لم تكن موافقة الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نيتانياهو الأسبوع الماضى على مشروع قرار بإعتبار إسرائيل دولة للقومية اليهودية مفاجئا للفلسطينيين سواء من المقيمين داخل الخط الأخضر (عرب 48) أو الضفة الغربية وقطاع غزة بل وفى الخارج فلايوجد فلسطينى واحد يعيش على سطح الأرض لم يتوقع هذا القرار فى ظل تنامى روح العنصرية بشكل غير مسبوق بين الإسرائيليين وسيطرة اليمين المتطرف سواء الدينى او السياسى على صنع القرار فى تل أبيب. ولا يقتصر الأثر السلبى لهذا القرار الذى تبنته حكومة نيتانياهو بأغلبية 14 صوتا ومعارضة 6 بناء على مشروع مقدم من نائبين بالليكود على عرب 48 والبالغ عددهم أكثر من مليون و200 الف نسمة، ولكنه يمتد إلى سكان الأراضى المحتلة عام 1967 ، لأن أى تنفيذ لبنده الضمنى الداعى لطرد فلسطينى الداخل يعنى نزوحهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك القضاء تماما على مبدأ حق العودة للاجئين الذى تركوا كل فلسطين التاريخية خلال حربى 1949 و1967. ورغم أن بعض المسئولين الإسرائيليين يزعمون أنه لن يتم إجبار أى فلسطينى من عرب الداخل على الرحيل ولكن الأمر سيكون أختياريا وربما يتم تعويضه ماديا لتشجيعه على الإنتقال للضفة أو غزة ، إلا أن كافة المؤشرات تؤكد أن إسرائيل تسابق الزمن ومنذ سنوات من اجل تنفيذ سياسة تطهير عرقى تمهد لفرض مبدأ يهودية الدولة . فقد سعت الحكومات الإسرائيلية وأخرها حكومة نيتانياهو إلى تهويد ما تبقّى من أرض فى حوزة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وفى مدينة القدس والنقب وغور الأردن والمثلث فى الشمال ، ولا يمرّ يوم من دون أن تطالعنا وسائل الإعلام الإسرائيلية بنبأ حول استصدار قانون عنصرى لفرض اليهودية على الدولة بكامل مكوناتها بعد جعل حياة الأقلية العربية لاتطاق من خلال الضرائب المتعددة والملاحقات الأمنية ومنع البناء أو حتى ترميم منازلهم . وتعد فكرة يهودية الدولة إحدى ركائز الفكر الصهيونى منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى قبل صدور وعد بلفور المشئوم ، ولكن التنفيذ كان يتم مرحليا . وفى محاولة لتهويد ما تبقى من أراضٍ بحوزة الأقلية العربية داخل الخط الأخضر، وضعت السلطات الإسرائيلية مخطّطات لتهويد منطقة الجليل والحدّ من التركز العربى فيها، وذلك عبر أسماء مختلفة، مثل ما يسمى مشروع تطوير منطقة الجليل، ومشروع نجمة داود لعام 2020، هذا إضافة إلى ظهور مخطّطات للحدّ من التركز العربى فى منطقة النقب التى تشكل مساحتها 50 ٪ من مساحة فلسطين التاريخية ، وكذلك أصدرت إسرائيل قانون الجنسية وقانون النكبة الذى يحظّر على الأقلية العربية إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، فضلاً عن قوانين تمنع التزاوج بين أفراد من الأقليّة داخل الخط الأخضر مع الفلسطينيين فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك بغية الحد من التواصل الديموجرافي. ولم يكن قانون المواطنة والولاء الذى يفرض على الأقليّة العربيّة الاعتراف - من خلال القسم - بيهودية إسرائيل قبل الحصول على الجنسية الإسرائيلية والصادر فى أكتوبر 2010 أقلّ خطورة من القوانين والقرارات العنصرية المشار إليها والتى تؤكد دوما أن إسرائيل دولة عنصرية وأن العالم أخطأ عندما الغى القرار الأممى الصادر عام 1974 باعتبار الصهيونية حركة عنصرية ولابد من التحرك لإعادة إصدار هذا القرار فى ضوء سياسة التطهير العرقى الذى تمارسها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تحت أسم الحفاظ على الهوية اليهودية للدولة. ورغم أن كافة الأطراف الفلسطينية سواء فى داخل الخط الأخضر أو الضفة وغزة رفضت قرار يهودية إسرائيل ، بل أن حركة حماس اكدت أنها لا تعترف أصلا ب"حق الكيان الصهيوني" فى أرض فلسطين ، وكذلك قال رياض المالكى وزير الخارجية الفلسطينى ، أن القيادة الفلسطينية تدرس سبل مواجهته بشتى الوسائل سواء من خلال البحث فى إمكانية التوجه لمجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان، إلا أن الواضح أن هذه الإعتراضات لن توقف المخطط التهويدى الإسرائيلى الصهيونى مازال الفلسطينيون منشغلون بخلافاتهم والعرب منشغلون بثوراتهم . ولكن يتبقى الشيء الأخطر وهو أن قرار الحكومة الإسرائيلية والمقرر أن يصوت الكنيست عليه خلال أيام رغم بعض الاختلافات داخل الإئتلاف الحاكم يفتح الباب لتحويل الصراع العربى - الإسرائيلى رسميا الى صراع دينى بعد أن كان مؤسسو إسرائيل يدعون أن فلسطين وطن قومى لهم يعيشون فيه بجانب القوميات والأديان الأخرى ، فى إشارة إلى العرب ، مسلمين كانوا أو مسيحيين.