لم تمر سوى ساعات قليلة على إعلان منظمة إيقاد الراعية للمباحثات بين طرفى الحرب الأهلية فى جنوب السودان الأسبوع الماضى عن اتفاقهما على وقف فورى لأطلاق النار بلا شروط وامهالهما 15 يوما تنتهى يوم الجمعة المقبل للتوقيع على اتفاق سلام شامل لانهاء الصراع الدائر منذ 11 شهرا حتى اتهم كل منهما الآخر بانتهاك الاتفاق، الأمر الذى يهدد بانهياره مثل سابقيه فيتوارى الأمل من جديد فى حل قريب لمأساة الشعب الشقيق الذى شردت الحرب ربعه وعرضت نصفه للجوع والمرض. لغمان أساسيان يهددان بانهيار الهدنة مثل سابقاتها، الأول عبارة الا فى حالة الدفاع عن النفس الواردة فى أمرى الرئيس سلفا كير وقائد التمرد رياك مشار لقواتهما بالبقاء فى مواقعهما، والثانى هو انعدام الثقة الممزوج بالمرارة بينهما.فالأول يفتح الباب لانتهاك الاتفاق بدعوى الدفاع عن النفس بعد اتهام الخصم بأنه هو الذى بدأ القتال، والثانى يبقى كلا منهما على يقين بأن الآخر لن يحترم الاتفاق فيسارع باطلاق النار ردا على طلقة طائشة أو تحرك غير مقصود، ويعزز ذلك انتقاد رئيس الوزراء الإثيوبى هايلى ماريام ديسالين الطرفين لغياب الرغبة فى السلام وإعرابه عن نفاد صبر المجتمع الدولى بعد أن كان وسيط إيقاد سيوم مسفين قد قال إنهما أقرب من أى وقت مضى لإبرام اتفاق ينهى الصراع. كما كشف دبلوماسيون فى أديس أبابا مقر التفاوض عن أن المتفاوضين لا تبدو على وجوههم الحماسة مما دفع إيقاد لابلاغ كير ومشار أن مصداقيتها أصبحت فى الحضيض والتحذير من أنه اذا لم يتوصلا لاتفاق فان دولها ستتدخل عسكريا لحماية الشعب والتهديد بتجميد أرصدة الطرف الذى ينتهك اتفاق وقف اطلاق النار ومنعه من السفر وحظر توريد السلاح والذخيرة له.لكن هذه التهديدات ليست جديدة ويصعب تنفيذها خاصة التدخل العسكرى لأنه قد يورط قواتها فى مستنقع لن تخرج منه سريعا أو بلا خسائر. كان بصيص من الأمل قد لاح استنادا إلى شيء لم يتحقق فى الاتفاقات السابقة هو ما أعلنه مسفين عن اتفاق كير ومشار على كيفية اقتسام السلطة وقرب توقيعهما اتفاقا نهائيا، وزادت مصادر مطلعة أنهما اتفقا على وجود جيشين بقيادتين منفصلتين خلال فترة انتقالية تقودها حكومة وحدة وطنية برئاسة مشار، حيث يتولى الأول منصب القائد العام للجيش الحكومى ويرأس الثانى جيش المقاومة، وإذا صح ذلك تنفك عقدة أساسية من العقد التى حالت دون إنجاز السلام بعد أن رضخ كير لمطلب رئاسة مشار للحكومة ووافق على تطبيق نظام حكم فيدرالى تحظى بمقتضاه حكومات وبرلمانات الأقاليم بقدر من السلطة. لكن يبقى تحديد سلطات كل من الرئيس ورئيس الوزراء خلال الفترة الانتقالية وكيفية دمج الجيشين بما يرضى المتمردين وكيف سيتم تسوية الخلافات بينهما دون أن تصل إلى حد الافتراق ثانية والعودة للحرب ومتى تنسحب القوات الأوغندية الداعمة لكير تلبية لمطلب مشار، مع العلم أن وضع المتمردين بعد أى اتفاق سلام فى إفريقيا كان دائما سببا رئيسيا فى فشل تطبيقه. إيقاد أعلنت قبل ذلك أنها حققت اختراقا كبيرا فى المفاوضات وتوقعت أن يوقع كير ومشار اتفاق سلام نهائيا ينص على وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية خلال قمة لم تنعقد فى 29 أكتوبر الماضى كما هو مقرر بعد أن وقعا اتفاق مبادئ فى أروشا بتنزانيا أقرا فيه بمسئوليتهما المشتركة عما حدث وبأن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لاعادة الاستقرار،لكن الاتفاق ليس فيه التزام محدد لمحاسبة من يتنصل منه كما حدث لاتفاقات سابقة من بينها ذلك الموقع فى يونيو الماضى ونص على وقف القتال وتشكيل حكومة انتقالية خلال 60 يوما، ولذلك حذر مراقبون من عودة الحرب أعنف مما كانت إذا انهار اتفاق الهدنة وفشل الطرفان فى التوصل إلى اتفاق نهائي. وتحسبا لهذا الفشل أعادت الأممالمتحدة نشر قواتها البالغ قوامها 10500 جندى لحماية المدنيين من المعارك، فهى تتوقع عدم الالتزام بتنفيذ الاتفاق لأن الأزمة تعقدت بما يستلزم بذل جهود هائلة للمصالحة بين المتحاربين من قبيلتى الدينكا والنوير اللتين ينتمى اليهما كير ومشار. نأمل هذه المرة أن يحترم الطرفان اتفاق وقف اطلاق الناربعد أن دفع انهيار الاتفاقات السابقة 90 سيدة من بينهن عضوات بالبرلمان إلى الدعوة لعقاب غير تقليدى بالإضراب عن معاشرة أزواجهن حتى يتحقق السلام عسى أن يوقف الرجال المتحاربون المعارك، فالمرأة مع أطفالها أكثر من عانى من ويلات الحرب التى أودت بحياة نحو عشرة آلاف وأصابت أضعافهم وحالت دون زراعة المحاصيل أو جنيها وعطلت إنتاج وتصدير نحو نصف إنتاج الدولة من البترول الذى تعتمد عليه ميزانيتها بنسبة 95%. يبقى أن اعتراف كير ومشار بمسئوليتهما المشتركة عن الحرب ونتائجها المأساوية يستوجب احالتهما الى المحكمة الجنائية الدولية بما اقترفت أيديهما من جرائم فى حق شعبهما، الأول برعونة قراراته وانفراده بالسلطة دون تقدير للعواقب، والثانى بلجوئه للسلاح وارتكاب قواته جرائم ضد الانسانية وفقا لتقارير الأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى