لعل الذي يستحق التوقف أمامه بالتأمل في كتاب تطورات المستقبل لمؤلفه الكاتب الاقتصادي والسياسي الأمريكي ديفيد ميرسير بعد إسهاب طويل في شرح مماثل لما سبقه إليه عديد من الكتاب والمحللين عن مخاطر وسلبيات العولمة هو أنه خلص في نهاية المطاف إلي حقيقة مفادها أن معظم التوتر الذي يتصاعد الآن في بقاع الأرض المختلفة يرجع إلي غياب قوة دولية موازية لقوة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لها- حسب رأيه- توجهات جديدة يستحيل اجتنابها! ويتحدث ديفيد ميرسير في هذا الكتاب الذي صدر منذ عشر سنوات عما أسماه المصير المرتقب للأمم المتحدة وباقي المنظمات والمؤسسات العالمية, ويشير إلي أن كل الأوصاف التي يمكن إطلاقها علي الأممالمتحدة قد تكون صحيحة فيما عدا وصفها بأنها متحدة فهي المنظومة البعيدة جدا عن امتلاك السلطة العالمية التي يفترض أن تتمتع بها كما أنها أبعد ما تكون عن أن تمثل حكومة عالمية! ويعتقد مؤلف كتاب تطورات المستقبل أن التمثيل في كل هيئات ومجالس الأممالمتحدة مبني علي مفهوم تجاوزته متغيرات العصر الذي يوشك أن يودع مفهوم الدول الوطنية الذي ظل لما يزيد علي نصف قرن يمنح أصغر دول العالم نفس الحقوق التي تتمتع بها أكبر دولة في العالم, ومن ثم يصعب علي الأممالمتحدة الآن بتشكيلها القائم علي مثل هؤلاء الممثلين الذين لا يملكون قوة أن تكون منظمة فاعلة ثم إن القوة الحقيقية التي يعبر عنها مجلس الأمن باتت محل شك في ظل وجود قوة عالمية واحدة تملك القدرة علي أن تفعل ما تشاء سواء رضيت الأممالمتحدة أو لم ترض! وحسب تعبير المؤلف الأمريكي في كتابه فقد اعتاد العالم أن يري الولاياتالمتحدة وهي تتلذذ باستخدام حق الفيتو عندما تري أن مجلس الأمن يتجه عكس ما تريد ومن ثم تأكيد قدرتها علي خطف دور الأممالمتحدة في كل النزاعات الدولية! ويطرح ديفيد ميرسير سؤالا مهما هو: إذا كانت مؤشرات المستقبل تشير إلي تقويض دور الحكومات الوطنية فما هي السلطة البديلة التي ستحل محلها؟ سؤال تزداد أهميته الآن بعد لجوء روسيا والصين إلي استخدام حق الفيتو ليس حبا في عيون سوريا فقط وإنما لكبح جماح الهيمنة الأمريكية علي مجلس الأمن. وغدا نواصل الحديث..
خير الكلام: الحكيم يستفيد من فكر أعدائه بأكثر من استفادته من نصائح أصدقائه! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله