مأساة جديدة عاشتها مصر خلال الأيام الماضية، بعد انهيار عقار المطرية وسقوط أكثر من 17 قتيلا. الجانى ليس مجهولا، فالكل يعرفه، خاصة بعد وقوع العديد من الانهيارات فى مختلف الأماكن والمحافظات، حتى صارت تحدث مع كل فنجان قهوة تقريبا. هذا الحادث دفعنا إلى فتح ملف مخالفات البناء وهى المتهم الأول والجانى الحقيقى وراء تلك الانهيارات. الدكتور ممدوح حمزة أستاذ الهندسة المدنية بجامعة قناة السويس يقول إن وراء حادث عقار المطرية من التلاعب فى المنشأة بغرض تغيير النشاط بشكل مخالف مما أدى إلى انهياره. ويشير إلى أن هناك 3جهات مسئولة عن أى تعديل قد يتم فى العقار... أولا المهندس الاستشاري، والذى يقوم بالتوقيع على لوحة التعديل، فإذا انهار العقار بعد ذلك، تقوم نقابة المهندسين بشطب هذا المهندس تماما من سجلاتها، كما تتم معاقبته قانونيا حسب ما أسفر عنه الانهيار. ثانيا: أن تكون هناك موافقة من الحى على التعديل، فإذا وافق مهندس الحي، وإنهار العقار تتم معاقبته قانونيا أيضا وشطبه من سجلات النقابة. ثالثا: من قام بالتنفيذ هل هو مقاول أو صنايعي، حيث إن هناك تشريعا بألا يتم أى تعديل إلا عن طريق مقاول مسجل فى اتحاد المقاولين ولديه رخصة مزاولة تعديل منشآت.. ويبقى دور المالك، كما يوضح د. حمزة والذى أحضر كل هؤلاء المتلاعبين، ودوره غاية فى الأهمية، فإذا كان قد أخطأ أو تلاعب فى الرسم المعتمد أو غيرها من المخالفات، فيجب مصادرة منشآته فورا. ويرى أن هذا الكلام إذا تم العمل به كنموذج، فلابد من تعديل تشريعي، حيث ان هناك قطعا خطأ فى التشريع، فيجب أن تكون هناك اجراءات قانونية مبنية على تشريعات تحمى المواطن، ويجب تنفيذها لتكون عبرة لحماية المواطنين. ويشير إلى دور المحليات الغائب، وهى التى تصدر الرخصة وتشرف على التنفيذ، ومن الواضح تماما كما يقول إنه لا توجد محليات أساسا منذ 4سنوات. ويؤكد د. حمزة على أن الانطلاقة التى تحلم بها مصر، وتسعى بكل الطرق إليها لن تكون مستدامة مادام هناك أخطاء جسيمة فى التشريعات وفساد فى المحليات يؤدى إلى انهيار العقارات يوما بعد يوم. اللواء أحمد تيمور نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية يرى أن مخالفات المبانى تشكل ظاهرة من أخطر الظواهر التى يشهدها المجتمع المصري، وبصفة خاصة بعد 25 يناير، واستغلال البعض لما حدث من انفلات أمنى فى تحقيق مكاسب من هذه المخالفات، ضاربين عرض الحائط بكل القيم والأخلاقيات، ومتجاهلين تماما القانون، وما يحدث من خسائر بشرية. وقد تشكل هذه الظاهرة خلال هذه المرحلة احد العوامل التى لا تحقق فرص الاستقرار المجتمعي، لما ينتج عنها من تداعيات خطيرة فى اعقاب انهيار الكثير من العقارات المخالفة، وذلك نتيجة عدم مراعاة القواعد والشروط الإنشائية والهندسية خلال بناء هذه العقارات المخالفة أو الأدوار المخالفة فوق العقارات السابق انشاؤها. ويعتبر اللواء تيمور أن البناء المخالف جريمة قتل عمد من القائم بالمخالفة، لانها لا تختلف عمن يقوم بقتل إنسان، فالجريمتان فى مستوى واحد، بل إن مخالفة البناء أشد قسوة، لأنه ينتج عنها فى بعض الأحيان الكثير من القتلى والضحايا. ويؤكد أن القائم بالبناء المخالف، أو الذى يقوم بتعلية الأدوار المخالفة يعلم جيدا أن هذا العقار سينهار أجلا أم عاجلا، وبالتالى فهو يرتكب جريمة قتل عمد، ويضاف إلى ذلك ان من يقوم بالشراء فى العقارات المخالفة أو الأدوار المخالفة رغم علمه بعدم صلاحيتها، فهو أيضا يرتكب جريمة قتل خطأ فى حق أسرته، التى قد يتسبب فى مقتلها كما حدث فى كثير من العقارات المخالفة.فإن لم يجد القائمون بمخالفات البناء من يتعاون معهم بالشراء لن يقدموا على الاستمرار فى هذه المخالفات. ويشير نائب محافظ القاهرة إلى أن مخالفات البناء تعامل فى القانون كجنحة أى أن عقوباتها مخففة، بل أحيانا يفلت المخالفون من العقاب وذلك بالتحايل واتباع أساليب ملتوية من حيث الإجراءات . لذلك فإنه يجب الإسراع بإجراء تعديل تشريعى تكون فيه عقوبة مخالفات البناء السجن المشدد أسوة بجريمة القتل العمد، والتى يصل فيها الحكم إلى الإعدام. وذلك بالإضافة إلى غرامة مالية إلى خمسة أضعاف تكلفة العقار المخالف. ظاهرة مخالفات البناء ترتبط بها جريمة أخرى احيانا ألا وهى جريمة السرقة حينما تكون الأرض مملوكة للدولة فبالتالى نجد اننا أمام ثلاث جرائم متتالية فى مثل هذه الحالات سرقة ثم البناء المخالف دون ترخيص ثم جريمة القتل العمد فى حالة انهيار العقار وسقوط ضحايا، فكيف نستمر فى التعامل مع هذه المخالفات بعقوبات مخففة؟ وهى لا تنفذ احيانا؟. وعن دور الأحياء أو المحال بصفة عامة حيال مخالفات المبانى فإنه يتبع الإجراءات الآتية فحينما يبدأ المخالف فى البناء يحرر له محضر إيقاف اعمال مع إلزامه بإعادة الشيء الى وضعه الطبيعي، وفى حالة الاستمرار واكتمال البناء فى غفلة من القانون او الرقابة فإنه يتصدر فى هذه الحالة بقرار إزالة يعتمد من المحافظ ويقوم الحى بتنفيذ إجراءات الإزالة بعد إخطار جهة الشرطة بإعداد الدراسة الأمنية وتحديد الموعد بالتنفيذ. وهناك خطوة اخرى يقدم عليها المخالفون بوضع العقبات لعدم تنفيذ قرارات الإزالة بالتعجيل بتسكين هذه الأدوار او العقارات المخالفة، وهنا يلزم ضرورة صدور قرار إخلاء إدارى للوحدة المشغولة، تقوم بتنفيذه جهة الشرطة حتى يتمكن الحى من تنفيذ قرار الإزالة، لانه لايمكن التعامل مع أى عقار أو أدوار مخالفة مأهولة بالسكان إلا بعد إخلائها. ويشير اللواء تيمور إلى انه يتم مع بداية كل عام مالى طرح مناقصة من قبل الأحياء طبقا للوائح والقوانين المنظمة لذلك للتعاقد مع أحد مقاولى الهدم ، وتتحمل المحافظة ميزانية وتكلفة هدم وإزالة العقارات المخالفة ، التى تبلغ الملايين من الجنيهات ، مما ينعكس سلبيا على خطة التنمية والمشاريع والطرق والبنية التحتية التى يجب ان تقوم بها المحافظة لخدمة المواطنين، والرقى بالخدمات المقدمة لهم . ويؤكد انه لا يوجد أى تستر على الفساد فى مجال العمل بالأحياء ، لأن العقاب لمن يتستر على الفساد سيكون أمام الله قبل أن يكون أمام القانون والمواطن، وقد تمت إحالة عدد من المهندسين فى أحد الأحياء إلى الجنايات بتهمة الإفساد والاسهام فى إنشاء عقارات مخالفة، وهم الآن محبوسون على ذمة هذه القضية . أيضا تم إيقاف عدد من المهندسين عن العمل فى حى آخر منذ ثلاثة أشهر لمدة شهر كامل بقرار من المحكمة التأديبية العليا نتيجة مخالفات فى الإجراءات أيضا، فلا يمكن التستر على الفساد فى أى من الاحوال. ويناشد أى مواطن لديه معلومة عن وجود فساد فى أحد الأحياء أن يقوم بابلاغ الجهات الرقابية، ويستطيع الابلاغ دون الإفصاح عن اسمه إذا كان يخشى هذا ، لان محاربة الفساد تتطلب تضافر جميع الجهود ، فهى جريمة تكون من عنصرين أحدهما إيجابى لمن يقوم بالفساد أو الرشوة والآخر سلبى لمن علم ولم يشارك لكنه لم يبلغ وكلاهما يشكل عنصر جريمة، فلا يمكن ان تقوم دولة وتنهض دون تطبيق القانون بشكل حاسم على الجميع وبلا استثناء ، ومشاركة الجميع فى مجابهة الفساد إيجابيا وليس سلبيا ، فلن تستطيع أجهزة أى دولة أن تواجه جميع المشاكل بمفردها دون معاونة المواطن، فمصر ملك للجميع إن لم نحافظ عليها ونرعاها جميعا ونتكاتف من أجلها فلن نستطيع ان نحقق مانصبو إليه جميعا. وقد تم تنفيذ 725 قرار إزالة خلال العام الماضى فى منطقة شرق القاهرة ضمن مواجهات ظاهرة مخالفات المبانى .