ثمة عقول منفتحة على العرب والمسلمين، وتدرك بحكم الخبرة الطويلة لا شئ خطأ فى المواطنين العرب ولا فى الدين الاسلامي. والشئ المدهش أن هذه العقول خاصة فى بلاد الشمس المشرقة «اليابان» قلما تجد فرصة لكى نسمع صوتها، وقبل عدة أيام كان لى حظ فى أن أستمع إلى رؤية البروفيسور اليابانى ماسايوكى يامؤتشى الأستاذ الفخرى بجامعة طوكيو والمتخصص فى العلاقات الدولية والدراسات الاسلامية. ولقد كان حوارى ممتدا حول الاسلام فى السياسة الدولية، والتحدى الاسلامى للزمن المعاصر، وهل نحن أمام اعادة رسم خرائط جديدة للمنطقة على أساس الدين، بل والمذاهب. ومبعث هذه الأسئلة لم يعد يخفى على أحد، فالكثير من الخبراء الغربيين يرون أن هناك «المسألة الاسلامية»، وأن العرب باتوا «الرجل المريض» الذى يحتاج إلى معالجة راديكالية سواء من خلال «غزو العراق» وتجربة الفوضى الخلاقة ونهاية باعادة تصحيح «الآثار الجانبية» لاتفاقية «سايكس بيكو» القديمة؟!. وبلهجة ساخرة قال عالم التاريخ اليابانى د. ماسايوكى ثمة نقطتان هنا: الأولى اعتراف الغرب بأن اتفاقية سايكس بيكو كانت خطأ، وهذه مسألة مهمة أن «يعترفوا بخطأهم»! ولم يتمالك الرجل تعبيرات وجهه عندما قال: «أما المسألة الثانية فهى الأصوات التى تطالب بتولى الغرب مسألة التوصل إلى اتفاقية سايكس بيكو جديدة».. فهذا غرور؟! وأحسب أن نبرة الرجل وتعبيرات وجهه كانت تقول «هذه وقاحة»!. ولم يشأ أن يتركنى كى أسرح بعيدا فأكمل حديثه بالتأكيد على أن «العرب أنفسهم لا الغرب هم الذين يجب أن يقوموا بعملية تصحيح أخطاء سايكس بيكو ولا أحد غيرهم». ثم أردف قائلا: «إننى أؤيد بشدة أن تساعد اليابان العالم العربي، وأن يتفاعل اليابان بصورة أكبر فى مساعدة الشعوب العربية»، وأختتم جملته بابتسامة عريضة بقوله «هذا موقفى الذى أردده كثيرا فى وزارة الخارجية اليابانية». وأحسب أن الرسالة واضحة بقوة لنا وهى أن العالم ملئ بالبدائل، بل وهناك عقول فى الشرق ترى فرصة هائلة فى المنطقة العربية التى تمر بمخاض كبيرة، وتريد أن تسهم فى رسم ملامحه بمساعدة العرب والمسلمين لا أن تفرض عليهم بغرور استعمارى كيف يمكن لهذه الامة العظيمة أن تنهض من جديد، ولقد سبق أن أشرت هنا إلى اسباب مهمة تحت «شراكة استراتيجية مابين مصر واليابان»، وأحسب أن الامر يحتاج إلى تواصل اكثر مابين النخبة المصرية واليابانية وبالذات فى مجال الاعلام والاستثمار والتجارة. وهنا فإن من المهم أن نتعرف على رؤية يابانية منفتحة ومطلعة ولها تواصل مع مطبخ صناعة القرار فى طوكيو، ويقر البروفيسور ماسايوكى بأن كل دين به اتجاهات متعددة «سواء معتدلة أو متطرفة أو راديكالية، وهذا لم نشاهده فى الاسلام فقط بل المسيحية ايضاً. ولقد شاهدنا ظاهرة داعش والتطرف فى سورياوالعراق، كما أننا نشاهد النشاط الارهابى لجمعيات ومنظمات مختلفة، إلا أنه سيكون من الخطأ ربط داعش بالاسلام. فقبل زيارتى للقاهرة أقمت فى سلطنة عمان ثلاثة أيام، وذهبت الى المسجد الكبير فى مسقط أنا وزوجتي.. ولم يقولوا لنا ماهو الاسلام أو أن الاسلام جيد بل أن كل مافعلوه هو إظهار كرمهم وسماحتهم .. وهذا هو «درس الاسلام». وهنا الفرق فهناك أصوات فى الغرب ترى مؤامرة كبرى لتهديد «الثقافة الاصلية للمجتمعات الغربية من قبل الاسلام والمهاجرين العرب والمسلمين، وهذا هو السر الذى دعانى لكى أستوقفه لمعرفة رأيه فيما يتعلق بالتحدى الاسلامى للزمن المعاصر. وهنا يحضر رجل التاريخ ليقول إن التحدى الاسلامى يكمن فى استحضار المسلمين للإسلام ليرد على القوى الامبريالية الغربية التى فرضت «المدنية والليبرالية» على المجتمعات العربية ، ومن هنا فإن العرب والمسلمين احتموا بالاسلام كرد فعل على الافكار الغربية، ويمكننا القول أن البعض طوى مايمكن وصفه «بأيدولوجية اسلامية» ويكمل الرجل بتأكيده فى القرن 19 والقرن العشرين هدد الغرب العالم الاسلامي. والآن الافكار الاسلامية هى التى تتحدى الغرب أو تهدده «ويقول بثقة» هذا هو التناقض التاريخى الذى يحدث فى كل قرن..! وعندما أقول له إن بعض الخبراء فى آسيا يرون «افلاس النظام القيمى فى الغرب» وإننا يجب أن نبحث عن أجوبة بديلة فى الحضارات الأخرى العريقة ، وأن كيشور محبوبانى المفكر السنغافورى الشهير يرى أن أوروبا »متحف كبير». يقول د. ماسايوكى بتحفظ «إننى أوافق جزئيا على انهيار النظام الأخلاقى فى الغرب ، بل الآن يتم تحدى هذا النظام الاجتماعي، ويقارن ما بين النزعة الفردية والانسانية فى الغرب مقابل محاولة الناس أن يساعدوا بعضهم البعض من حيث المبدأ فى المجتمعات الاسلامية. إلا أنه بعيدا عن ذلك فانه يوافق جزئيا على وجود البعض الذى يحاول استخدام الدين فى الحياة السياسية، والبعض الذى يحاول استخدام الدين الاسلامى لتغيير الغرب. إلا أن داعش والنصرة والاخوان المسلمين وحزب الله هؤلاء جميعا يحاولون استخدام الدين روحيا وماديا لجذب الناس حتى يكونوا ضد العالم الغربى خاصة الولاياتالمتحدة. ويرفض الرجل «أحاديث المؤامرة» بشأن مسئولية الغرب خاصة الولاياتالمتحدة وبريطانيا وأجهزة مخابراتهما عن صناعة «الظاهرة الارهابية» ، ويقول إن اتهامات الروس والصينيين ليست صحيحة ، بل يجب أن ينظر هؤلاء فى المرآة ليروا كيف عاملوا الشيشان واليغور والطاجيك. ويقول «لقد تعودنا على تبادل مثل هذه الاتهامات من قبل روسياوالولاياتالمتحدة ضد بعضهما البعض». إلا أنه مع ذلك يسجل أمرين: أولا من وجهة النظر التاريخية فان أمريكا مسئولة لأن داعش هى نتاج الغزو الامريكى للعراق، وإيجاد حالة الفوضى والاضطرابات فى المنطقة، ولايتفق مع وجهة النظر التى تقول إن داعش اختراع أمريكى والأمر الثاني: أن المتطرفين استغلوا حرية التعبير وحرية الوصول للإعلام فى الغرب وبقية الحريات مثل حرية العقيدة لينشروا أفكارهم، وعليهم احترام القانون. ويبقى أن هذه رؤية جيدة وعقلانية ترى أن الاسلام «دين سلام» ودين تسامح، وأن المشكلة فى «الفهم السياسي» للنص أو محاولة فرض «فهم متطرف» للنص المقدس. إلا أن ذلك كله لايعفى من ضرورة التواصل والحوار مع الآخر لمعرفة الارضية المشتركة وامكانات التعاون، والتصدى للصور المغلوطة والتطرف. لابد من مد اليد للآخرين، خاصة فى بلاد الشمس المشرقة. لمزيد من مقالات محمد صابرين