تعد وزارة الصحة المصرية أقدم وأعرق وزارات الصحة فى العالم العربى وإفريقيا وكانت تقدم للمصريين والعرب أعلى خدمة صحية ولكن اصابتها الشيخوخة فى العقود الأخيرة وتآكلت فى ظلها وتحت بصرها أكباد ملايين المصريين بفيروس (سى) وانتشر بينهم الفشل الكلوى وتوطنت فيهم إنفلونزا الخنازير وإنفلونزا الطيور «وحدث ولا حرج» عن مثل هذه الأمراض ثم جاءت «مصيبة سيوة» وفقدت مصر عددا من فلذات اكبادها نتيجة انتشار مرض الحصبة فى مرسى مطروح. والحقيقة ان ما حدث لم يكن يقع لو أننا تمسكنا بالقاعدة الطبية التى تقول إن الوقاية خير من العلاج. والوقاية تكون بوضع الخطط السليمة والمعروفة لدى وزارات الصحة فى العالم والأخذ بها ولكن للأسف فإن معظم مؤسساتنا الصحية تعمل بطريقة عشوائية ودون خطة عمل واضحة ومدروسة وان وجدت خطة العمل فإنها تكون على الورق فقط ولا تنفذ بدليل أن الخدمات الصحية تتدهور ولا تتحسن، فعدالة توزيع هذه الخدمات من أهم أسس الرعاية الصحية بمعنى ان يكون مستوى الخدمة الصحية فى مطروح هو نفس المستوى فى القاهرة مع التناسب أيضا فى الكثافة السكانية. كما تعتبر الثقافة الصحية عنصرا اساسيا فى الرعاية الصحية الأولية بمعنى أن يقوم المثقف الصحى التابع لوزارة الصحة بتوعية الأهالى بأهمية التطعيمات والوقاية من الأمراض وعلى المراكز الصحية ان تقوم بتسجيل المواليد، وحصر الأطفال فى الفئات العمرية المختلفة وعمل ملفات خاصة بتطعيماتهم واستدعاء المتخلف منهم بطريقة رسمية للتطعيم حتى وان استدعى الأمر الذهاب اليه فى مسكنه بثلاجة التطعيمات أو تطلب ذلك الاستعانة بالشرطة من أجل تطعيمه، وهكذا يكون نظام العمل وتكون روح العمل، أما ان يتم ترك الأطفال بدون تطعيم والتعلل بأن أسرهم لا يحضرونهم للتطعيم وان ثقافتهم الصحية متدنية فهذا اعتراف صريح من وزارة الصحة بالتقصير ويجب محاسبة المسئول عنه بعد أن تسبب فى إزهاق أرواح بريئة. هذا من جانب، وعلى آخر فقد يذكر الأستاذ أحمد البرى أننا تقابلنا فى اثناء افتتاح العمل بالأجهزة الجديدة التى قدمها بريد الأهرام دعما لمستشفى رمد طنطا وكان معنا د. محمد شرشر وكيل الوزارة بالغربية وتناقشنا فى موضوع مستشفى زفتى التخصصى وأجهزته الجديدة القابعة فى المخازن وبذل بعدها د.محمد شرشر جهدا كبيرا واعتمد مبلغا لأعمال الصيانة ولكن اداء إدارة المستشفى لم يكن على نفس المستوى ولم يتحسن العمل فيه. وبعد ان تناول بريد الأهرام هذه القضية بالشرح والتحقيق أمر وزير الصحة بتكوين لجنة لفحص تجهيزات وتشغيل أجهزة رمد زفتى تتكون من ثمانية أعضاء وذلك فى سبتمبر الماضى وكنت عضوا فى هذه اللجنة برئاسة د. هشام عطا وتفقدنا المستشفى بحضور أربعة أعضاء فقط من أعضاء اللجنة الثمانية ويوحى منظر المستشفى بالفخامة وهو عبارة عن 7 أدوار، الأول: للاستقبال، والثانى للعيادات الخارجية والثالث للعمليات والرابع للإدارة أما الدور الخامس فهو قسم داخلى فندقى فاخر لم يستغل إطلاقا منذ افتتاح المستشفى عام 2008 والسادس: قسم داخلى اقتصادى وأيضا لم يستغل، أما السابع فهو قسم الداخلى المجانى واستخدامه قليل. وقد فحصنا جهاز طبوغرافيا القرنية وجهاز فحص ميدان النظر فوجدنا انهما لم يتم تشغيلهما منذ تسلمها عام 2008 ويستحيل تشغيلهما الآن لعدم وجود الكابلات الخاصة بهما والسوفت وير وتقريبا انتهى عمرها الافتراضى. أما كاميرا تصوير قاع العين فكان استخدامها قليلا وحاليا لاتستخدم لعدم وجود حبر طباعة كما تنقصها الصيانة الدورية، ويوجد بالمخزن جهازان لقياس الضغط بالتلامس، وجهاز فوروبتر لعمل النظارات ولم يتم استخدامها. ووجدنا أيضا ان غرف العمليات الكبرى الأربع لاتعمل وتستخدم غرفتان منها كمخازن وتكييفاتها معطلة منذ سنوات وكذلك شبكة الغازات معطلة وجهاز الفاكو الخاص بعمليات المياه البيضاء معطل لنقص الخراطيم الخاصة به والميكروسكوب الجراحى معطل، وبعض الآلات الجراحية الخاصة بالقرنية والشبكية لم تستخدم والكارثة ان دورات المياه ترشح فى غرفة العمليات، والدوائر التليفزيونية وحنفيات التعقيم معطلة ولا توجد مكافحة عدوى أو جودة بالمعنى المعروف. وبالرجوع لمعدلات العمليات مع وجود هذه القوة البشرية من أطباء وتمريض وبالمقارنة بالكثافة السكانية وما تم التخطيط له من إقامة هذا المستشفى يشير إلى وجود فجوة خطيرة بين ما تم ويتم إنفاقه وبين ما يتم الحصول عليه من فائدة. وقد سجلت ما رأيت وكتبت توصياتى وهى تتلخص فى ضرورة إصلاح الأجهزة المعطلة أو إستبدال أجهزة جديدة بها وإصلاح البنية التحتية للمستشفى والنهوض به وتزويده بكوادر فنية وإدارية جيدة وكان هذا منذ أكثر من شهرين ولكن لم يحدث شىء ملموس على أرض الواقع حتى الآن. لقد آن الأوان لإعادة بناء وزارة الصحة ومؤسساتها وفرض الانضباط على العاملين بها والنظر فى القوانين والقواعد التى يتم العمل على اساسها ووضع المعايير الصحيحة لتعيين القيادات الواعية القادرة على وضع الخطط الرشيدة واتخاذ القرارات المناسبة للنهوض بصحة المواطنين مع وجود جهاز رقابى قوى ورشيد ليسائل كل مؤسسة طبية وحتى كل فرد فيها عن انتاجه وعمله ويعلم الجميع الوصف الوظيفى لوظائفهم والمهام الملقاة على عاتقهم وكيفية وضع الخطة المناسبة لرفع مستوى الخدمات الصحية. د. عيسى حميم أبو اليزيد عيسى مدير مستشفى رمد طنطا السابق لقد فجرت فى «بريد الأهرام» قضية الأجهزة المركونة فى مخازن مستشفيات وزارة الصحة منذ أكثر من أربعة أشهر، وتلقيت ردا بأنه تم تشكيل لجنة لحصر هذه الأجهزة وإعادة توزيعها على المستشفيات ومحاسبة المقصرين، ولكن الأوضاع ظلت كما هى مثل أى شىء تثور ضجة حوله، ثم لاتلبث ان تخمد فمسئولونا يراهنون دائما على النسيان، وكل وزير يلقى باللائمة على من قبله، ويترك الأوضاع أسوأ مما كانت عليه لمن بعده.. واننى احيل ملف مخازن وزارة الصحة برمته إلى المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء.