تمثل محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو تمرير قانون القومية الذى يحدد أن إسرائيل هى لليهود فقط, وجها آخر لعنصرية الدولة الإسرائيلية وتماديها فى الاعتداء على حقوق الشعب الفلسطينى وتدمير عملية السلام والقضاء على حل الدولتين. فيهودية إسرائيل تعنى أن اليهود فقط هم من لهم حق العيش داخلها, وبالتالى عدم الاعتراف بهوية غير اليهود من العرب المسلمين والمسيحيين داخل الخط الأخضر, وهو ما يمهد لطردهم من أماكنهم فى المستقبل, وسلب حقوقهم ومعاملتهم معاملة تمييزية كمواطنين من الدرجة الثانية, وتقنين هذا الوضع من خلال قانون يعلو فوق المبادئ الدستورية التى تكفل المساواة بين الجميع, فى ظل عدم وجود دستور مكتوب حتى الآن للدولة العبرية. والأخطر أن الإصرار على يهودية الدولة وتقنينه ينسف حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين يتجاوز عددهم السبعة ملايين شخص, ويكفل قرار مجلس الأمن رقم 191 حق العودة لهم, فى مقابل أنه يعطى حق المواطنة لجميع اليهود الذين يعيشون فى دول العالم المختلفة ويستقطبهم للهجرة إلى داخل إسرائيل, وهو ما يعكس الفكر الإسرائيلى فى تغيير الهوية الديمغرافية والتاريخية للأراضى الفلسطينية المحتلة, كما أن يهودية إسرائيل تضع عقبة كئود أمام عملية السلام وأي آمال فى التوصل إلى اتفاق سلام يضمن الحقوق المشروعة والعادلة للشعب الفلسطينى, خاصة مع إصرار نيتانياهو على اعتراف الفلسطينيين المسبق بيهودية الدولة كشرط لاستئناف مفاوضات السلام, وهو الأمر الذى رفضه الرئيس محمود عباس باعتباره تخليا عن الثوابت والحق الفلسطيني وعلى رأسها حق العودة. كذلك فإن يهودية إسرائيل تستهدف إعطاء المشروعية للاستيطان الإسرائيلى المحموم فى الضفة الغربيةوالقدس الشريف وعمليات التهويد الإسرائيلية المستمرة وتغيير معالم المدينة وطرد السكان العرب منها, لذلك فإن إصدار القانون ما هو إلا تقنين للوضع القائم بالفعل الذى تنتهجه الحكومات الإسرائيلية منذ عقود وآخرها اشتراط ولاء القسم للدولة اليهودية كشرط للحصول على الجنسية الإسرائيلية, وفى ظل الانحياز الأمريكى الكامل وتبنيه وجهة النظر الإسرائيلية, حيث أكد أوباما ومن قبله جورج بوش, الالتزام بالدفاع عن أمن إسرائيل كدولة يهودية. وتسعى الحكومة اليمينية القومية المتشددة الحالية فى إسرائيل إلى توظيف حالة الهلامية والتفكك التى تعيشها كثير من الدول العربية منذ سنوات, وجعلت النظام العربى فى أضعف مراحله, وكذلك حالة الانقسام الفلسطينى بين حركتى فتح وحماس, لتمرير مخططاتها التهويدية على الأرض, والتعامل مع عملية السلام باعتبارها مظلة لإضاعة المزيد من الوقت ووضع العقبات أمامها فى سباق مع الزمن مع تراجع الاهتمام الدولى بالقضية الفلسطينية. كما أن الحكومة الإسرائيلية بإصرارها على يهودية الدولة تسعى كعادتها إلى تبديل الأولويات, بحيث لم تعد القضية الأساسية هى إنهاء الاحتلال واستعادة حقوق الشعب الفلسطينى وعلى رأسها حقه فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية على الأراضى التى احتلت عام 1967, وعودة اللاجئين, وإنما القضية الآن هى أن يصبح أقصى أمانى الفلسطينيين هو رفض يهودية الدولة والعيش كمواطنين داخل إسرائيل, وهذا المنهج الاختزالى الإسرائيلى للقضية الفلسطينية نجح فى وضع العرب والفلسطينيين دائما فى خانة رد الفعل, ففى خلال العقدين الماضيين تدرجت القضية الفلسطينية من إنهاء الاحتلال إلى الانسحاب من بعض المناطق, وفقا لاتفاقية الحكم الذاتى, ثم الانسحاب من بعض الشوارع, ثم مجرد وقف الاستيطان, وهكذا تتلاشى القضية الفلسطينية يوما بعد الآخر. يهودية إسرائيل تكشف زيف مزاعمها المتكررة كدولة ديمقراطية, تعيش وسط غابة من الديكتاتوريات, والتى روجت لها فى الغرب, بينما هى الآن تكرس مفهوم الدولة الدينية, وتعيد استنساخ تجربة نظام الفصل العنصرى الذى طبق فى جنوب إفريقيا من قبل ونبذه العالم, عبر تحويل السياسات التمييزية العنصرية ضد الفلسطينيين على أرض الواقع إلى إطار قانونى مشروع. لكن إسرائيل خاطئة وواهمة إذا اعتقدت أنها بسياساتها التهويدية والاستيطانية واغتصاب الأراضى الفلسطينية وعدوانها المستمر على الشعب الفلسطينى فى غزة والمسجد الأقصى، أنها تستطيع محو الحقوق الفلسطينية المشروعة التى كفلتها القوانين والقرارات الدولية، أو أن تفرض أمرا واقعا, فرغم المشكلات والتحديات الصعبة التى يعيشها العالم العربى، إلا أن القضية الفلسطينية ستظل قضية العرب المركزية, بل ان غياب حلها وراء الكثير من الأزمات الأخرى فى المنطقة, كما ستظل إسرائيل هى العدو الاستراتيجى للعرب, الذى يسعى إلى تأجيج نار الحروب والإرهاب ودعم وانتشار الجماعات المتطرفة كأمثال داعش وغيرها لتنخر فى الجسد العربى. لذلك فإن رد الفعل العربى والفلسطينى ينبغى أن يتجاوز مجرد الرفض ليهودية إسرائيل, إلى اتخاذ مواقف ومبادرات تكشف مخاطر تحويل إسرائيل إلى دولة يهودية أمام الرأى العام العالمى, والسعى لاستصدار قرارات من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار يهودية الدولة الإسرائيلية عملا عنصريا, كذلك استعادة القضية الأساسية وهى إنهاء الا-حتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية كأولوية قصوى فى الأجندة العربية, واتخاذ خطوات رادعة لوقف إسرائيل عن الاستمرار فى ممارستها, وقبل كل ذلك إسراع الفلسطينيين باستكمال خطوات المصالحة واتخاذ موقف موحد ضد الانتهاكات الإسرائيلية. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد