تأتي الأيام دائما بما لاتشتهيه السفن، وتهب رياح عاتية تعصف بالأحلام، وتقتلع النبت الاخضر من جذوره، ولايتبقي سوي ذكري اليمة توهج الحزن في القلوب الملتاعة علي رحيل أغلي الناس . وخاصة فلذالت الاكباد، وتلك الحكاية المأساوية قصفت عمر طفل كان حلم والديه، والنور الذي يلوح لهما في الأفق، كلما اسودت الدروب امامهما، الا ان الجهل والجحود اختطفه منهما في لمح البصر وفقدا العصا التي كانا سيتوكآن عليها في الكبر. الناس أعداء ما يخافون، وأكثر ما يخافه الناس هو الفقر، لذا فهم دائما يسعون للهروب منه بالعلم، فلا أحد يتمني أبدا أن يكون فقيرا، فلا فقر أشد من الجهل، فالجاهل هو أفقر الفقراء وعدو نفسه، فأغلب الآباء يوصون أبناءهم قبل موتهم بالتعلم، فإن لم يكونوا علماءً فعليهم أن يحثوا أبناءهم علي العلم، لأن الابن في ذمة أبيه . عاش والد الطفل يوسف ذي الأربع سنوات مع زوجته وابنه ببني سويف، بعد أن زوج ابنته الكبري ذات ال 16 عاما لفلاح مثله، لكنه كان متعلما القراءة والكتابة، وكان هذا الأب يحب ابنه كثيرا، ويخاف عليه من النسيم العليل، ولهذا كان شديد الحرص علي راحته، وألا يتسبب أحد في إزعاجه، كان الصبي الصغير المدلل يحب اللعب كثيراً، ففكر والده البسيط في تعلم ابنه الصغير، بدلا من اللعب دون جدوي، خصوصا أن هذا الفلاح البسيط حرم من نعمة التعلم بسبب ظروف الحياة القاسية، التي اضطرته أن يعمل فلاحا بسيطا ليساعد والده. إلا أنه عندما كبر في العمر تمني أن يصبح ابنه مختلفا عنه، وتمني أن يراه طبيبا أو مهندسا أو ضابطا يفخر به، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وما نيل المطالب بالتمني، فدائما ما كانت تقف ظروفه المعيشية حائلا دون تحقيق حلمه، وكأنها تشبه الغصة في الحلق، فجعلت الأب البسيط لم يتمكن من إلحاق ابنه بإحدي المدارس قبل المرحلة الابتدائية. حينها شعر الأب الفلاح البسيط، بالعجز عن تحقيق حلمه بأن يصبح ابنه متعلما، حتي راودته فكرة أن يستفيد من زوج ابنته الفلاح باعتباره متعلما، وبالفعل بدأ الطفل ذو الأربع سنوات، يتردد علي منزل شقيقته بشكل يوم. كي يستفيد من زوج شقيقته بعلمه. حلم الأب البسيط كثيرا بأن يصبح نجله من الأوائل عندما يلتحق بالمدرسة في المرحلة الابتدائية، ويحقق من خلال ابنه مالم يستطع تحقيقه في ذاته، فبدأ زوج ابنته في تعليم الطفل الصغير حروف الهجاء، وكأي طفل صغير في عمر الزهور يتلعثم عن نطق الكلام أو بعض الحروف، لكن كثيرا مايتستر الجهل بالعلم والحماقة بالحكمة، ويتستر كل شيء بضده، حيث جهل زوج ابنة الفلاح بطبيعة وسن الطفل يوسف، ولم يتعامل معه باعتباره طفلا إلا أنه عندما كان يتلعثم الطفل يوسف في النطق كان ينهال عليه زوج شقيقته بالضرب المبرح، فلم يرحم ضعف الطفل ولا صرخاته ولا توسلاته له بعدم ضربه. بل وصل الأمر بزوج شقيقة الطفل إلي تعذيبه وإحداث عاهات في جسده، عقابا علي الذنب الذي اقترفه هذا الطفل، وهو التلعثم في النطق، حينها كانت تقف شقيقة الطفل يوسف حائرة بين زوجها وشقيقها الصغير، كانت ذات ال 16 عاما لم تدرك إلي أي طرف تنحاز، هل لزوجها الذي ربما تراه أنه يساعد شقيقها علي التعلم، ويريد أن يقومه ولو بالضرب وبالتعذيب؟!، أم تنحاز لصف شقيقها الطفل، وتعترض علي تعذيب زوجها له، وربما تنال حينها جانبا من نفس العقاب. ربطت الشقيقه الكبري حجرا علي قلبها، وتلفعت بالصبر أملا في ان يصبح شقيقها الوحيد ذا شأن يوما ما ليدافع عنها امام زوجها، ويعيد اليها آدميتها التي سلبها زوجها بجحوده وغدره، وكلما سمعت أصوات صراخ شقيقها زرفت الدموع الا انها لم تقو علي منع زوجها من ضربه، لانها ستنال نفس المصير حتي جاء اليوم المشئوم، وانهال الزوج الجاحد علي جسد البريء بعصا غليظة، وهو يصرخ بأعلي صوته حتي انقطع الصوت فجأة وهرولت الشقيقة الي شقيقها الطفل، ووجدته جثة هامدة، واعتقدت انه أغشي عليه وهمت بحمله ونقله الي المستشفي لإسعافه، الا انها فوجئت بزوجها ذات القلب العليل يشهر سكينا في وجهها ويهددها بالقتل اذا تجرأت وأزرفت حتي دمعة علي شقيقها بعد أن أخبرها زنه مات، ثم حبسها داخل غرفة، وبجوارها جثة شقيقها الطفل حتي عبأت رائحة جثته البريئة اركان البيت وانكشف المستور . فعندما يريد القدر أن يتدخل ويكشف عن مساوئ الظالمين، ويبين حجم ما اقترفوه من ذنب تجاه الآخرين لا يستطيع أحد أن يثنيه عن طريقه الذي دائما ما يحمل في طياته ونهايته عبرة لمن يتعظون، ولمن لا يعتبرون، فعندما شاء القدر بكشف المستور قام ابن عم والد الطفل يوسف، بزيارة شقيقة الطفل يوسف في منزلها، حتي فوجيء بوجود الطفل يوسف مسجي علي الأرض، ولا يلفظ أنفاسه، فحمله وهرع متوجها به إلي المستشفي المركزي ببني سويف، ومن ثم أبلغ الشرطة عندما علم أن الطفل يوسف متوفي منذ عدة أيام إثر تعذيبه، وإصابته بكدمات في البطن والصدر والرأس علي يد زوج شقيقته الفلاح ذي ال 22 عاما. علم الأب المكلوم بتلك الفاجعة، وأيقن حينها أن حلم عمره لم يتحقق، والذي كان دائما يراه عندما كان ينظر إلي طفله الصغير يوسف، وقال الأب صارخا باكيا أثناء التحقيقات مع أسرته:" أنا رجل لا أعرف الكتابة والقراءة، وكذلك حال والدة الطفل التي انهارت بعد سماع خبر وفاة ابنها الصغير فلذة كبدها، وعلي يد زوج ابنتي الذي وثقنا فيه واعتبرناه ابننا حيث إنه متعلم وسيساعد يوسف علي التعلم.. لذا كنا نرسله عند شقيقته ليتعلم علي يد زوجها، ولم أكن أعلم أن تعليمه سيتسبب في موته". وتمني والد الطفل يوسف لو كان متعلما، ليحنو بنفسه علي فلذة كبده، الذي راح ضحية لتلعثمه في نطق بعض حروف الهجاء، وتحرر محضر بالواقعة، وأمرت النيابة بحبس المتهمين في تعذيب وقتل الطفل يوسف، 4 أيام علي ذمة التحقيقات.