تشير الدراسات إلى افتقار معظم الإعلاميات العربيات إلى الوعى الثقافى والمجتمعى.. مما أدى إلى إسهامهن بوعى أو دون وعى - فى إعادة إنتاج القيم المعوقة للتطور.. وقد لوحظ أن السياسات الإعلامية الخاصة بالمرأة والأسرة لم يطرأ عليها أى تغييرات ايجابية خلال فترة تولى القيادات النسائية حقل الإعلام.. كما لوحظ أن القيادات الإعلامية الذكورية لا تمتلك تصورا محددا إزاء قضايا المرأة.. إذ يتأرجحون بين الاتجاهات التقليدية السلفية التى تؤمن بالموروثات التاريخية وفكرة النقص الأنثوى وسيطرة النمط الأبوى الذكورى.. وبين الاتجاهات المتغربة الوافدة.. وقليل منهم يتبنى الاتجاه الاجتماعى المستنير.. وينعكس هذا الخليط الفكرى فى صورة تناقضات يعانيها الإعلام الخاص بالمرأة والأسرة العربية. هناك العديد من الإشكاليات التى يمكن إيجازها على النحو التالى: الإشكالية الأولى: تعانى قضية المرأة من الرؤية الجزئية الأحادية المبتورة والتى تنعكس سلبيا على جميع الممارسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية.. حيث يتم تناولها وطرحها باعتبارها قضية تخص النساء فقط ولا تطرح على أنها قضية تخص المجتمع بكامله وتهم الرجال مثل النساء.. ولذلك نحن ندعو إلى ضرورة تعديل الخطاب النسوى.. بحيث يتوجه إلى النوعين الاجتماعيين اللذين تتشكل منهما الأسرة والمجتمع.. مما يستلزم ضرورة الاهتمام بإدراج الرجل كشريك اساسى.. لأننا لا نسعى إلى تحرير المرأة فكريا واقتصاديا واجتماعيا كى تمارس تحررها مع نفسها.. بل لابد أن نراعى أنها سوف تمارس هذا التحرر مع طرف آخر مهيمن بحكم الموروثات الثقافية الخاطئة التى تكرس فكرة النقص الأنثوى. ولا يمكن أن تعتمد قضية تحرير المرأة على النساء فقط مع المشاركة الرمزية لبعض الرجال المستنيرين.. بل لابد من صياغة خطاب جديد يتوجه إليهما معا (الرجل والمرأة) باعتبارهما شركاء حياة.. ويتحملون المسئولية الأولى عن تكوين أسرة آمنة مستقرة من خلال علاقة ندية متكافئة فى الحقوق والواجبات.. ولابد أن يرتبط تحرير المرأة بمصالح الرجل وراحته وكينونته واقتناعه العميق بأن النهوض بالمرأة سوف يوفر له علاقة سويَّة مع شريكة حياته.. فى إطار الأمان الأسرى.. وسوف يحقق له تقدما حقيقيا فى عمله على أساس من التكافؤ والإنصاف.. ويدعونا ذلك إلى المناداة بضرورة إشراك الرجل بصورة إلزامية فى جميع المؤسسات المعنية بقضايا المرأة.. وعدم قصر ذلك على التمثيل الاختيارى الرمزى لبعض الرجال الملتزمين والمؤمنين بالتغيير المجتمعى الشامل.. ولا شك أن ذلك سوف ينعكس بصورة إيجابية على الخطاب الإعلامى الموجه للمجتمع والخاص بقضايا المرأة. الإشكالية الثانية: تعانى المرأة العربية التناقض الناتج عن وجود أجندتين للتغيير: الأجندة الأجنبية التى ترفضها الهيئات المانحة والتى تركز على قضايا الختان والأسرة المثلية وسفر الزوجة للخارج دون موافقة الزوج... الخ. وبين أولويات الأجندة المحلية مثل الفقر والأمية والبطالة وقوانين الأحوال الشخصية والتفسير الذكورى المغرض للنصوص الدينية الخاصة بالمرأة.. باعتبارها مشكلات ذات أولوية قصوى ولا يمكن تجاوزها أو القفز عليها.. وينعكس هذا الواقع على نشاط الجمعيات الأهلية التى تعمل فى الحقل النسائى.. والمنطق يقول بضرورة الالتزام بالأجندة المحلية وترجمتها إلى مواد إعلامية مقروءة ومرئية ومسموعة تركز على حقوق المرأة فى التعليم والعمل والمساواة القانونية فى الأجور والترقى واختيار الزوج والعصمة وحضانة الأطفال...الخ الإشكالية الثالثة: إذا كان الوعى الزائف والمشوه بقضية المرأة .. والذى يهيمن على العقل الجمعى من النساء والرجال .. ويشكل عائقا فكريا ونفسيا .. الأمر الذى يحول دون تحقيق المساعى الجادة للنهوض بالمرأة.. فإن صورة الذات المشوشة والمغلوطة لدى النساء.. تمثل العقبة الكبرى فى تحرير وعى النساء وإرادتهن.. ولذلك يجب الانتباه إلى ضرورة تكثيف الجهود لتحرير عقول النساء من تركة الموروثات البغيضة باعتبارهن أصحاب القضية المستفيدات الأساسيات من التغيير. وهنا أود أن أنوه إلى وجود رجل مستنير يمتلك الوعى الصحيح بقضايا المرأة كجزء من قضايا المجتمع.. أفضل ألف مرة من وجود مئات أو آلاف النسوة المغيبات والمستسلمات للخرافات والوعى المزيف.. وهذا يدعونى إلى التشديد على ضرورة إنتاج خطاب إعلامى جديد يستهدف تحرير النساء من تركة الموروثات التى تكرس الإحساس بالدونية والنقص.. ومن اليسير تحقيق ذلك من خلال الدراما التليفزيونية ومواد الرأى فى الصحف والمجلات. وفى النهاية تقودنا هذه الدراسة والنتائج التى أسفرت عنها إلى طرح السؤال التالى: ما العمل؟ والسؤال المطروح: ما العمل؟.. كيف نستطيع تغيير صورة المرأة العربية فى الإعلام وخلق وعى حقيقى بقضاياها ومشكلاتها مرتبطا بمشكلات الواقع العربى الراهن. إن الإعلام البديل الذى نتطلع إليه هو الإعلام الذى يتميز بالطابع التربوى والتعليمى.. ويأخذ بالمنظور النقدى.. ويستهدف تغيير وجهات النظر التقليدية السائدة حول قضايا المرأة العربية ويطرح رؤية نقدية تصمد أمام الإعلام التجارى وتكشف مساوئه ودوره فى تزييف وعى الجمهور بوضعية المرأة وأدوارها. لمزيد من مقالات د. عواطف عبدالرحمن