علي الرغم من كثرة الاحداث الجسام التي مرت بها البلاد خلال عامي 2013 و 2014، و التي كان الكثير منها ساراًَ و كان الكثير منها ايضاًً محزناًً و مؤسفاًً ، إلا أني أستطيع أن أجزم بأن أهم هذه الاحداث ما كان منها ايجابيا و نافعا ,و ما كان فيها ضاراًََ و مدمراًً هو ما من الله به علي البلاد و العباد من فيض مياه الامطار و من ايراد مائي وفير أتي به الينا نهر النيل ... أقول هذا ولدي الدليل – فقد حاولت أن أتتبع رصيد البلاد من المياه المختزنة في بحيرة ناصر علي مدي ما يزيد عن العام, و ليس لدي في هذا المضمار سوي مرجع واحد هو ما تنشره صحف البلاد اليومية – القومية منها و الخاصة – و بعض الانباء التي تبثها بعض وكالات الانباء علي استحياء بين الحين والاخر وقنوات التلفزيون المختلفة التبعيات و الانتماءات. وأود بداية أن أقول أن مؤشرات التخزين في بحيرة ناصر هي اولا منسوب سطح الماء فيها و ثانيا حجم او كمية المياه المختزنة بداخلها - والمنسوب كما يعلم الجميع يكون بالزيادة أو النقصان علي منسوب المياه في البحار والمحيطات والذي درج العالم علي أنه هو الصفر, أما الكمية والحجم فتكون بالمتر المكعب لما تحتويه البحيرة من مياه. و قد راعني و أنا أتابع هذه الدراسة أن بعض أساطين الاعلام لا يعلمون هذه الحقائق البسيطة فتارة تقرأ من يفتي بأن منسوب مياه النيل أمام السد العالي بلغ 175,96 مترا مكعبا !!, وفي قول اخر أن منسوب نهر النيل يتراجع بمقدار 2 سم مكعب, ثم تنقلب الارقام لتقرأ عن ثبات المنسوب عند معدل 85,175 متر مكعب و تتكرر مثل هذه الاخطاء الفادحة لشهور طويلة الي ان يفتح الله علي أحد العباد فيلفت النظر إليها ويكون التصحيح في اليوم الاول من ابريل 2014 بعدما يزيد عن الشهور الستة من تداول الأخطاء - لنقول للناس أن كذبة أبريل عند غيرنا هي عندنا يوم التصويب و العودة الي الحق والحقيقة. المهم أيها السادة أن السنة المائية اتفق علي أن تبدأ في أول أيام شهر أغسطس من كل عام و تنتهي في اليوم الاخير من شهر يوليو من العام التالي, وهذه هي البداية الحقيقية لوصول مياه الفيضان من المرتفعات الاثيوبية التي يزيد ما يأتي منها من ايراد عن 85% من مجموع مياه النيل, وبالطبع فإن ما تبقي (15%) يأتي عن طريق هضبة البحيرات الاستوائية – من هنا فإن المنسوب الذي اتفق علي أن لا يزيد سطح المياه في البحيرة عليه تحسبا لما قد يأتي به الفيضان القادم هو 175 مترا فوق سطح البحر, ومن حق مصر اذا زاد المنسوب عن ذلك أن تسمح بصرف الزيادة في النهر دون أن يدخل المنصرف في حساب الحصة المائية للبلاد - إلا أن فيضان العام السابق 2012/2013 كان متواضعا بحيث اصبح منسوب البحيرة يوم 23/10/2013 هو فقط 175,80 متر اي بزيادة80 سم عما يفترض ان يكون عليه المنسوب في اليوم الأول من شهر اغسطس – إذن لم تكن بداية السنة المائية بالقطع واعدة إلا أن الأشهر التالية و حتي منتصف فبراير 2014 شهدت ما يقارب الثبات في منسوب المياه في البحيرة حيث بلغت في نهاية الفترة 175,85 متر بما يعني ان الوارد قد تساوي مع المنصرف الذي تراوح بين 75 الي 90 مليون متر مكعب يوميا, ويدل ذلك علي أمرين هامين هما ان إيراد النيل الجنوبي (هضبة البحيرات الاستوائية) ربما كان أعلي من المتوسط والأمر الثاني هو ان الهطول المطري قد أدي إلي انخفاض الاعتماد علي مياه النيل من جانب الزراع و اكتفائهم بمياه الأمطار. انقطع المطر في نهاية شهر فبراير و عاد الاستهلاك إلي أنماطه الطبيعية مما أدي إلي انخفاض منسوب المياه في البحيرة بحلول شهر مايو 2014 مترا كاملا ليصل الي 174,90, و كان معدل السحب اليومي حوالي 150 مليون متر مكعب يوميا. الخلاصة أني اعتبر أن هذا الحدث (فيضان 2013 /2014) هو الأولي بالاهتمام من كافة أحداث العامين ... أبرر ذلك بأن البعض قد ظن أنه يستطيع أن يتحكم في مصر و قرار مصر عن طريق خنقها مائيا مع الضيق الاقتصادي الذي تمر به البلاد – لكن الله غالب علي أمره – ذلك لأن لدينا الان مخزونا مائيا يزيد عن 150مليار متر مكعب داخل بحيرة ناصر تكفي لسد حاجات البلاد و العباد لسنوات قادمة ... فقط أرجو أن نشكر من جانبنا المولي عز وجل علي نعمائه ولا يكون الشكر إلا بالمحافظة والترشيد في المزرعة بقصر زراعة الأرز والقصب علي المساحات المحددة لها والامتناع كلياًً عن زراعة الموز و الاهتمام بالري الليلي وتسوية الاراضي والزراعة علي الخطوط والمساطب وتحويل بساتين الفاكهة و حقول الخضر الي الري بالتنقيط وتجريم رش الشوارع بالمياه وفرض رسوم علي غسيل السيارات بالماء النقي في محطات الوقود وفرض غرامة مالية علي من يضبط وهو يغسل سياراته بالخرطوم خارج محطات الخدمة و فرض رسوم علي المغاسل الأوتوماتيكية ومراقبة المنشات الصناعية للتأكد من استخدامها الرشيد للمياه وإعادتها مياه معالجة إلي شبكة الصرف الصحي و المراقبة الجيدة للعائمات النيلية للتأكد من تطبيقها قواعد منع التلوث وكذلك المزارع السمكية و العمل علي ترخيص جميع أبار المياه الجوفية وتشجيع القطاع الخاص والعام علي تنفيذ مشروعات إعذاب المياه (التحلية) مع التركيز علي المياه الجوفية المسوس (الأقل ملوحة من ماء البحر) وباستخدام الطاقة المتجددة (الشمس و الرياح) . وفي نفس الوقت علي الجهات المعنية ألا تتهاون ولو بالتنازل عن متر مكعب واحد من حصة البلاد المائية التي حصلت عليها لأعوام طويلة سابقة, وأن تعمل ايضا علي زيادة هذه الحصة عن طريق التعاون مع دول حوض النيل علي استقطاب الفواقد التي تصل إلي المليارات من الأمتار المكعبة في مناطق المستنقعات,في جنوب السودان ولنبدأ بإحياء مشروع قناة جونجلي الذي يوفر لمصر والسودان بعض المياه و يوفر لجنوب السودان حياة الاستقرار والزراعة والتنمية التي هي اجدي من الحروب والصراعات و الاقتتال ... اليس كذلك ؟ لمزيد من مقالات د. ضياء الدين القوصي