ليس مسئولية الطب البيطرى وحده، لكنها مسئولية جماعية بين وزارات الزراعة والبيئة والدفاع والداخلية والمجتمع المدني، حيث إن هناك خريطة لخط سير الطيور المهاجرة إلى مصر ذهابا و إيابا، كذلك لابد من معرفة الحالة الصحية لهذه الطيور ، وأخذ عينات منها لمعرفة احتوائها على الفيروس من عدمه. ويضرب مثلا بالكثير من الدول التى تخلصت من هذا الوباء باحتوائها البؤر عند ظهورها، وتعويض أصحابها كما حدث فى أوروبا و المملكة العربية السعودية وبعض البلدان الأخرى بالخليج، مؤكدا أن أكثر الدول التى تضررت من ذلك الوباء هى مصر وفيتنام واندونيسيا والهند وباكستان، كذلك أعلى نسبة وفيات فى البشر من المصابين كانت فى فيتنام ثم مصر . ويطالب هنا أستاذ الأمراض المعدية بضرورة التوعية الصحية للمواطنين بالتفاعل المباشر معهم وليس من خلال الإذاعة والتليفزيون والمنشورات، حيث إن الأمية، كما نعلم لاتزال منتشرة فى الريف المصري، فلابد من رفع الثقافة الصحية والبيطرية بين المواطنين عن طريق الإرشاد المباشر والتفاعل مع المجتمع من خلال زائرات الصحة، والدايات وحتى بحلاقين الصحة» بالقري، وذلك لكى يمكن الارتقاء بالمستوى والوعى الصحى بين هؤلاء المواطنين، مطالبا أيضا بضرورة إنشاء صندوق اجتماعى لتعويض المزارعين عما يفقدونه من طيور حين تطبيق استئصال المرض . ويشدد الدكتور عادل على أهمية تطبيق الأمن الحيوى إجباريا بمعنى عدم دخول المرض إلى المزارع أو الخروج منها، وذلك يتم على جميع مزارع الدواجن المرخص منها وغير المرخص، والذى لا يطبق هذا تغلق مزرعته تماما حتى لا تكون بؤرة لانتشار المرض . ويشير هنا إلى نقطة هامة وهى انه يجب عند إنشاء مزرعة أن تأخذ ترخيصا من وزارة الزراعة قسم الإنتاج الحيوانى و الهيئة العامة للخدمات البيطرية لتكون مستكملة الأسس العلمية والصحية لإنشاء مثل هذه المزارع . وهذه الأسس تشمل موقع المزرعة ومدى بعدها عن المساكن، والطرق الزراعية والطرق السريعة، وأيضا السور المقام حولها وارتفاعه وبوابة الدخول إلى المزرعة، والتطهير اللازم لدخول أى عربة أو أفراد، مع وجود مكان لخلع ملابس العمال عند الدخول وارتداء الملابس الخاصة بالمزرعة و كذلك عند الخروج. أيضا لابد أن تشمل المزرعة مكانا لحرق الجثث النافقة والتخلص الآمن منها، واستعمال المطهرات التى لا تلوث البيئة، فضلا عن الالتزام بالبرنامج الخاص بالتحصين الوقائى للأمراض، ووجود شهادات صحية للعاملين بالمزارع، وإحكام الرقابة على خروج الدواجن الحية إلى المجازر الآلية، ومنع تسويق الدواجن الحية كما هو موجود الآن، ويقتصر فقط على الدواجن المذبوحة بالمجازر الالية وعرضها بالثلاجات، وذلك لعدم انتشار اى مرض بين الدواجن، كذلك عدم انتشاره بين الآدميين القابلين للعدوى من الامراض التى تصيب الدواجن . ويؤكد حتمية تطوير التربية المنزلية لتتوافق مع الشروط الصحية، كما هو الحال فى البلاد الاوروبية مثل انجلترا، حيث تتم التربية هناك فى المنازل أيضا، ولكن بطريقة سليمة مطابقة للمواصفات الصحية .