مع ما يتعرض له القطاع الزراعي من تهميش بتعمد أو بجهالة مع التعدي علي التربة الزراعية وتفتيت ملكيتها أجدني مهموما تماما بمستقبل الأمن الغذائي في مصر الذي يبدو شديد الخطورة. تعداد السكان في مصر سيصل إلي128 مليون نسمة في عام2050 وإلي نحو105 ملايين نسمة في2030 طبقا لتقديرات أدق مواقع متابعة النمو السكاني في العالمGeo-hive. ومن واقع دراساتنا ومؤلفاتنا لواقع الفجوة الغذائية المصرية التي تتجاوز55%, وبنسب70% للقمح والفول, و99% للعدس, و88% لزيوت الطعام, و32% للسكر, و50% للذرة واللحوم والأسماك والزبدة والألبان, ونكاد لا نحقق الإكتفاء الذاتي إلا في الخضراوات والفاكهة والأرز مع رصد خلل في زراعات القطن بين ما تحتاجه قلاعنا النسيجية وبين ما نزرعة من أصناف تصديرية لا يصلح لمصانعنا وبفرض انه لن تحدث تغيرات جوهرية في مستويات الدخول خلال الثمانية عشر عاما القادمة تؤثر علي نمط ومعدل استهلاك الغذاء في مصر أو حدوث نهضة زراعية مؤثرة لاستنباط وزراعة الأصناف عالية الإنتاجية من مختلف تقاوي الحاصلات الاستراتيجية أو حل أزمة الأسمدة والمبيدات بشكل تام وفي ظل مايلاقيه هذا القطاع الحيوي من سوء تخطيط للمستقبل. ومن واقع الأمن الغذائي المصري, أجدني مضطرا للتحذير من مستقبل صعب للأمن الغذائي فمن تقديراتنا العلمية لاحتياجات المواطن سنويا من العدس بمعدل1 كجم ومن المؤسف أننا لا نستطيع توفير هذا القدر الضئيل منه للمواطن ولنحو6 كجم من الفول, و48 كجم من الأرز, و175 كجم من القمح, و602 لترا من زيوت الطعام, ونحو120 كجم من الذرة( لأعلاف الدواجن والمواشي) و30 كجم من السكر, وبالتالي فإن احتياجاتنا الفعلية منها في عام2030 ستصل إلي18.5 مليون طن من القمح سنويا بالمقارنة بنحو15 مليون طن حاليا بزيادة25%. وبالمثل تصل إحتياجاتنا من العدس إلي105 آلاف طن بزيادة نحو15% عن الحالي, وفي الفول إلي650 ألف طن بزيادة40%, وتزيد إحتياجاتنا من السكر بنسبة30%, ومن الأرز إلي5 ملايين طن بالمقارنة بنحو4 ملايين طن حاليا وبالتالي يجب زيادة المساحة المزروعة منه إلي نحو1.6 مليون فدانفي ظروف شحة المياه وتناقش قطاعات السكان والصناعة والمحليات من مدارس وجامعات ومبان حكومية وحدائق, مع الزراعة في مواردنا المائية الثابتة والمحدودة. وفي ظل ما نعلمه من مساحة الرقعة الزراعية المصرية ومعدلات التعدي علي الأراضي الزراعية بالبناء عليها بمعدل30 ألف فدان سنويا وظروف تنامي تدهور الترب الزراعية وتملحها والمعدلات المنخفضة حاليا للإنتاجية من غالبية الحاصلات الزراعية بسبب تدني ميزانيات البحث العلمي الزراعي لإستنبات الأصناف عالية الإنتاجية وأقل إستهلاكا للمياه والمقاومة للإصابات المرضية والحشرية. ومن الإنتاجية المنخفضة للفدان من السلع السابقة, فإن الأمر سوف يتطلب زيادة الرقعة الزراعية المصرية إلي نحو12 مليون فدان بالمقارنة بنحو8.5 مليون فدان حاليا للحفاظ علي الفجوة الغذائية عند معدلاتها الحالية وليس لتحقيق حلم الاكتفاء الذاتي. هذا الأمر بالغ الصعوبة في ظل محدودية المياه وتراجع الانفاق العام وسحب مخصصات المشروعات القومية في ترعة السلام بسيناء وترعة امتداد الحمام في الساحل الشمالي الغربي حتي مطروح ومشروعي توشكي وشرق العوينات والزمام الصحراوي للمحافظات, وكل ذلك يضيف نحو مليوني فدان فقط في أحسن ظروف الإنفاق وتوافر المياه. ونستطيع أن نؤكد أنه تحت الظروف الحالية لتهميش دور القطاع الزراعي وإهماله, ومشاكل المياه مع دول منابع النيل وتراجع دور البحث العلمي والتعليم الزراعي فإن الفجوة الغذائية المصرية ستزيد بنسب تتراوح بين25 30% في عام2030, وبضعف هذا الرقم في عام2050, بما يستنفد جزءا كبيرا من الاقتصاد المصري في مواجهة زيادة أسعار الغذاء دوريا في ظل تغيرات المناخ وأثره علي نقص الإنتاجية العالمية وقرب نضوب البترول وارتفاع أسعاره وبالتالي ارتفاع أسعار النقل البحري للحاصلات الغذائية. الأمر لم يتوقف علي ذلك فقط ولكن وصول عدد سكان العالم إلي9 مليارات نسمة عام2050 ونحو8 مليارات نسمة عام2030 بالمقارنة بتعداد7 مليارات حاليا ينذر بعدم توافر الغذاء بسهولة في الأسواق العالمية نتيجة لاستهلاكه داخل الدول المنتجة له بعد زيادة عدد سكانها لأننا نستورد ما يفيض عن احتياجاتهم. مستقبل أمن مصر القومي مرتبط تماما بعودة الاهتمام بالقطاع الزراعي وتأمين الموارد المائية بالتعاون مع دول حوض النيل وزيادة مخصصات البحث العلمي القومي لإنتاج الأصناف الآمنة من الغذاء بدلا من استيراد المحور وراثيا منها والمدمر لصحة البشر وحتي لا نعيش كفئران تجارب للغرب. الأمر ينذر من الآن بحتمية التوسع الزراعي في السودان ودول حوض النيل لتأمين مستقبل الأمن الغذائي المصري. المزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد