قبل أيام، رحل عن عالمنا عميد رسامى «الكاريكاتير» الفنان أحمد طوغان عن 88 عاما، بعد صراع مع المرض، منعه عن حضور افتتاح معرضه الأخير (ذكريات من زمن فات) فى سبتمبر الماضي. وقد تزامن رحيله مع صدور كتابه الجديد «سيرة فنان صنعته الآلام».. وفيه يستعرض تجربته الثرية، التى أتاحت له التقاء ومزاملة روَّاد لمعت أسماؤهم فى سماء الصحافة والأدب والسياسة. وفى رحلته.. يأخذنا طوغان إلى أماكن يسكنها السحر، وتطوف بأرجائها الأسطورة، لنُحلِّق معه فى أجواء ممتعة، قبل أن يُعيدنا إلى الواقع مرَّة أُخرى. والكتاب- الذى حرَّره أحمد كمال زكي- ينقسم إلى ستة أبواب، بالإضافة إلى ملحق للصور والرسوم والكاريكاتير.. وافتُتح بإهداء إلى أحفاد طوغان، ثم مقدمة للراحل خيرى شلبى يقول فيها: «هذه ليست مجرد مذكرات صحفى رسام حقَّق شهرة مدوية.. إنما هى فصول من تاريخنا المعاصر.. غير أنه التاريخ الحي؛ التاريخ غير المرئي؛ التاريخ المخبوء فى كواليس استدرجنا إليها ليرينا ما لم نكن نعرفه عن شخصيات عايشناها وتتلمذنا على أيديها وتأثرنا بها». أما الختام فكان بقلم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، من خلال مقدمته التى كتبها لكتاب طوغان «قضايا الشعوب» الصادر عام 1957. ويستعرض طوغان قصة حياته منذ ولادته فى المنيا، ثم انتقاله إلى أسيوط ثم الى الجيزة.. وينتقل إلى الحديث عن أيامه فى القاهرة، وفى الباب الثانى يتحدث عن الحوادث التى تعرض لها وكادت تودى بحياته، ويأتى الباب الثالث- وهو الأطول والأكثر ثراءً- ليتحدث عن شخصيات وأحداث فى حياته تناولها باستفاضة وحميمية؛ منهم أصدقاء ورفاق عمل أثر فيهم وأثروا فيه، فى مقدمتهم الكاتب الراحل محمود السعدنى صديق العمر وبداية تعرفه به، ثم رغبتهما فى التطوع من أجل إنقاذ فلسطين، ورحلتهما معًا فى طريق الصحافة، وإصدارهما مجلة «الأسبوع»، حيث نجحا فى إخراج تسعة أعداد منها إلى النور، قبل أن تتوقف .. ويختتم حديثه بذكر نوادر ومقالب عن السعدنى «صديق العمر»؛ لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن زكريا الحجاوى «عاشق مصر»، ثم علاقته بالرئيس الراحل محمد أنور السادات.. وكيف تعرف عليه عند الحجاوى فى مارس سنة 1948، وكيف تنبأ بأنه سيحكم مصر. ومن خلال حديثه عن تلك الشخصيات وما يرتبط بها من أحدث، تطالعنا مذكرات طوغان؛ كيف كانت الصحافة مرادفة للتحررالوطني، وكيف ارتفع الصحفيون بأدائهم ونضالهم، وكيف ارتفعت مكانة الصحفى ليصبح طليعة تُنادد قيمة الملك.. ويضرب أمثلة بمحمد التابعي، ومحمود عزمي، ومحمد توفيق دياب، وحافظ محمود، وفكرى أباظة، وغيرهم.. ولولاهم ما جاء مصطفى وعلى أمين، وفاطمة اليوسف، ومحمد عودة، وإحسان عبد القدوس، وأحمد بهاء الدين.. وبقية ذلك الجيل.. الذى عاش المجد الصحفى الذى تألَّف بهؤلاء الرُّواد. ويأبى طوغان أن تخلو مذكراته من البعدين العربى والدولي؛ فيتحدث عن أيام المجد فى وهران، مستعيدًا قصة الجزائر مع الاستعمار الفرنسي، من خلال تجربته الشخصية مع جيش التحرير الوطنى الجزائري، وتجربته فى اليمن التى وصفها ببلاد السحر والخيال، وكان قد حضر جانبًا من حرب اليمن التى شاركت فيها القوات المصرية دعمًا لثورة اليمن. ومن الجزائرواليمن ينتقل إلى براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا - السابقة - التى يصفها بجوهرة قلب أوربا، حيث زارها لحضور مهرجان للفنون التشكيلية حضره نحو 250 فنانًا تشكيليًّا وناقدًا متخصصًا من جميع بلاد العالم، ثم يحكى قصة عودته إلى مصر فى رحلة غير عادية، مرَّ خلالها بألمانيا والنمسا وإيطاليا بسبب أحداث مناخية سيئة؛ فيضانات وسيول وجبال منهارة فى كل مكان من جنوب أوروبا، وظل ينتقل من مكان إلى مكان، ومن دولة إلى أخرى، حتى عاد الى مصر. أحمد طوغان وُلد عام 1926م، وبدأت رسومه تُنشَر فى الصحف المصرية والأجنبية منذ عام 1948م، وخلال رحلته حصل على عدد من الجوائز، آخرها جائزة النيل للفنون لعام 2014م. وشغل منصب رئيس الجمعية المصرية للكاريكاتير، ورئيس رابطة رواد الصحافة، ولم يكتفِ بالرسم، وإنما مارس العمل الصحفي، وأصدر 27 كتابًا تضم رسومه الكاريكاتيرية، وكتاباته الأدبية والسياسية، وأُقيمت لأعماله عشرات المعارض فى مصر وخارجها. كتاب :سيرة فنان صنعته الآلام تحرير: أحمد كمال زكي الناشر :الدار المصرية اللبنانية