قد تكون بشرتى بيضاء ولكن دمى لونه أسود « هذه هى الكلمات التى استهل بها رئيس زامبيا الجديد صاحب البشرة البيضاء ترأسه البلاد فى سابقة تعد الأولى من نوعها فى دولة إفريقية ذات غالبية سوداء، مما يمثل حدا فاصلا فى تاريخها منذ استقلالها عن بريطانيا قبل خمسين عاما، مشكلا بذلك نجاحا ملحوظا لها فى تجاوز الكثير من تعقيدات السياسة العنصرية . وقد جاء تعيين «جاى سكوت» بعد أن توفى خلفه مايكل ساتا عن عمر ناهز( 77)عاما فى بريطانيا إثر مرض خطير لم يتم الكشف عنه إلى الأن، وعلى الرغم من أن مجئ سكوت على رأس السلطة فى زامبيا جاء بالتعيين إلا أنه لاقى الكثير من الزخم، مثيرا بذلك ضجة دولية حول توليه هذا المنصب، واعتبر علامة فارقة فى تاريخ زامبيا وتعكس مدى قدرتها على تجاوز السياسة العنصرية التى هيمنت على إفريقيا منذ خمسة عقود، خاصة أن الماضى الاستعمارى لا يزال يثقل على الحاضر السياسى للقارة السمراء . وقد دفع هذا الأمر الكثير من النخبة السياسية فى زامبيا إلى اعتبار تعيين «سكوت» خطوة على طريق بناء مجتمع غير عنصرى، وأنه جاء على غرار ما حدث فى الولاياتالمتحدة من تولى الرئيس الأمريكى باراك أوباما الرئاسة، ولا سيما أن زامبيا بلد يبلغ عدد سكانه 15 مليون نسمة بينهم 40000 فقط من أصل أوروبى. ولكن هذا الموقف الفريد ليس بجديد على زامبيا، بعد أن ضرب أول زعيم لها بعد الاستقلال، وهو الرئيس كينيث كاوندا، مثلا رائعا فى هذا الشأن، من خلال تأييده بشدة للسياسات التى تشجع الاندماج العرقى والدينى والعرقى والإقليمى، على الرغم من كون زامبيا تضم أكثر من70 مجموعة قبلية مختلفة. و على الصعيد الاقتصادى، عزز تعيين جاى سكوت صورة البلاد كوجهة للمستثمرين الأجانب، لما له من باع طويل فى عالم الاقتصاد، وهذا هو نفس السبب الذى جعل الرئيس الراحل مايكل ساتا يقوم بتعيينه نائبا له . و يمكن القول إن القدر لعب دورا كبيرا فى مستقبل جاى سكوت، فعلى الرغم من تمتعه بسمعة طيبة وخبرات كبيرة فى عالم السياسة، علاوة على تاريخ عائلته الطويل الذى أضاف له الكثير، حيث تحالف والده السكندر سكوت مع القوميين الزامبيين الذين ناضلوا من أجل الانفصال عن الحكم الاستعمارى البريطانى، كما كان أيضا أحد مؤسسى الصحف المحلية المعادية للاستعمار آنذاك. إلا أن كل ذلك لن يمنحه القدرة على خوض سباق الرئاسة المقبل المقرر أن يبدأ خلال التسعين يوم المقبلة، كونه من أصل أسكتلندى، فالدستور الزامبى ينص على أنه لا يستطيع الترشح لانتخابات الرئاسة إلا من كان من أبوين زامبيين. و جاى سكوت (70)عاما متزوج وله أربعة أبناء، وقد تلقى تعليمه فى جامعتى كامبريدج وساسكس فى بريطانيا، وحصل على درجة الدكتوراه فى الاقتصاد فى العلوم المعرفية، وقد بدأ حياته العملية منذ عام 1965 بعد أن شغل وظيفة مخطط فى وزارة المالية، وقد كانت بداية تسعينيات القرن المنصرم البداية الحقيقية لخوضه المعترك السياسى، بعد أن انضم إلى «الحركة من أجل ديمقراطية التعددية الحزبية «، التى كانت تناضل من أجل إنهاء حكم الحزب الواحد، وقد مثلت أواخر التسعينيات نقطة تحول أخرى فى تاريخه السياسى، بعد أن ترك الحركة لتأسيس حزب آخر هو» حزب الجبهة الوطنية»، بزعامة الرئيس مايكل ساتا الذى تأسس عام 2001، وما أن مرت عشر سنوات حتى شهد الحدث الأهم فى مشواره السياسى بعد أن عينه ساتا كنائب له لمساعدته فى تطوير زامبيا، فى سابقة تعد الأولى من نوعها فى تاريخها. وقد عبر جاى سكوت عن فخره واعتزازه الشديد بشغل منصب رئيس البلاد، معترفا بأن هذا التعيين المؤقت ربما يكون قد شكل صدمة للبعض فى زامبيا، كونه أول رئيس أبيض يتولى مقاليد الأمور فى البلاد، متعهدا بأن يحقق الأفضل لشعبه فى الفترة الوجيزة التى يتبوأ فيها الحكم.