الرحلة شمال العراق لا تخلو من مخاطر، وتزداد المخاطر اذا علمت الطائرة المقلة لك من القاهرة الى أربيل أو السليمانية تدخل الاجواء العراقية، وتحلق فوق مواقع ما يسمى بتنظيم الدولة "داعش" فى محافظتى الانبار ونينوى اللتين تشهدا معارك طاحنة على الارض وهجمات جوية من الجو. وما بين هذا وذاك تحلق الطائرات المدنية المتجهة الى بغداد والسليمانية وأربيل، وسط الكثير من التقارير التى تؤكد ان “داعش” يمتلك صواريخ تهدد الملاحة الجوية فى الأجواء العراقية، سواء كانت تلك الصواريخ من مخازن الجيشين العراقى والسورى التى تم الاستيلاء عليها، أوتلك التى اشتراها التنظيم من ضباط فاسدين فى الجيشين، على أى الاحوال فإن الرحلة التى تستغرق ما بين ساعة وخمسين دقيقة، وساعتين ونصف من القاهرة الى السليمانية، ثم من أربيل الى القاهرة مرتا بسلام، وما بين الرحلتين كان اكتشاف حالة تستحق الزيارة تمثلت فى اقليم كردستان العراق، الذى شهد وسط الحالة المأساوية التى يعيشها باقى العراق تجربة تستحق الاعجاب ،وسط واقع عراقى وإقليمى معقد ودموى يلامس حدود الاقليم ويهدده. السليمانية وفقا لاحصائية عام 2013 لوزارة التخطيط باقليم كردستان العراق فقد بلغ تعداد سكان الاقليم اربعة ملايين وتسعمائة وتسعة الاف وثمانمائة واربعة وثمانين شخصا بواقع مليون و717 الفا و284 نسمة فى محافظة اربيل ،ومليونا و803الاف نسمة 792 فى محافظة السليمانية ومليونا و177 الفا و714 نسمة فى محافظة دهوك ، السليمانية كانت قبل خمس سنوات مدينة اقل من المتوسطة ،اما الآن فشهدت طفرة فى مختلف اوجه الحياة ،وبدت معالم المدينة القديمة غائبة وسط هذه الحالة التى اهم ما يلفت الانتباه فيها هو السلوك الانسانى المنضبط بالقانون، بدءا من اشارة المرور انتهاء بالامور الكبرى ... فى السليمانية تسير الحياة وفق نمط منظم الا ان ذلك لا يمنع من وجود الحياة الشعبية الدافئة التى تتجلى بصورة واضحة فى المدينة القديمة ومركز المدينة الذى يشهد حالة من الرواج التجارى، رغم الازمة الاقتصادية وقطع رواتب الموظفين نتيجة الخلافات بين الحكومة المركزية والاقليم، وفى شوارع كاوه والسراى وغيرهما تزدحم المتاجر والخانات المخصة لشرب الشاى والقهوة بشارع كاوه, حيث الندوات المصغرة التى تتناول كافة الامور وهى أكثر من أن تحصي، واذا عرف البعض ان الحاضر صحفى مصرى فإن الامر يبدأ بحالة من الترحيب والعتاب لتنتهى فى النهاية الى ايضاح الكثير من الامور المغلوطة نتيجة غياب مصر وإعلامها عن تلك المنطقة، وهو الامر الذى تكرر فى الكثير من اللقاءات مع منظمات كردية، سواء فى حزب الاتحاد الوطنى الكردستانى، او فى منظمة “شاودير- المراقب” التى تضم نخبة من كبار اساتذة الجامعات والشعراء والصحفيين الكرد. من الشخصيات المؤثرة نيو شيروان مصطفى زعيم حركة التغيير “كوران “ الذى ترك حزب الاتحاد الوطنى الكردستانى الذى يتزعمه رفيق دربه جلال الطالبانى ليؤسس الحركة التى بدأت اول حراك شعبى نحو التغيير والديمقراطية نجحت فى الوصول الى توافق بين الاقطاب الكردية « الاتحاد الوطنى والحزب الديمقراطي» وفرضت نفسها ونجح الجميع فى الوصول الى صيغة للتوافق بدلا من التناحر الجارى فى الدول العربية، على اى الاحوال كان الاهرام حريصا على لقاء الرجل لدوره التاريخى المستمر، خاصة ان الاهرام اجرى معه حوارا قبل اكثر من خمس سنوات ، اللقاء تم فى مقر الحركة التى حصلت على ربع مقاعد البرلمان ، ولديها وزراء فى حكومة الاقليم وتترأس البرلمان، الا اننا فوجئنا بان مصطفى هو الذى يطلب منا ان نجيب على الكثير من الاسئلة تتعلق بمصر واوضاعها وقيادتها وتوجهاتها، ليبدأ جلسة استجواب استمرت اكثر من ساعة ونصف الساعة ، تم خلالها توضيح الكثير من الامور نتيجة سوء الفهم، وغياب التوضيحات، اضافة الى الكثير من الامور لينتهى اللقاء على توافق بشأن الكثير من القضايا التى تتعلق بالكرد ودورهم فى المرحلة القادمة فى بناء العراق الجديد، باعتبارهم القاطرة رغم الكثير من المعاناة التى عانوها خلال القرنين الماضيين والتجاهل الاعلامى العربى لهم خلال العقود الماضية رغم ان الزعيم جمال عبد الناصر كان الكرد على رأس اهتماماته الخارجية والكرد جميعا لاينكرون ذلك، نيو شيروان كان حريصا على الاستماع والنقاش والرد أحيانا بحدة، الا ان هناك الكثير من الامور تم توضيحها التى تتعلق بالاقليم ونظرة مصر بعد ثورة 30 يونيو له، ودوره فى الحفاظ على وحدة العراق ومستقبله مع الحفاظ على هويته ضمن العراق لان الجميع شركاء فى الجغرافيا والتاريخ ايضا. الطريق إلى أربيل المسافة من السليمانية الى اربيل تتجاوزال200 كم وبالسيارة تقطع فى أكثر من ساعتين تتخلها العديد من نقاط التفتيش المنضبطة ويزداد التشديد مع الدخول الى حدود اربيل، الطريق يمر بالكثير من المعالم الجغرافية المرتبطة بالواقع السياسى فى المنطقة ،ورغم جمال الطبيعة والجبال فإنه لايمكن تجاهل سجن سوسة الواقع على مسافة 25 كم غرب السليمانية والذى يضم اكثر العناصر خطورة من تنظيمات “داعش” والقاعدة وغيرهم من الارهابيين، اما ناحية “خله كان” 100 كم غرب السليمانية فهى مسقط رأس مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون، التى لا تبعد الا كيلومترات قليلة عن سلسلة جبال ”قنديل“ حيث يتمركز عناصر حزب العمال الكردستانى الكردى التركى.. أربيل عاصمة الإقليم مدينة عصرية عامرة باسواقها ومبانيها الحديثةالفخمة ،مع إطلالة من التاريخ عبر “قلعة أربيل“ التاريخية واسواقها القديمة ، ويقول باسم صابر نائب القنصل المصرى إن الاقليم شهد خلال السنوات الثلاث الماضية طفرة استثمارية هائلة حصلت خلالها الشركات التركية على معظم العقود باجمالى تجاوز ال20 مليار دولار فى الوقت الذى لم تحقق مصر اكثر من 50 مليون دولار خلال سنة ،مرجعا تضاؤل الدور المصرى الى البيروقراطية وغياب الشركات وضعف الاداء رغم أن سلطات الاقليم تقدم الكثير من التسهيلات بل قدمت عروضا مغرية للمستثمرين والمصدرين المصريين وطالب صابر الشركات الحكومية المصرية بالقدوم الى الاقليم خاصة أن الجميع يثق فيها وهناك الكثير من العروض والمجالات المفتوحة امامها وهو ما تم اعداده من قبل الطاقم المصرى العامل رغم قلة عدده مقارنة بالاطقم القنصلية العاملة فى اربيل. عتب كردى كانت الرحلة فرصة جيدة للاطلاع والاستماع عن قرب لكيفية تفكير الكثير من الكرد خاصة المهتمين بالتواصل مع مصر ومن هؤلاء الدكتور هوكر فرج استاذ اللغة الكردية، وعثمان عبدالحمن المحامى والفنان وكان العتب على تجاهل الدول العربية وخاصة مصر لمعاناة الكرد رغم دورهم فى إثراء التاريخ العربى الاسلامى غير العديد من الشخصيات الكردية فى مختلف المجالات ومنهم صلاح الدين الايوبى قاهر الصليبيين واحمد شوقى امير الشعراء العرب، اما مصطفى صالح كريم رئيس تحريرصحيفة الاتحاد الكردية فيطالب العرب بالقدوم الى كردستان العراق بدلا من ترديد الاتهام بالعلاقات مع اسرائيل: قائلا إن الجميع يردد تلك الاتهامات ونحن نقول لهم تعالوا لتتأكدوا، ولتعملوا معنا، خاصة ان الاقليم استقبل اكثر من مليونى فار من مذابح “داعش” فى العراق ويواجهه الارهاب بامكانات محدودة. العتاب كثير وجسور التواصل الشعبى قليلة لتنهى الرحلة والحوارات بطرفة وليدة التجربة وأضحكت الكثيرين وهى أن رئيس العراق كردى وكثير من الوزارات السيادية والقيادات العسكرية كرد ومن الممكن أن نشهد خلال الفترة المقبلة كرديا أمينا عاما للجامعة العربية.