عندما يتنزه أبناء الشعوب المتحضرة فإنهم يذهبون إلى الحدائق العامة أو حدائق الحيوان ولكنهم فى أوروبا والولايات المتحدة كانوا حتى بدايات القرن العشرين يذهبون أيضا إلى .."حدائق الإنسان"!! حيث كانت تعرض نماذج "حية" من "البشر" المجلوبين من شتى المستعمرات التابعة للدول الإستعمارية الكبرى فى ذلك الوقت. ومنذ عام 2010 قرر المخرج بريت بيلى -47 سنة - الجنوب أفريقى عمل عرض فنى حى للبشر يحمل اسم "إكزيبيت بى" لسرد قصص العبيد الأفارقة وطالبى اللجوء أثناء الحكم الإستعمارى البريطانى للقارة. واستعان المخرج بممثلين سود يقومون بأداء سلسلة من الأدوار المسرحية الحية المرتبطة بعبودية الأفارقة أثناء الحكم الإستعمارى. وقد وصل عدد العروض إلى 12 عرضا وتضمنت عروضا مثل عرض لإمرأة سوداء مقيدة بالأغلال إلى فراش وثير ورجل أفريقي يثبت قناعا معدنيا على وجهه. وفى تابلوه آخر جلست سيدة أفريقية بسيطة بجوار إناء معدنى كبير تمسك فى يدها بجمجمة إنسان وشريحة حادة من الزجاج فى محاولة لتصوير الكيفية التى كان يتم بها إجبار السيدات الأفارقة فى معسكرات الإعتقال الجماعى الألمانية فى جنوب غرب أفريقيا ناميبيا الحالية على غلى وسلخ جماجم الأفارقة وتنظيفها ليتم إرسالها إلى ألمانيا لتستخدم فى أبحاث علمية زائفة!! وعلق المخرج بيلى على العروض التى يقدمها واصفا إيها بالعروض التي ترمز إلى إعادة تمثيل فظائع ظاهرة العبودية والرق وظاهرة "حدائق الحيوان البشرية" التى إنتشرت فى أوروبا والولايات المتحدة حيث كان رجال القبائل الأفريقية يعرضون إبان القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لتسلية وإمتاع الجماهير فى أوروبا والولايات المتحدة. ومنذ عام 2010 طاف العرض بدءا من ألمانيا ب 12 مدينة فى شتى أنحاء أوروبا حيث وجد رودود فعل مشجعة فى بادئ الأمر نظرا لغرابة الفكرة بالنسبة للبعض ووصل عدد الزوار والمشاهدين إلى ما يقرب من 25ألف مشاهد. وتدريجيا بدأ العرض يثير الجدل عندما فجر نقاشات مجتمعية حادة فى أوروبا حول الحدود بين حرية الفن والإستغلال والرقابة والأخطاء السياسية وتحولت المناقشات الحادة بين المؤيدين لفكرة المعرض والمعارضين لها إلى مظاهرات شملت مظاهرات مضادة للمعرض تطارده أينما ذهب. وقام 14 من مديرى المتاحف والمسارح من 14 دولة بكتابة بيان مشترك دافعوا فيه عن المعرض وشجبوا محاولات الرقابة على الفن. وعلقت إحدى الممثلات المشاركات فى العرض بالقول أنها شاهدت بعينها تأثر المشاهدين بما تقوم به خاصة النساء اللاتى تنهمر دموعهن لدى شعورهن بمدى معاناة المرأة الأفريقية فى عهود الرق والعبودية والإستعمار. وقد عاد الجدل حول العرض إلى الظهور من جديد بعد أن تقررت إقامة العرض بأحد مسارح ضاحية سانت دينيس بباريس خلال الفترة من يوم 27 وحتى يوم 30 نوفمبر 2014. وتمكن المعارضون من جمع 19 ألف توقيع لمنع العرض بوصفه عدوان على الكرامة الإنسانية. وتجدر الإشارة إلى أن مركزا للفنون فى العاصمة البريطانية لندن قد ألغى ذات العرض الذى شارك فيه ممثلون سود كنماذج واقعية حية، لعرض صورة العبيد الأفارقة، وذلك بعد احتجاجات إتهمت المركز بالعنصرية، وهو ما أثار جدلا بشأن حرية التعبير. فقد خرج أكثر من 200 متظاهر إلى شوارع لندن فى شهر سبتمبر الماضى متجهين إلى محيط المعرض الذى أقيم فى جنوبلندن حيث مارسوا أعمال شغب ما اضطر منظمى المعرض إلى أن يلغوا ثمانية عروض كانت مقررة.